كتابات فى الفكر الاسلامى المعاصر.. الحلقة الأولى - الإلحاد
بقلم: أحمد حمدى
لم يعد الحديث عن تجديد الخطاب الدينى رفاهية او امر ثانوى بعد الان. ما تشهده مصر حاليا من حراك اجتماعى وفكرى؛ والذى عادة ما يكون من توابع الثورات، لابد ان يوازيه تطور فى الخطاب الدينى. ولا اقصد هنا بالخطاب الوعظى والذى ايضا فى حاجة ماسة الى ان يتطور، بقدر ما قصدت الخطاب الفكرى. لم يعد الاشتغال بالفكر والفلسفة الاسلامية امرا سفسطائيا ولا جدلا لا غاية منه ولكن ضرورة علمية لابد منها.
لم يعد فى استطاعه الخطاب الدينى الحالى ان يقدم اجابات على قضايا ايديولوجية تطرا على اذهان الشباب بصفة يومية. ففى دراسة شهيرة، تم الاشارة اليها اكثر من مرة، لجامعة ميتشجن الامريكية وجدوا بان نسبة الملحدين فى مصر قاربت الثلاثة فى المائة وهى نسبة عملاقة فى مصر، بلد الازهر، بلد الالف مئذنة. ارفض من يرى بان الالحاد مرض خبيث يجب قمعه واستئصاله ولكنه بلا شك عرض لمرض اصاب الفكر الاسلامى. فالفكر الاسلامى ظل محصورا لفترات طويلة فى الزاوية الفقهية المرتبطة بالحاجات اليومية للمسلمين وبعد تماما عن اى طرح يربط بين الدين والدنيا وهو ما ادى بالتدريج ومع مرور الوقت الى اقتصار الوعظ والخطب على مسائل الصلاة والطهارة واخلاص النية وشروط الزكاة وكلها مواضيع على اهميتها الا انها لا تعالج من قرب ولا بعيد مسائل فكرية تمت لمجتمعنا وحياتنا اليومية بصلة.
تبدا المشكلة مع الالحاد فى طريقة التناول والتى تكون فى الغالب سطحية جدا وعصبية لا تعكس شىء سوى عدم احترام وتسطيح شديد للقضية. فالالحاد ليس كعبادة الشيطان والتى ظهرت فى مصر واختفت بسرعة وذلك لان عبادة الشيطان “ان صح تسميته بهذا” لا تملك بنية فكرية وايديوليجية على الاطلاق، بل يمكن حصرها فى عادات وطقوس غربية. على العكس من ذلك نجد الالحاد الذى يبدأ بثورة فكرية على المنظومة الدينية باكملها. الملحد لا يملك مشكلة واحدة مع الدين بل يتشكك فى كل ما له علاقة بالدين. فتتباين اسئلته بطريقة كبيرة فتجد لنفس الشخص سؤال عن حكمة الحجاب؟ ثم صحة البخارى؟ ثم فكرة الشر؟ ثم ادلة وجود الله؟ ثم هدف الحياة؟ ومهما كانت الاجابة مقنعة فالاجابة عن سؤال واحد لن تعيده للدين. فاقناعه بالحجاب لن يعيده للدين، لانه وصل للمرحلة التى دفعته للشك وانكار كل شىء. السائل يحتاج لاعادة شرح وتوضيح لما تعنيه كلمة “دين” من جديد، لما يعنيه “الاسلام” من جديد.
هيأت الثورة المناخ المساعد على رفض كل ما هو موروث. حالتنا فى مصر ليست بغريبة فالثورة الفرنسية على سبيل المثال اطاحت بالدين وبمؤسسة الكنيسة وتم تغيير مفهوم الاله؛ عند الفكر المسيحى اناذاك. وعلى الرغم من الثورات والتقلبات التى تلت الثورة الفرنسية لازال الدين منذ ذلك الحين بعيدا عن الحياة العامة.
وللحديث بقية فى الحلقة القادمة..
فيديو قد يعجبك: