ماذا قال مبارك ليلة الثورة؟
كتبت- دعاء الفولي وإشراق أحمد:
واثق الحديث، يُطمئن الرعية، يرفع عنهم الخوف، لا تراجع عن الديمقراطية، ولا استسلام للأزمات، الحلول موجودة، ما عليه سوى التفتيش عنها، فهو الرجل المُدبر، الأب الذكي، المحتضن لأولاده، المحافظ على أحلامهم. في ليلة الثورة صرّح الرئيس الرابع لمصر، محمد حسني مبارك، أنه يبذل قصارى جهده، رغم أننا "دولة فقيرة"، يعد بالمزيد من الحرية واحترام الصحافة، لن يخضع لضغط أمريكي، سيوفر الطعام والمسكن ويحافظ على أرواح شعبه، ولن يحيط نفسه بـ"شلة"، مر ثلاثون عاما على أول حوار صحفي مع مبارك عقب ثلاثة أشهر ونصف من توليه الحكم في 24 يناير 1982، لم يعلم وقتها أن اليوم التالي لذلك التاريخ من عام 2011، ستولد ثورة، تقتلع حكمه، وتخلع عباءة وعوده المنثورة التي لم تتحقق.
في الحوار الذي أجراه موسى صبري، رئيس تحرير جريدة الأخبار، استخدم الرئيس المخلوع كلمات رنانة؛ "الديمقراطية"، "التقدم"، و"الحكم بالدستور والقانون". ضم الحوار محاور عدة؛ أزمة الإسكان، المشكلة الاقتصادية، قضية الانسحاب الإسرائيلي الكامل من سيناء، حرية الصحافة؛ تفاصيل كُتبت على أربع صفحات بعدد الأخبار.
مسئولية الحكم جاءت في صدر الأسئلة التي وجهها رئيس التحرير، لتأتي إجابة الرئيس الأسبق "عاوزين مطرقة نمشي بيها.. وإنني أقول وأكرر.. يد واحدة لا تصفق.. لن أعمل وحدي أبدا.. كل ذي خبرة وكل صاحب فكر يجب أن يتقدم إلى العمل معي".
هل يقرأ الرئيس الصحف؟
الماضي هو عدو مبارك الأول، بدا ذلك في الحديث "هنتننا نقف مطرحنا.. مش معقول.. ساعدونا عشان نمشي لقدام.. مش نقعد نفتق في الماضي" سأله الصحفي عن الذين يحللون أخطاء الماضي كي يستفيدوا منها، فرد "الكلام عن أخطاء الماضي ليس جديدا.. كلنا نعرف الأخطاء.. ولكن المطلوب من الجميع أن يتعاونوا من أجل المستقبل".
أخبر "مبارك" رئيس تحرير الأخبار، أنه يقرأ مُعظم ما يُكتب بالصحف، لكنه لا يُكمل القراءة حين ينبش أحدهم في الماضي "أنا أفهم أن أقرأ تحليلا موضوعيا لشيء حدث في الماضي .. يحمل معه ضوء على طريق المستقبل، أما أن تكون لكلمات على أن الماضي سيء وزفت وهباب.. طيب ماذا بعد؟".
وتعليقا على اجتماع "مبارك" برؤساء تحرير الصحف قال إن بعضهم تفهّم ضرورة السير للأمام، بينما يصر آخرون على ضرورة الرجوع إلى الوراء، ثم قال ضاحكا-حسب وصف الكاتب "وسيبك بقى من حكاية إن كاتب يقولي جاله ألف جواب.. وتليفونات.. كل الكلام دة إحنا حافضينه.. ومش عاوز أقول فبركة.. إنما يظهر دي لزوم إظهار الكاتب لتأييد القراء له.. إنني لا أقصد الإساءة إلى أحد.. إني أحترم الكلمة.. وأحترم كل كاتب في مصر مهما كان اتجاهه".
"مصلحة مصر.. أن تقوم المعارضة وأن تكون موضوعية"
حين سأل صبري الرئيس المخلوع عن اجتماعه بالمعارضين، قال إنهم مصريون قبل أن يكونوا معارضين و"الموضوعات القومية يجب أن نبحثها كلنا.. حزب حاكم.. وأحزاب معارضة.. وأمامنا مشكلات عدة.. المشكلة الاقتصادية هي الأساس.. وهي تُبحث الآن مع عتاولة الاقتصاد في البلد".
قال مبارك إن الاقتصاد له علاقة قوية بالسياسة، حين بادره "صبري" بملاحظة أن المؤتمر الاقتصادي تأخر انعقاده "أعرف أن سيادتك تعقد اجتماعات مع الاقتصاديين غير معلنة"، ليوضح الرئيس حينها "أنا مش عاوز بروباجندا.. المهم الوصول إلى قرارات ولن تطلع القرارات الاقتصادية من تحت الترابيزة.. كل شيء سُيعلن ويكون موضع مناقشة".
وما بين الإجابة وتفخيخها بما يلحقها من ردود، كانت كلمات "مبارك"، فاتبع الحديث عن الاقتصاد بأن "المشكلة الاقتصادية عويصة.. لن تحل بين يوم وليلة.. إنها خطة عمل لسنوات مقبلة"، مؤكدا على رده حينما سأله "صبري" عن إن لمس تفاؤل نحو وضع سياسة اقتصادية خفف الأعباء عن الجماهير بقول قصير "أنا لم أدرس بعد نتائج محددة"، ويؤكد أن الدعم لن يمس، فيما يلحقه بقول "أننا لم نستطع أن نحصر بسهولة من يستحقون الدعم"، واضعا فترة زمنية بين 5-10 سنوات لترشيد الدعم، وبدا أنه مدركا للأمر حينا قال "يكفي أن نعرف أننا نستورد 70% من طعامنا من الخارج".
وعن الإسكان أجاب مبارك سريعا عن المشكلة التي تصل في أهميتها إلى لقمة العيش "حجرة واحدة لا تكفي. وقد جربت وفشلت... إن عادتنا وتقاليدنا تحتاج إلى اسكان من حجرتين على الأقل"، لكنه لم يغادر الإجابة إلا بربط الأمر بالمشكلة الاقتصادية.
لا أحب كثرة الكلام والوعود
"كما ستكون لنا خطة اقتصادية متكاملة.. ستكون لنا أيضا خطة اسكانية متكاملة.. ولكنني لا أحب كثرة الكلام وكثرة الوعود" كذلك قال مبارك، مخبرا "صبري" حينها أنه سيكون هناك مؤتمر للإسكان، يعقب الاقتصادي المقام 11 فبراير من ذلك العام "وسيكون الهدف الأول هو اسكان للطبقات المتوسطة ومحدودة الدخل".
وكان للفساد حديث عند "مبارك"، لا ينكر وجوده لكن له فلسفة خاصة عنده، إذ قال "نعم عندنا فساد ولكنني أؤكد أنه أقل فساد من الدول الكبرى ولكنه لا يظهر.. وأي واقعة فساد عندنا تظهر وتكبر، لأننا دولة نامية ودولة صغيرة.. وكل الناس تقعد تتكلم فيها، ولكن الأساس هو أنه لا تهاون مع أي انحراف مهما كان حجمه".
أنا معنديش كوسة
وقائع سردها "صبري" على مسامع "مبارك" حرص الاخير على توظيفها لإظهار ملامح الرئيس الحالي، منها ما سرده عن رواية أحد أقاربه للتعيين بإحدى الشركات متوسطا في قرابته كرئيس جمهورية، فنهره ومنع توظيفه، وقال له "التعيين في أي وظيفة يجب أن يكون له نظام عادل، وشروط، ومسابقة مثلا.. لابد أن يكون هناك أسلوب.. أما سكة الكوسة.. أنا معنديش كوسة".
"خليهم يكتبوا" كلمتين أجاب بها "مبارك" حين أخبره "صبري" أن الصحافة الاجنبية تكتب عن تحليلات لشخصيته وإلى أي نمط إدارة سياسية ينتمي، هل إلى جمال عبد الناصر، أم السادات، وماذا ينوي أن يفعل بالمستقبل، ولم يزد أمام سؤال محاولة رئيس تحرير الأخبار "من هو حسني مبارك" في محاولة لمناغشة شخصيته لإظهار مزيد من التفاصيل سوى قوله "حسني مبارك أهو قاعد قدامك".
وحين سؤال "مبارك" عن الخطوط الأساسية للسياسة العامة، أجاب بأن الخط الأساسي الداخلي هو مصلحة القاعدة العريضة لهذا الشعب، وأنه علينا تشخيص أنفسنا ومعرفة أننا "دولة فقيرة.. لا إننا دولة متخلفة"، ولا يجب المقارنة بين مصر والدول الكبرى، ضاربا المثال بتطبيق الديمقراطية كاملة كما في أمريكا المتواجد بها حزبين "لو فتحنا باب الأحزاب لوجدنا عشرين حزبا وكل حزب يريد أن يصل إلى السلطة وفي ظل هذا التناحر سيكون الضحية هو المواطن المصري المطحون... الناس اللي تحت عاوزين حد يديهم أكل وبيت يسكنوا".
وعن الديمقراطية والحرية أوضح أنه يرى تحقيق التوازن بين الديمقراطية الاجتماعية والسياسية، نافيا تقييده لحرية التعبير لكنه في الوقت ذاته طالب الكتاب والصحفيين إلى الكتابة عن المشكلات الحقيقية، وتقديم حلول "نوروا الناس" حسب تعبيره قائلا "الحرية الحقيقية أن أعرض الحقائق وابحث عن الحلول".
بالتطرق إلى الدستور وقانون الأحزاب، كان لمبارك مقاطعة واضحة لـ"صبري" قائلا "هذا ليس موضوعنا على الإطلاق.. أريد أن نسلك جميعا الطريق العملي والواقعي.. مواجهة مشاكل لقمة الخبز والسكن والمواصلات.. والحياة الكريمة المعقولة للمواطن المصري".
أما رؤيته لعمل الحزب بشكل عام قال الرئيس الأسبق لمصر إن الحزب يعني "العمل لصالح الجماهير ولرفاهية الشعب"، وكذلك في فقد صاحب السلطة لشعبه حين قال "علينا أن نحكم العقل للصالح العام وفي النهاية على الأقلية أن تحترم رأي الغالبية ما دامت كل الآراء معروضة على الجماهير وفي مجلس الشعب وإذا كان عندنا خطأ ونبهتنا إلى المعارضة.. واقتنع الجماهير بالخطأ ولكننا اصررنا عليه.. فهنا سنفقد ثقة الجماهير.. الرأي العام هو الحكم. والصحافة الموضوعية هي الحكم".
لا تأميم ولا حراسات
"لا تأميم ولا حراسات ونحن لن نطبق إلا الدستور والقانون" بإجابة قاطعة قال "مبارك" ردا على سؤال "صبري" حول ما يشاع عن اتجاه الرئيس الجديد، المتولي الحكم قبل ثلاثة أشهر ونصف، مؤكدا أنه لا مجال لتعديل الدستور، وقال نصا "نحن بلد مستقر ودستور مستقر، وإذا فتحنا الباب لتعديل الدستور فإن كل اتجاه يريد أن يعدل مادة في الدستور... فهو موضوع غير مطروح على الإطلاق".
"كيف تتخذ القرار؟" كان سؤال صبري الأخير بالصفحة الرابعة للحوار مع رئيس مصر طيلة 30 عاما، وأما إجابته كانت "استشارة أهل الخبرة.. ألجأ إلى من أعرف واتحقق أنهو ممتازون في تخصصهم.. وهكذا أكون رأيي بعد استشارة من هم في المواقع التنفيذية أيضا لأنهم هم الذين سينفذون القرار".
لا للمستشارين
الصفحة الأخيرة بالحوار بدأها "صبري" بالحديث عن أهمية المجالس القومية المتخصصة، مشيرا إلى أنها "لا تفيد.. وفيها أكبر المتخصصين في مصر.. وتقاريرهم تملأ الحجرات ولم يأخذ بها أحد"، وافق مبارك على رأي رئيس التحرير، غير أنه أضاف "لكنني بدأت بالاستعانة بالمجالس القومية المتخصصة.. وقدموا تقريرا شاملا.. وانني مقتنع بجدوى هذه المجالس لأنها تضم أكبر الخبرات".
الاستعانة بهيئة ثابتة من مستشاري الرئيس أمرا رفضه مبارك في الحوار "تعيين هيئة ثابتة حولي.. سوف يعطي شعور بأنني محاط بشلة معينة.. المشورة ليست حكرا على عدد معين من الأشخاص"، وسأله صبري إذا كان له مستشارين في الخفاء، فنفى ذلك "لن أحيط نفسي بمجموعة دائمة.. ولن أضع حول نفسي حكومة أخرى غير الحكومة المسئولة".
"الشعب المصري هو الذي يقول رأيه في حاكميه"
الصحف العربية والإذاعات التي هاجمت مبارك، كان لها في الحوار نصيبا، كان رأيهم أن النظام المصري لم يتغير، وإنما أتى باسم جديد بدلا من السادات، فقال الرئيس الأسبق "الذي يريد أن يهاجم.. فليهاجم كما يشاء.. فلن نرد على أي مهاترات.. والشعب المصري هو الذي يقدر ويقيم أين صالحه.. ويقول رأيه في حاكميه".
"التليفزيون يسير في طريق سليم"؛ هكذا علق الرئيس المخلوع حين سُئل عن الإذاعة والتليفزيون الرسميين، فيما اختلفت أقواله عن الصحافة "أرجو من صحافتنا أن تحكم العقل والمنطق فيما تنشره.. الحمد لله.. لا توجد رقابة ولا منع لأي شيء.. وإنني أتصل بالكتاب-بالاقتناع- إذا لمست تماديا في شيء يضر ولا ينفع.. فهل تريد الصحافة أكثر من هذا؟".
العلاقات الاقتصادية مع أمريكا
المعونات كانت موضوع الحديث بين مبارك والرئيس الأمريكي، ريجان، حين دعاه الأخير للزيارة، وجاء في الحوار أن مبارك أراد مرونة أكثر في استخدام المعونات الاقتصادية "المعونات الاقتصادية الأمريكية مرتبطة بمشروعات محددة ولا نستطيع تنفيذ مشروع من هذه المشروعات ونقل المعونات لمشروع آخر يتطلب وقتا طويلا".
"بعض التعليقات تقول إن أمريكا تريد ممارسة ضغطا على مصر للوصول لمبادئ الحكم الذاتي للفلسطينيين قبل 25 إبريل.. فهل لمست سيادتك هذا الضغط"، قال صبري، فرد مبارك "لم ألمس ضغطا.. القضية والأرض الفلسطينية هي ملك للفلسطينيين.. وكما قلت لأحد الأمريكيين إني لا أستطيع أن أتنازل لغيرك عن البدلة التي ترتديها أنت".
"إني بطبعي رجل قنوع يحب حياة الأسرة في هدوء وسلام"
حكى مبارك أنه يجالس شبابا من أسرته وتطفو مشكلة السكن على شكواهم، واعدا بإقامة مؤتمر الإسكان لبحث الأزمة قبل أن يستكمل "صدقني الأعباء ثقيلة جدا.. انا لم اعش حياتي منذ حرب أكتوبر.. كنت أتصور بعد إنهاء الحرب إنني سأعود إلى حياتي الطبيعية.. إني بطبعي رجل قنوع يحب حياة الأسرة في هدوء وسلام"، ثم قال صبري "كان الرئيس السادات مصرا على التنحي.. على أن تتولى مسئولية الرياسة"، فرد الرئيس الأسبق "جادلت السادات طويلا في هذا وقلت له: لن أبقى يوما واحدا بعدك في أي مسئولية.. إني أريد أن أعيش حياتي".
السؤال الأخير في الحوار الممتد على صفحة 1، 4،3 و5 كان عن تسليح الجيش المصري بقدر كبير رغم الحاجة الاقتصادية الماسة وإقبال مصر على مرحلة سلام، فقال مبارك "بغير جيش قوي قادر.. لن يأمن أي مواطن على نفسه وحياته ولن يأمن على وطنه.. والجيش مدرسة أيضا وجيش بلا أسلحة متطورة.. ما فائدته؟.. إن القوة هي التي تحمي القرار السياسي الذي يُتخذ لصالح الشعب.. والقرار السياسي الدائم هو حماية بلدنا من الأطماع الخارجية.. وهذا ما تفرضه علينا المسئولية".
تابع باقي موضوعات الملف:
مبارك.. جرائم لا تسقط بالتقادم (ملف خاص)
قطار الصعيد المحترق.. مصراوي يروي قصة ''15 ساعة فساد'' لحكم مبارك
قصة كفاح طوسون.. يحكى أن نظام رمى شعبه ''ع الرصيف''
جمهوركية آل مبارك.. وثيقة تتبع التوريث في زمن ''موافقون''
فتحية.. حلمت بالأمومة فأهداها إهمال نظام مبارك ''الإيدز''
لأول مرة.. ناجون من عبارة سالم يروون تفاصيل ''القضية التي طرمخها النظام''
محمد سيف الدولة: مبارك حكم مصر بـ''كتالوج أمريكى'' لصالح إسرائيل (حوار)
فيديو قد يعجبك: