تحليل - مصنعون يدفعون ضريبة الإصلاح .. والسماسرة يربحون
كتب – محمد جاد
عكست نتائج أعمال الشركات خلال الربع الأخير من 2016 آثار حزمة إجراءات الإصلاح الاقتصادي التي طبقتها الحكومة في نوفمبر الماضي، حيث منيت قطاعات إنتاجية بخسائر كبيرة بينما استطاعت شركات السمسمرة أن تستفيد من الصعود الكبير للدولار، وهو ما يضع خطة الحكومة الإصلاحية أمام تحديات للنهوض بالنمو الاقتصادي، وهو أحد الأهداف الرئيسية لخطة الإصلاح.
"استمر الاقتصاد المصري في مواجهة مزيد من التحديات خلال عام 2016 والتي زاد حدتها القرارات الاقتصادية التصويبية الصادرة من الحكومة والبنك المركزي المصري" هكذا قدمت الشركة الوطنية لمنتجات الذرة نتائج أعمالها عن العام الماضي والذي شهد تراجع أرباحها الصافية بنحو 50% عن العام السابق.
"الوطنية" التي تنتج مدخلات أساسية في غذاء المصريين أرجعت خسائرها بشكل رئيسي إلى إجراءات مرتبطة بحزمة سياسات الإصلاح الاقتصادي، لكنها اعتبرت أن البلاد تمر بوضع استثنائي، معلقة بأن تلك الإجراءات"قد يكون لها بعض الآثار الحادة على المدى القصير ولكنها ستأتي بنتائج إيجابية على المدى المتوسط والطويل".
تحرير سعر الصرف يكبد شركات إسكان ومواد غذائية بالخسائر
وأعلنت الحكومة في 2016 عن استهدافها تطبيق حزمة من السياسات لكبح عجز الموازنة ، على رأسها التحول من نظام ضريبة المبيعات للقيمة المضافة والتحرير الكامل لسعر الصرف بجانب المضي في إعادة هيكلة دعم الوقود والطاقة.
وطبقت الحكومة تلك الإصلاحات بشكل مكثف خلال الربع الأخير من 2016، وبعد صدمة تعويم الجنيه التي أفقدت العملة أكثر من نصف قيمتها طلبت البورصة من الشركات الإفصاح بشكل مفصل عن تأثر أعمالهم بفارق سعر الصرف خلال تلك الفترة.
وسجلت " الوطنية " خسائر من فروق العملة لكنها تقول في تقريرها عن أعمال 2016 أن متاعبها لم تقتصر على ارتفاع الدولار " الشركة عانت من عدم توفر العملة اللازمة لاستيراد المادة الخام الرئيسية وقطع الغيار والذي ترتب عليه انخفاض في كميات الانتاج والمبيعات وتوفف المصنع عن الانتاج لمدة 16 يوم."
كما واجهت الشركة زيادة تكاليف الإنتاج بسبب "ارتفاع تكلفة المياه والكهرباء والغاز الطبيبعي والسولار والبنزين، إصدار قانون ضريبة القيمة المضافة وخضوع منتجات الشركة (الفركتوز والجولوكوز والمالتوديكسرين) إلى 13% بدلا من ضريبة مقطوعة بمبلغ 50 جم للطن .. ارتفاع الدولار الجمركي وما ترتب عليه من زيادة التكلفة لقطاع الغيار المستوردة".
وتشكو الشركة في طيات تقريرها المرسل إلى البورصة الشهر الماضي من ضعف الطلب الناتج عن الضغوط التضخمية التي ولدتها إجراءات الإصلاح الاقتصادي، حيث تقول إن مبيعاتها تضررت من "ارتفاع التضخم خلال عام 2016 وقد وصل إلى 25% في ديسمبر 2016 وما ترتب على ذلك من حالة الانكماش التي تشهدها البلاد".
"لا شك أن إجراءات كبح العجز في 2016 أثرت سلبا على القطاعات الإنتاجية، لكن من المبكر الحكم على عمق تلك التأثيرات على الصناعة" كما يقول عمرو عادلي، استاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية.
شركات مالية تزيد أرباحها بمعدلات تتجاوز 600% في بعض الحالات
ويبدو من نتائج أعمال " الوطنية للذرة " أنها استطاعت الحفاظ نسبيا على مستوى جيد من قيمة المبيعات بعد أن مررت جزءا من زيادة الأسعار للمستهلك لكن أرباحها تضررت من ارتفاع تكاليف الإنتاج.
وارتفع صافي مبيعات الشركة العام الماضي بنحو 18% وهو ما أرجعته الوطنية جزئيا إلى "زيادة أسعار المبيعات بمبلغ 177 مليون جنيه بالرغم من انخفاض الكميات المباعة بمبلغ 26 مليون جنيه "، وفي المقابل زادت تكاليف المبيعات بنحو 18.6% عن العام السابق.
وتتكرر تلك الظاهرة مع العديد من الشركات، فشركة دومتي على سبيل استطاعت أن ترفع إيراداتها من مبيعات عبوات الجبن خلال الربع الرابع بنحو 34% بفضل زيادة الأسعار لكن تكلفة المبيعات زادت في نفس الفترة بنحو 55%، وفسرت الشركة للبورصة زيادة تلك التكاليف بـ "تراجع قيمة الجنيه المصري وتأثير ذلك على ارتفاع معدلات التضخم".
وتقول يونيفرت للصناعات الغذائية، في نفس السياق، إن السوق يعاني "من ارتفاع التكاليف وعدم قدرة المنتجين بزيادة أسعار البيع لمنتجاتها بنفس نسب الزيادة في التكاليف الناتجة عن القرارات المتلاحقة طوال العام والخاصة بالإصلاح الاقتصادي " وقد تحولت الشركة في 2016 إلى الخسائر مقابل تحقيق أرباح في العام السابق.
"ما حدث في نوفمبر الماضي كان صدمة للسوق وكان الأفضل أن يتم بشكل أكثر تدرجا " كما يقول نعمان خالد، المحلل بشركة سي آي كابيتال لإدارة الأصول.
ورفع البنك المركزي يده تماما عن حماية العملة المحلية في نوفمبر مع تطبيق خطوات جديدة من تحرير أسعار الوقود، وكان ذلك بعد أقل من شهر من تطبيق ضريبة القيمة المضافة.
" بعد صدمة التعويم استشعرت أن النصف الأول من 2017 لن يكون على ما يرام بالنسبة للقطاعات الإنتاجية، الأمل في النصف الثاني" كما يضيف خالد.
ولم تقتصر زيادة تكاليف الإنتاج فقط على ارتفاع المدخلات المستوردة من الخارج بسبب فارق سعر الصرف ولكن عانت بعض الشركات من ارتفاع تكاليف التمويل، لأن بعض قروضها كانت بالعملة الصعبة.
ومن الأمثلة على ذلك شركة جهينة، حيث يقول بنك أرقام كابيتال في تعليقه على نتائج أعمالها خلال الربع الأخير من 2016 " الخسائر الصافية المقدرة بـ115 مليون جنيه تأثرت بقوة بارتفاع تكاليف التمويل بنسبة 67% على أساس سنوي كنتيجة لخسائر مرة واحدة من سعر الصرف ترتبط بإعادة تقييم التزامات بعملات أجنبية مثلت 60 مليون جنيها، بجانب التزمات ضريبية مؤجلة".
وبينما كان الفحم ملاذا لشركات الأسمنت من ارتفاع أسعار الغاز في إطار خطة هيكلة الدعم أو نقص الوقود، أصبح عبئا على القطاع مع ارتفاع تكاليف استيراده بعد التعويم.
ويقول أرقام كابيتال في تحليله عن نتائح أعمال السويس للأسمنت خلال الربع الأخير من العام الفائت أن الشركة "تبحر في خسائر أعمق مع أعباء سعر الصرف" والتي انعكست في عدة مجالات منها " 272 مليون جنيه أعباء سعر صرف على واردات الفحم نتيجة إعادة تقييم الجنيه مقابل الدولار".
وزادت خسائر السويس للأسمنت خلال العام الماضي بنحو 525% مقابل العام السابق عليه.
وبعض الشركات لم يكن لها تعامل مباشر مع العملة الأمريكية لكن ذلك لا يعني أنها تضررت، حيث تقول القاهرة للإسكان في تقريرها للبورصة أن جميع تعاملاتها تتم بالعملة المصرية لكن "تحرير سعر الصرف أثر على نتائج أعمال الشركة عن الفترة مالية تأثير سلبي ولكن بطريقة غير مباشر"، وإن كان مجمل أعمال الشركة في العام الماضي قد انتهى بزيادة في صافي أرباحها بنحو 83%.
وتمثلت الآثار غير المباشرة على " القاهرة " في "ارتفاع أسعار مواد البناء إلى ما يفوق 50% مما أدى إلى مطالبة مقاولي الباطن بزيادة في فروق الأسعار عن العقود السابق إبرامها وبالتالي زيادة تكلفة المشروعات بالرغم من ارتباط الشركة مع العملاء بأسعار سابقة مما أدى إلى انخفاض ربحية الشركة".
وفي مقابل دراما القطاعات الإنتاجية يبدو المشهد مختلفا في قطاعات السمسرة والخدمات المالية، ففي نتائج القوائم المستقلة لشركة بايونيرز تظهر أرباحا من فروق العملة على سبيل خلال 2016 تفوق العام السابق بأكثر من 1400%.
واستطاعت المجموعة المالية هيرميس أن تسجل ارتفاعا سنويا في صافي أرباحها بنسبة 690%، وقالت الشركة " ارتفعت الإيرادات التشغيلية لتصل إلى 4 مليار جنيه بنهاية العام المالي 2016 .. وذلك إثر تسجيل أرباح من فروق العملة جاء أغلبها عقب قرار تحرير سعر الصرف".
" شركات السمسرة استفادت من الإقبال القوي على الاستثمار في البورصة بعد التعويم، لقد ارتفع المؤشر في وقت قصير من مستوى 7000 نقطة إلى ما يقارب الـ13 ألف نقطة" كما يقول محلل سي آي كابيتال للأصول.
ويضيف خالد " شركات السمسرة لا ترتبط بأعمال إنتاجية زادت تكاليفها مع إجراءات الفترة الماضية، أرباحها لا تعكس أداء الاقتصاد".
فيديو قد يعجبك: