لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بالصور- مصراوي داخل جزيرة "تيران".. مغامرة محفوفة بالمخاطر‎

12:06 ص الجمعة 15 أبريل 2016

كتب - محمد مهدي ومحمد أبو ليلة:

البحر هائج، الأمواج تعلو وتهبط ومعها "زوديك" صغير، متجها إلى جزيرة "تيران" بخليج العقبة، من إحدى المناطق المواجهة لها بشرم الشيخ "فيه خطورة إننا نتحرك دلوقت" قالها قائد المركب الصغير، محذرًا من مغبة القرار الذي اتخذناه بالتحرك إلى الجزيرة التي أثارت جدلًا واسعًا في الأيام الماضية اثر إعلان الحكومة تبعيتها للملكة العربية السعودية.

الأجواء غير ملائمة، الأمن يتعامل بحزم في الساعات الأخيرة، غير أنه كان لدينا من الأسباب والحسابات لنسبة المخاطرة دفعتنا لاستكمال الرحلة إلى هناك.

ترقب وقلق تجولا في ملامح قائد المركب الصغير، بينما يقطع نحو 10 كيلو مترات بـ "الزوديك" في طريقه إلى منطقة رأس نصراني، أقرب نقطة إلى الجزيرة، "خفر السواحل بقالها يومين بتنزل حولين تيران وتقبض على أي حد يقرب منها" قالها الرجل بتوتر، فيما يُمسك بمقبض القيادة بقوة حتى لا يفلته مع اهتزاز القارب مع الأمواج المتلاطمة، بينما تمر بجوارنا إحدى السفن، قبل أن يوجه قاربه شطر "تيران" مارًا بـ 3 سفن غارقة منذ الحرب العالمية الثانية "دلوقتي هنعدي على الفنار اللي بيرسم حدود الجزيرة".

على بُعد أمتار، بدت "تيران" واضحة، منطقة صخرية صامتة، لا صوت سوى هدير موتور المركب وطيور النورس التي تحوم فوقها، اقترب "الزوديك" أكثر من الشاطئ، ملتفًا حول مناطق الشعب المرجانية المحيطة بالجزيرة، هنا الأرض المتنازع عليها منذ عشرات السنين، لتعلن الحكومة المصرية قبل أيام فض النزاع.

جزيرتان على مساحة أكثر من 30 كيلو متر، ملتصقتان ببعضهما عن طريق لسان رملي يتوسطة بحيرة سلاحف تسمى "لاجونة"، قبب رملية صغيرة داخلها حيوان سرطان البحر، زجاجات لمشروبات كحولية، علب بلاستيكية، حذاء متهالك.

"شايفين الجبل اللي هناك دا" يُشير قائد المركب ناحية جبل تيران، يؤكد أن أعلاه تقبع قوات حفظ السلام متعددة الجنسيات "دي كلها انجليز وطليان وفرنسيين مش زي ما الناس فاكرة إنهم un.. الأكل بيجلهم بالهليكوبتر"، لم يتعرضوا له قط أثناء زيارته للجزيرة برفقة السائحين من الأجانب الراغبين في التقاط الصور والسباحة قُرب تيران وأكثرهم من الروس "لكن كنا بنشوفهم في شرم الشيخ لحد سنة 2000 قبل ما تحصل معاهم مشكلة ويتمنعوا من النزول بالزي الرسمي".

من بعيد، في الجهة الشمالية للجزيرة، تظهر كتل سوداء صغيرة تتحرك "دول الصيادين"، نحو 20 دقيقة مرت للوصول إليهم، التوجس أول ما بدر منهم "السلام عليكم" قالها قائد "الزوديك" درءاً للشَر، قبل أن يجلس الجميع، قُرب الشاطيء -رفضوا التصوير- ضيق يكسو ملامحهم، لم يصدقوا خَبر نَقل إعلان تبعية الجزيرة للسعودية "كأنه حلم مش مصدقينه، الواحد لو مات أحسنله من إنه يشوف اليوم دا" تخرج الكلمات بأسى من "حسن" أحد الصيادين -اسم مستعار لأنه رفض ذكر اسمه- الجزيرة بيته الثاني، يقضي فيها شهريًا ما يقرب من 15 يوما "بنصطاد سمك ياما، شعور وفراج ونواجل وحيسمون واستاكوزا.. دا رزقنا، وكدا هيتقطع".

منذ القِدم، عَرفت قبيلة المزينة طريق الجزيرة، ينطلق أهلها من البدو بالعشرات قاصدين الجهة الشمالية لتيران من خلال مراكبهم الصغيرة، يوضح "خميس" 34 سنة-اسم مستعار- "لأنها هادية وغنية بالسمك"، صنعوا لأنفسهم أماكن مؤقتة للإقامة في الأيام التي يمكثون فيها هناك "جدودنا عملوا عِشش جنب بعضها، بنبيت فيها لما بنيجي"، ورثوا أبنائهم وأحفادهم من الأجيال المختلفة قيمة المكان "وإنه مصري.. من يوم ما وعينا على الدنيا واحنا عارفين كدا" حتى صارت تيران جزءِ من حياتهم لا يمكن الاستغناء عنه "لو منعونا نيجي هناك هيبقى عمودنا الفقري اتكسر".

يمتنع الصيادون من الذهاب إلى تيران في شهور الشتاء القاسية "الجو بيكون صعب، وفيه مشقة في القعاد وقتها"، غير أن باقي الأشهر هم ضيوف دائمين على المكان، يتحركون في الصباح الباكر "المهم الموج ميكونش عالي"، برفقتهم المؤن التي تكفيهم لأيام "بناخد رز وشاي وسُكر وميه كتير.. يجي 10 جِراكن ميه كل واحد 60 لتر عشان الشُرب" ويبقى السمك طعامهم، طيلة المدة التي يعيشونها هناك "كل يوم نأكل نوع مختلف عن التاني"، الوقت يمضى في الصيد حتى الظُهر ثم راحة وتناول الغداء، وقُرب المغيب يتوقفون عن الصيد منشغلين بالسمر حتى موعد النوم في التاسعة مساء "نخاف الأيام دي تروح" يقولها "خميس" بأسى.

الأوقات الصعبة لم تحضر في الأيام الأخيرة فقط "المعاملة بدأت تتغير معانا من السنة اللي فاتت" ينضم "سليم" إلى الحديث، قوات أمن قَدمت إلى المكان، بالتزامن مع بدء المؤتمر الاقتصادي في العام الماضي "حرقوا العِشش بتاعتنا كُلها، اللي جدودنا بنوها"، دون إبداء أية أسباب "قالولنا متقعدوش فيها تاني"، وبعد أن غادروا المكان، انهمك الصيادون في بناء العِشش من جديد، لكنهم فوجئوا بعودة الأمن منذ بضعة أشهر وإحراقها مرة أخرى "دلوقتي عيشتنا كلها في المركب، نصطاد ونطبخ ونأكل، ونفرش أي حاجة على الشط ننام عليها".

اقتربت الشمس من الغروب، الضوء ينسحب من الجزيرة، أشبه بالأمل الهارب من قلوب الصيادين بعد أن عَلموا بأمر ترك مصر الجزيرة للمملكة العربية السعودية "اتخضينا وجرينا على المكان نتأكد إنه لسه بتاعنا"، لم يتلقوَ أي تعليمات حتى الآن بمنع وجودهم في الجزيرة "لحد دلوقتي هي مصرية..مفيش أي قوات سعودية جات المكان"، يتحسرون على سنوات الرزق الماضية "لودا حصل مفيش بديل، هنروح نصطاد في دَهب بس هي هتيجي إيه جنب تيران".

يبتعد "الزوديك" عن شاطيء تيران، نغادر الجزيرة الساكنة، التي تحوي ذكريات وحكايات لا ينساها الصيادين، ومن جاءوا لزيارته حُبًا في موقعها والتفاف الشعب المرجانية من حولها، الأمواج ثائرة، القارب يقاوم، نظرات البدو قَلِقه، الظلام يقترب، ثمة شعور بالوحشة يلف الأجواء، يقطعه صوت قائد المركب "عمومًا تيران لحد دلوقتي مصرية.. تبقى سعودية لما قواتهم البحرية تيجي أو حد يبلغنا في حرس الحدود، ودا محصلش لسه" فلا أحد يريد أن يصدق أنها لم تعد مصرية.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان