إعلان

يوسف شاهين ونور الشريف.. ''حدوتة مصرية''

02:32 م الأربعاء 11 مارس 2015

كتبت- هدى الشيمي:

في أحد حوارته الصحفية وبعد سؤاله عن رأيه في الممثلين المصريين قال المخرج العالمي يوسف الشاهين عن الفنان نور الشريف '' نور الشريف ممثل ممتاز، بدأ بداية طيبة، ثم أهدر موهبته بقبوله أدواراً هابطة المستوى، ثم تدارك نفسه واصبح أعظم مما كان في أي وقت مضى''.

كان شاهين على دراية كافية بموهبة ''نور''، وقد يرجع ذلك إلى قدرته على تقدير موهبة الفنان، حيث كان أشبه بالجواهرجي أو جامع الأنتيكات القادر على معرفة قيمة القطعة الفنية بمجرد النظر إليها.

وقع اختيار شاهين على ''نور'' لكي يجسد دوره في ثاني أعماله الفنية التي تعرض جزءا من سيرته الذاتية في فيلم ''حدوتة مصرية''، ليلعب دور ''يحي شكري مراد'' في أحد المراحل العمرية، والتي وصل فيها كلاهما إلى نضجه الفني.

''أنا مقتنع إني لازم اقدم للناس الحقيقة، والحقيقة الوحيدة إللي اعرفها هي حقيقتي''- يوسف شاهين

حركة تقريب شاهين للنظارة من عينيه، بالضغط عليها للخلف من عند أنفه، وطريقة امساكه لسيجارته التي تعتبر جزء لا يتجزأ من حياته، وإدمانه للتدخين الذي يعلم أنه شيء سيء، استطاع ''نور'' تقديمهم، متفاديا فخ وقع فيه الكثير من الفنانين، الذين عملوا مع شاهين، وهو سيطرته الكاملة عليهم، ورغبته في تقمص شخصيته بحذافيرها، وكافة تفاصيلها.

وبعد عرض ''حدوتة مصرية'' في السينما ودور العرض المختلفة، أكد النقاد أن هذا الفيلم من أفضل أعمال كل منهما، ''شاهين ونور''، فاستطاع الأول عرض الظروف الاقتصادية والعائلية والاجتماعية، وانتقاد المجتمع بكل ما به عبر محاكمة سيرالية تدور داخله، ليحاكم الزوجة، والأم، والأشقاء، والمدرسة، والدولة، وكل الجهات المسئولة، أما الأخير فاستطاع التعبير عن كل ذلك بأدائه المتزن، واسلوبه السلس.

''الحياة كلها قمع في قمع من صغري للجامعة لحد دلوقتي'' نور الشريف في ''حدوتة مصرية''

''حريصا ودؤوبا'' هكذا وصف محسن محيي الدين نور الشريف، أثناء تقديمه لشخصية ''يحيي شكري'' في فيلم حدوتة مصرية، الذي أخرجه يوسف شاهين وتناول جزء من سيرته الذاتية.

خلال فترة اعداد ''حدوتة مصرية بدأت علاقة شاهين بـ''نور''، فتحدثان لفترات طويلة، وتمرنان لفترات أطول، وحرص الشريف على مراقبة المخرج العالمي ومتابعته عن كثب، وملاحظة أعماله وتصرفاته، مما خلق بينهم صداقة وطيدة جدا، لم تنقطع بعد الانتهاء من الفيلم.

وقال محي الدين إن علاقة نور الشريف بشاهين توطدت وتعمقت، بعد تعاونهما في ''حدوتة مصرية''، فكانا يجلسان معا لفترات طويلة، ويتحدثان لساعات أطول.

كما برر سبب اختياره ليعلب شخصيته في الفيلم بعظمة ''نور'' الفنية، وموهبته الفذة، وحرصه الشديد على تقديم الدور في أكمل وجه، بالإضافة إلى وجود شبه بينهم، خاصة عندما يرتدي نظارة شاهين الشهيرة.

في حياة ''نور'' وشاهين الكثير من التشابهات، فكلاهما ذكي، وكلامهما طموح، ملمان بالثقافة، عاشقان للأدب، والتاريخ، والسياسية، وحاولا رصد كل ما يحدث في المجتمع من مشاكل وفساد، وتدهور وتدني أخلاقي بأعمالهما الفنية، كما واجهان مشاكل مع الرقابة، فحاولت الرقابة منع عرض فيلم ''عصفور'' ليوسف شاهين، وتدخل الوزير نبوي اسماعيل محاولا منع فيلم ''أهل القمة'' الذي ينتقد سياسة الانفتاح الاقتصادي.

تسبب التصاق ''نور'' بشاهين في تأثيره الشديد به، فيقول محي الدين أن بعد انتهاء تعاونهما معا، حاول ''نور'' الإخراج، وبالفعل نجح في إخراج عملا سينمائيا هو ''العاشقان'' وشاركته البطولة بوسي، ومسرحية ''محاكمة الكاهن''.

بعد خمسة عشر عاما من العمل على ''حدوتة مصرية'' يعود الثنائي لتقديم تجربة جديدة هي ''المصير''، ليقوم نور بدور ''ابن رشد'' ويعرض شاهين التطرف الفكري والديني، والتعصب، ويؤكد على تأثيرهم السلبي على المواطن والمجتمع.

استخدم شاهين تلك الحقبة التاريخية وهي القرن الثاني عشر الميلادي، أثناء حكم الخليفة منصور، ليعرض أفكاره المناهضة للتطرف، متحايلا على الرقابة، متحاشيا غضبهم، أو رفضهم للفيلم.

''إن الحكمة هي صاحبة الشريعة'' نور الشريف ''المصير''

''الثقافة جمعت بينهما''، هذا ما جاء على لسان المخرج أمير رمسيس، تعليقا على علاقة شاهين الذي عمل معه كمساعد مخرج، ونور الشريف الذي لعب بطولة أحدث أفلام رمسيس.

وتابع رمسيس ''نور الشريف ممثل مثقف جدا، ولديه معلومات تتجاوز الكثير من فنانين جيله، أو اجيال أخرى، وهذا النوع كان المفضل لشاهين، والأكثر راحة في التعامل''.

فضّل شاهين المناقشة مع الفنانين، والتحدث معهم طويلا، وكان يتعامل مع نور الشريف أنه شخص فاهم، فتشاركان في معرفة موسعية، لم تقتصر فقط على الفن، بل شملت الأدب والفلسفة، والموسيقي، وغيرهم من المعارف، بحسب رمسيس.

'' الافكار ليها اجنحة ماحدش يقدر يمنعها توصل للناس'' المصير

وبعد خمسة أعوام، تكرر التعاون بين نور وشاهين مرة أخرى، ليقدمان فيلم ''11'09''01، أو ''11 سبتمبر''، الذي يعرض مختلف وجهات النظر في جميع أنحاء العالم بشأن الهجوم على برج التجارة العالمي في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن الفيلم لم يحقق رواجا كبيرا.

يوسف شاهين ونور الشريف تمكنا من خلق حالة فنية فريدة، فأكمل كل منهما الآخر، وامتزجت الموهبتين معا، ليخرجا بأعمال فنية، ستظل في قائمة النقاد الأفضل، والأكثر نضجا في تاريخ السينما المصرية، والعربية.

 

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان