إعلان

فورين بوليسي: الموصل.. أهلا بالأناركية ووداعًا لـ"الدولة الإسلامية"

10:19 م السبت 25 مارس 2017

ارشيفية

كتب – محمد الصباغ:
في صباح هادئ نهاية فبراير الماضي، اخترقت مجموعة من سيارات الدفع الرباعي السوداء ومعها سيارات صغيرة، أطراف شرق الموصل، وفي وقت ما كانت تسير بسرعة فاقت 75 ميلًا في الساعة. بهذه السيارات، يجلس مسلحون يدخنون سجائر بعصبية في حين تعلو الموسيقى العسكرية من الراديو.

وبمؤخرة إحدى السيارات هناك ثلاثة من الذكور، جُذبت قمصانهم من أكمامها حتى تغطي وجوههم. كان أصغرهم يبدو عمره 15 عامًا. احتجز الثلاثة لدقائق للاشتباه في تعاونهم من تنظيم داعش، والذي انسحب إلى غرب الموصل في نهاية شهر يناير لكنه ترك بعض الخلايا النائمة بحسب تقرير مجلة فورين بوليسي الأمريكية.

ويتابع تقرير أن هذه المجموعة كانت تنتمي إلى المخابرات العراقية، واستمرت في التحرك نحو ضاحية أخرى. تحرك الأفراد نحو الأزقة وركلوا أبواب المنازل المشبوهة.

وفي هذا الوقت، ظهرت مجموعة أخرى من السيارات العسكرية، وخرج منها جنود غاضبون يتبعون الفرقة 16 من الجيش العراقي، وكانت أسلحتم في أيديهم.

وصاح أحد جنود الفرقة 16 بوجه جندي المخابرات "ماذا تفعل؟ لم تنسقوا معنا". فرد الأخير "نحن نقوم فقط بوظيفتنا". وأضاف كاتب التقرير بالمجلة الأمريكية أنه مع تطور المواجهة لاحظ وجودهم جنود الفرقة 16 ليقول أحدهم "لا تصوروا ذلك. سنصادر كاميراتكم".

ومع تطويق الفرقة 16 برجال المخابرات لم يكن باستطاعة الأخيرين مغادرة المكان. وقال أحد ضباط الفرقة "ستأتون معنا". ثم اصطحبوهم إلى أحد الكمائن وواصلوا النقاش الذي بدأ.

وتابع التقرير أنه ربما بدلا من القضاء على مقاتلي داعش، سينتهي الأمر بصراع بين الأجهزة الأمنية العراقية، ليلقي كل منهم القبض عل الآخر.

تكررت مثل هذه المشاهد في المناطق المحررة من الموصل، وفقًا لفورين بوليسي. والتنافس بين المجموعات العراقية سيكون على حساب مواجهة خلايا تنظيم داعش النائمة، والتي بدأت سلسلة من التفجيرات الانتحارية في المناطق المحررة.

ويقول موفق الربيعي مستشار الأمن القومي السابق "لا توجد خطة للحكومة العراقية بعد الموصل. لم أر أي خطة". وينفي المسئولون العراقيون ذلك، مؤكدين أنهم يعملون على استراتيجية لإعادة الأمن والخدمات إلى المدينة المنكوبة.

فيقول وليد البياتي، مستشار حاكم محافظة نينوى "بالطبع هناك خطة"، مشيرًا إلى 6 صفحات من الوثائق التي تبرز مبادرات لإعادة البناء واستعادة الحياة الاقتصادية بالمدينة.

وتابعت "فورين بوليسي" أن مؤسسات الدفاع والاستخبارات العراقية تفتقد القيادة الموحدة. ويقول دافيد ويتي، الكولونيل الأمريكي السابق "يتنافس الجميع على الموارد والسلطة".

فيما يتحدث بعض الضباط العراقيين عن عدم التنسيق بشئ من الفخر، حيث يقول المقدم الركن منتظر الشمري، من القوات الخاصة العراقية "لا نحتاج إلى التنسيق مع أحد. نواجه أخطر حالات الإرهاب، ونتعامل معها بأنفسنا".

وخلال المداهمة الأخيرة، تحرك قائد رجال الاستخبارات بشكل سريع لإنهاء الموقف مع الفرقة 16. وقام نائب مدير الاستخبارات في نينوى، ببعض الاتصالات مع الرتب الأعلى لإنهاء التوتر. وبعد المواجهة الحامية، توصل الطرفان إلى اتفاق يقضي بأن ترافق سيارة تابعة لفرقة الجيش المجموعة من الاستخبارات خلال بقية عمليات المداهمة في المنطقة.

وتابع القائد، كما نقلت فورين بوليسي، أن "العمل شاق جدا، لكن هناك تقدم،" مضيفًا "علينا بناء الثقة مع المدنيين، وهذا الثقة يجب أن تكون متبادلة فعليهم الثقة بنا وعلينا أن نكون قادرين على الثقة بهم."

لكن على قوات الأمن العراقية بناء الثقة بينهم في المقام الأول. فلا تنته كل الأمور بشكل سلمي. ففي توتر مشابه بيت قوات الاستخبارات وجهاز مكافحة الإرهاب بالعراق، انتهى الأمر في 6 فبراير الماضي بتبادل لإطلاق النار وقُتل أحد رجال مكافحة الإرهاب شرقي الموصل.

ومما يصعب من التحديات القائمة، لا يوجد عدد كاف من الجنود لتأمين شرق المدينة بالكامل مع التركيز على القتال في غرب الموصل. فيقول أحد سكان الموصل فيصل جابر "هناك حظر تجوال يبدأ في الخامسة والنصف، لكن الكمائن تكون خالية ليلًا". وأضاف الذي يناصر مليشيا سنيّة محلية "هم خائفون أو كسالى". وكان يشير في حديثه إلى الفرقة 16 من الجيش.

تكونت هذه الفرقة من بقايا رجال الجيش الذين هربوا من الموصل دون قتال في عام 2014، وكان دائمًا ما يشار إليهم بأنهم "جنود أشباح" حيث يتقاضون رواتب بالفعل لكنهم يدفعون جزء منها للضباط مقابل أن يبقوا في منازلهم.

أغلب هؤلاء الجنود من الشيعة الذين كانوا مكروهين بين سكان الموصل بسبب أعمالهم العدائية، وكان متمردين يهاجمونهم بالتفجيرات – بحسب التقرير.

لو استمر الصراع بين الوحدات العراقية سيكون من الصعب إعادة بناء الأمن في الموصل.

تسيطر على المدينة الآن، قوات شبه مسلحة ذات أغلبية سنية، وتزداد مسئولياتهم في المدينة يومًا بعد يوم، لكن نقص الرجال يؤثر سلبًا بشكل كبير.

ومن جانب آخر، وضعت قوات الحشد الشعبي الشيعية لنفسها موطئ قدم في الموصل. وقال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في وقت سابق إن هذه القوات الشيعية سوف تستثنى من عملية استعادة الموصل. وفي الوقت الذي تتمركز فيه هذه القوات في الصحراء غرب الموصل لمنع مقاتلي تنظيم داعش من الفرار إلى سوريا، أقامت مجموعات شيعية أخرى مثل كتائب حزب الله، وكتائب العباس، مراكز لها في شرق الموصل.

وعن هذا المليشيات الشيعية يقول المواطن السنّي، فيصل جابر "عادة ما تدخل قواتهم مدينة الموصل خلال اليوم مع راياتهم الملونة وفي بعض الأحيان يحملون مكبرات الصوت وينشدون أغانيهم، التي عادة ما تكون عن الثأر لمقتل الحسين".

كما يقول الحاكم السابق لولاية نينوى، أثيل النجيفي، لفورين بوليسي "الآن في بغداد، المليشيات الشيعية أقوى من العبادي".

خسر النجيفي مركزه مع سقوط الموصل وغادر إلى مدينة إربيل، حيث جمع قوة من بضعة آلاف من المقاتلين بموافقة حكومة كردستان ودعم من تركيا. وينتظر قرار بالتدخل، ويقول "الناس في الموصل لن توافق أبدًا على يكونوا تحت سلطة شيعة أو يتبعون سياسيين من الشيعة".

ينتظر النجيفي بعيدًا عن الموصل لأن هناك مذكرة اعتقال بحقه، ويحذر من أن منع القادة السنّة أمثاله من العملية السياسية يعتبر تكرار لأخطاء الماضي. وأضاف "أغلب القوى السنية ستعمل في الخفاء".

تتدرب قواته في منطقة كردية بشمال الموصل، متوقعًا أن تفشل استراتيجية الحكومة المركزية في فرض الاستقرار بالموصل. وقال "أنا متأكد من الفشل. لأنه بداخل المدينة الآن، لا توجد خدمات، ولا إدارة، والقوى الأمنية ضعيفة جدًا".

لكن كثيرون في بغداد يرون النجيفي بمثابة أزمة، فقد تم إقصاءه من منصبه بقرار برلماني عام 2015 بأغلبية تصويت، بسبب الفساد ومسئوليته عن سقوط الموصل في يد داعش. وقال مسئول أمني لفورين بوليسي –فضل عدم كشف اسمه- مشيرًا إلى النجيفي "هو جزء من المشكلة وليس جزء من الحل".

عدم الاستقرار هو بمثابة هدية لتنظيم داعش، الذي يحاول إعادة فرض الخوف في المناطق المحررة. فبدأ سلسلة من الهجمات الانتحارية في شرق الموصل.

وتابعت المجلة الأمريكية أن الموقف الأمني المتراجع عرقل عملية الإصلاح. فأغلب المناطق بلا مياه أو كهرباء أو رعاية صحية. فيما عادت المكاتب الحكومية لفتح أبوابها في شرق الموصل، وتأتي كل الخدمات المدنية بشكل يومي من إربيل.

وبالنسبة لرجل شركة أمام موقع آخر تفجير، وأمام جزء من جثة لم تحدد هويتها، فيبدو أن الأوضاع السابقة التي كانت لا تطاق في طريقها إلى العودة. وقال "رأيت مثل هذه الأشياء مرات كثيرة في السابق".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان