أصغر عمال "أتوبيس المريوطية انتشلته "العناية الإلهية" في لحظات
كتب-دعاء الفولي وإشراق أحمد:
بالمقعد الثاني خلف "عم باسل" قائد السيارة جلس أحمد يوسف، جهة اليمين مكانه المحفوظ بالحافلة "كل واحد ليه مكان معروف"، يتقدمه الرجل القريب من قلبه رغم فارق السن بينهما "عم عاطف"، ذلك الرجل الستيني المحتضن لأحدث المنضمين لشركة "أوراسكوم" داخل "الاتوبيس"، ثوان وانقلب الحال رأسا على عقب، سقطت السيارة من فوق الكوبري، بات الرجل الستيني في ذمة الله بين 12 أخرين، فيما انتشلت العناية الألهية الشاب العشريني بين 15 غيره قبل الغرق بمياه ترعة المريوطية.
داخل غرفة 27 بمستشفى الهرم، جلست والدة أحمد يوسف على مقعد قبالته، تبكي بصوت خفيف، تحمد الله أن الأمر لم يتخط ذلك، بينما يقف بجانبها أحد أقاربه يستقبل الدالفين، ذراع "يوسف" الأيسر كان مغطى، بينما الأيمن يحركه قليلا "الدكتور قاله هعملك عمليه في دراعك الشمال عشان فيه وتر مقطوع"، على حد قول الوالد، أنهى الشاب ابن الـ24 ربيعا الدبلوم، ثم التحق للعمل بمجال السياحة، ليتركه ويعمل بالشركة منذ أربعة أشهر.
السبت هو يوم مميز بين عمال الشركة، يتأخر موعد ذهابهم إلى موقع العمل عن المعتاد، من دار السلام انطلق الشاب العشريني مع رفاقه الـ28، داخل الأتوبيس الحامل للوحة رقم "أس6394" وفي غضون الثامنة صباحا، أعلى كوبري "المريوطية"، ظهرت فجأة سيارة نصف نقل، حاول "عم باسم" تفاديها، فانحرفت عجلة قيادة سيارته "حاول يظبط الأتوبيس معرفش" خرج عن المسار وبات في الجهة العكسية ليتجاوز السور، وتهبط الحافلة.
لا يذكر يوسف عن ثواني الحادث كثيرا؛ انحراف الأوتوبيس، أصوات ارتطام، ثم كثير من المياه الثقيلة بفعل الطحالب والطين "لقيت واحد خارج من الأوتوبيس خرجت وراه.. محستش غير بنفسي وأنا على الوش"يقولها الشاب بصوت خفيض وملامح يبدو عليها الاعياء أكثر من الصدمة، ينظر بعينه لأعلى، يستعيد المشهد كأنما طاقة نور فتحت له وانتشلته دون معرفة مصدر قدومها.
ظن الشاب أنه رأي الكثير من زملاءه يسبحون حوله، لكنه لا يعلم إذا ما كان ذلك حقيقة أو من أثر مباغتة الحدث، يحمد الله، يترحم على من رحلوا من الزملاء ممن في رقبتهم أبناء وزوجات، يحاول رغم حالته تبرئة ما نقله له أسرته باتهام السائق أنه المتسبب في الحادث "الله يرحمه عم باسم كان سواق كويس جدا لكن القدر بقى"، يشيح وجهه بصعوبة، تتغير ملامحه بذكر التأمين، فالشاب حال كثير من غير المعينين لا تأمين لهم.
على أعتاب حجرة "يوسف" يجتمع العديد من زملاء الشركة، ينتظرون الاطمئنان على رفاقهم، يتعجب أحدهم "ده لسه كان يوم الخميس حفلة كبيرة معمولة عشان مرور 8 مليون ساعة من غير حوادث"، يلتفت يميان ويسارا في ذهول، فيما يأن المصابين وبينهم "يوسف" بالداخل لحالهم ولرحيل زملائهم.
دموع تنساب من عين الأم جوار ابنها "ربنا ما يوريك شر الغفلة"، قالتها باكية لأحد زملاء "يوسف"، جاء ليطمئن عليه، حاول تعزيتها، فنظرت إلى الابن الممد على السرير متسائلة مفروض شباب زي دول يبقى ليهم تأمين؟"، فلم يجب أحد.
فيديو قد يعجبك: