بالصور: مصراوي مع عائلة الشيخ مصطفى إسماعيل.. مقاطع من سيرة رئيس دولة التلاوة
كتب- أحمد الليثي ودعاء الفولي:
وسط 700 نسمة بقرية "ميت غزال" بطنطا، كان طفلًا يجذب الأنظار، الابن البكري بين تسعة أخوة. اتخذه الجد رفيقًا، فلم يكن يذهب إلى أي مكان إلا وحفيده بصحبته. في مطلع عام 1915 وخلال أداء واجب العزاء كان الشيخ عوض ِأشهر قراء الغربية يشدو بصوت عذب والطفل يهز رأسه إعجابًا. وعقب عودته مع جده "المرسي"، راح ابن العاشرة يتلو القرآن في صحن المنزل، فأسرعت جدته لوالده على هَدي الترتيل وما أن عرفت مصدره، حتى أطلقت "زغرودة" ابتهاجًا ببديع صوت لم يطرق أذنها قط، ونادت زوجها وهي تستحلفه أن يمهد الطريق لمعجزة قرآنية تُدعى مصطفى إسماعيل.
في دنيا القرآن استمرت مشاوير الجد والحفيد؛ فعقب زيارة لقريب مريض، ذهبا لأداء صلاة العصر في جامع عطيف بميدان الساعة بطنطا، دفع الجد "إسماعيل" للآذان فذُهل الناس من طلاوة الصوت، وبعد الصلاة أجلسوه ليقرأ لهم بعض آيات الذكر الحكيم، وبينما يجن جنون الناس من روعة الأداء، كان الشيخ أمين حنتيرة يدنو من الشيخ "المرسي" وهو يقول "يا حج لا تتركه في القرية.. ألحقه فورا بالمعهد الأحمدي ليدرس الدين والقرآن ويتم القراءات العشر".
أرسل "المرسي" حفيده لأكثر من عزاء في المناطق المحيطة بالقرية، غير أنه اشترط على من يقرأ "إسماعيل" عندهم، ألا يطعموه أو يدفعوا له أموالًا، فكان يمده بالزاد يوميًا "في الوقت دة كانت الفكرة المتداولة عن القارئ إنه واخد الموضوع شغلانة وفلوس بس جدي مكنش كدة"، حسبما يحكي مصطفى وحيد إسماعيل حفيد الشيخ الراحل لمصراوي.
كان "إسماعيل" يردد دائمًا أن شيخه هو إمام الأزهر، غير أن ثمة شيخان لهما بالغ الأثر في حياة المقرئ الكبير؛ أولهما أستاذ التجويد محمد أبو حشيش، الذي تولى الاهتمام به صغيرًا. وكان "أبو حشيش" يضرب تلاميذه في الكُتّاب كعادة شيوخ ذلك الزمن، فخاف منه الأطفال وحسبوا له ألف حساب، وفي تلك الأثناء جاءت نشرة من المديرية تحظر على الصغار الاستحمام في الترعة خوفًا من البلهارسيا، وكي يتأكد "أبو حشيش" أن أحدهم لن يخالف التعليمات، كان يضع علامة على أرجلهم يوم الخميس من كل أسبوع وفي صباح السبت، عقب انقضاء عطلة الجمعة، يرى مدى وضوح العلامة، والويل لمن يكتشف نزوله للترعة.
رغم ذلك فشقاوة "إسماعيل" قادته لنزول الترعة مع زملاءه عقب انتهاء الكُتاب يوم الخميس، وكانت ابنة شيخ الكُتاب تراقبهم، غير أنهم لم يظنوا أنها ستخبر أبيها عن مكانهم، وحين توجه "أبو حشيش" مع الفتاة للترعة ووجدهم يستحمون، فجمع ملابسهم وأخذها عائدًا للمنزل، تاركًا إياهم يسيرون في القرية عرايا، كي يتعلموا الدرس.
أما الشيخ الأخر الذي أدان له المقرئ بالفضل، فهو إدريس فاخر، وكان مسئولًا أيضًا عن تحفيظه القرآن، وظل يُلقنه حتى أتقن الكتاب على يده، وكان أستاذ التجويد يفتخر بأنه آخر شخص ختم "إسماعيل" القرءان على يده.
الشيخ مصطفى إسماعيل - والملائكة يدخلون عليهم من كل باب - كأنك تجلس في الجنة.. اضغط هنا
شهرة مُبكرة
في سن الخامسة عشر كان صيت الشيخ مصطفى كفيلًا بأن يُطلب لشخصه، ففي صيف 1920 جاءه مرسال من دوار العمدة يخبره بأنه "مطلوب للتليفون"، ظن أن هناك كارثة، فيما تلقفت يده السماعة، فإذا به زبون يدعوه للقراءة بقرية كفر سالم النحال، التي تبعد عن قريته بـ2 كيلو متر فقط، لكنه كأن أول عقد للاحتراف، ولم تنقطع من يومها الاتصالات.
عقب زواجه اتخذ الشيخ في طنطا مكتبًا، وصار السميعة يحضرون له خصيصًا من القاهرة، وفطن الشيخ لأهمية التليفون فكان رقم مكتبه في طنطا "9"، وأصبح أول من تقدم بدخول هاتف في "ميت غزال"، وكان موظفو التليفونات من معجبيه فأوصلوا لبيته "كابينة"، وأصبح رقم تليفونه "1" لأنه أول تليفون بعد "الحكومة" الموجود بدوار العمدة.. وكان للرقم "1" فضلًا كبيرًا حين رن هاتف المنزل وكان على الطرف الآخر أحد مريدي الشيخ من العاصمة، فطلب منه أن يحيي عزاء والدته، ومن بعدها صار لمصطفى إسماعيل شأنا أخر في دنيا القاهرة.
لا ينسى الشيخ لياليه الأولى في العاصمة، فيروي في مذكراته تلك الواقعة المثيرة، حين دُعي لإحياء ثلاث ليالي لميتم بحي الداودية، وكانت الليلة الأولى بمشاركة الشيخ محمد سلامة وهو أحد أهم القراء، غير أنه كانت لديه عادة غريبة فهو لا يعطي مساحة لأحد أن يقرأ معه لا قبله ولا بعده، وبالفعل بدأ القراءة في الثامنة وختمها مع منتصف الليل، وحين نهض لينصرف خرج معه مريدوه، حتى كاد مصطفى إسماعيل يقرأ للكراسي الفارغة، ولم ييأس وبدأ في التلاوة بكل ما أوتي من عزم، حتى احتل آذان المنصرفون فعادوا واحدا تلو الأخر، واكتظ السرادق من جديد على وقع صوت قارئ جديد في سماء المحروسة.
ترزي يقود الشيخ للإذاعة
مع تردده على القاهرة، اعتاد الشيخ على تفصيل ملابسه لدى الترزي الشهير حينها "الحاج فتوح". وفيما يتحدثان بأحد الأيام قال له الأول إن ثمة رابطة للقراء بالمغربلين، وإذا أراد الانضمام فعليه الذهاب. لم يكذب القارئ خبرًا وكان رئيس الرابطة الشيخ محمد الصيفي، الذي قال له حين رآه "لو صوتك حلو زي لبسك كدة سمّعنا"، وعقب أن قرأ عليه اُعجب بصوته، سائلًا إياه عن اسمه، فقال له رئيس الرابطة: "هو انت بقى مصطفى اسماعيل بتاع طنطا اللي بيقولوا عليه؟"، ولمّا همّ "إسماعيل" بالرحيل، أخبره "الصيفي" أن الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي كان سيقرأ الجمعة في مسجد الحسين، لكنه لن يفعل نتيجة لمرضه، وإذا أراد يمكنه أن يحل مكانه، فوافق المقرئ على الفور، وكانت أول قراءة له من سورة الحج في الإذاعة المصرية التي سجلت تلك الليلة عام 1943.
أخذ صوت الشيخ بناصية الحاضرين بمسجد الحسين، وتتبعوا خطاه بعد خروجه حتى وصلوا لميدان العتبة وما أن وجدوا سرادق للعزاء دفعوا الشيخ داخله بالقوة، وهو يقولون: "عايزين نسمعك تاني".
وكان بين من سمع الشيخ يومها في الإذاعة ناظر الخاصة الملكية، مراد بك محسن، فأرسل له مجموعة ضباط بحثوا عنه في طنطا، ليصلوا له عقب 3 أيام لمنزله وكان يُشرف على جني القطن؛ فصحبوه لقصر عابدين وطلبوا منه القراءة في الذكرى الأولى لرحيل الملك فؤاد في 28 إبريل 1943 بقصر التين، ومنذ ذلك الحين صار "إسماعيل" قارئ الملك، والشعب فيما بعد، إذ فُتحت الساحة الخارجية للقصر أمام العامة ليسمعوا صوته، بناءً على طلبه "كان بيقول إن القرءان نزل للناس فلازم يترتل وسطهم" كما عاطف مصطفى إسماعيل، لمصراوي.
لم تكن تكفي تلك المرات التي قرأ فيها "إسماعيل" بقصر التين، إذ أراد الناس سماع صوته في الإذاعة، غير أن الشيخ لم يقتنع بنصف ساعة فقط للقراءة "كان يقولهم محدش يدوس على زرار فيخليني وأقرأ"، رغم أن تلك المدة هي المخصصة لجميع القراء. ولكن مع الضغط من قبل الملك على الإذاعة وافقوا على أن تكون مدة "إسماعيل" ساعة إلا خمس دقائق في التاسعة مساءً من كل الجمعة، وبقي "إسماعيل" يقرأ على مضض داخل الإذاعة مع شعور مستمر بالتقييد "انا فاكر كويس إن يوم الإذاعة دة عندنا في البيت أبويا كان مزاجه يفضل متبعزء لحد ما يروح".
في كتابه "ألحان السماء" يقول الكاتب محمود السعدني: على أن الشيخ مصطفى إسماعيل لم يكن شيخا واحدا كسائر القراء، بل كان شيخين؛ أما مصطفى إسماعيل الشيخ الأول فهو الذي نستمع إلى تلاوته في الإذاعات ... أما الشيخ الثاني فهو القارئ العملاق بل عملاق العمالقة، فهو مصطفى إسماعيل في الحفلات الدينية التي تقام في القصور والمساجد؛ هناك يأخذه الإبداع وهناك تعلو أصوات السامعين والسامعات إكبارا وإجلالا وطربا وخشوعا وذهولا، هناك في هذه الحفلات ينقل مصطفى إسماعيل سامعيه من عالم إلى عالم.
علم الابن مدى أهمية التسجيلات الخارجية للشيخ "لأن أبويا في الإذاعة كان صوته كأنهم مخبيينه في صندوق"، فأبى أن يتركها تضيع، حتى جمع حوالي 300 حفلة كاملة لوالده من السمّيعة. ثم حاول مع التليفزيون المصري، هيئة الأوقاف، والأزهر، ليتلقّى وعود في كل مرة بالاهتمام بتسجيلات "إسماعيل" دون تنفيذ على أرض الواقع... يذكر "عاطف" أن أحد القائمين على التليفزيون المصري اتصل به منذ أكثر من عشرين عامًا، طالبًا منه 10 تسجيلات مُدتها عشرين دقيقة للشيخ لإذاعتها في رمضان، فذهب للإذاعة وتم عمل المونتاج اللازم للتسجيلات.
بعد عامين كان "عاطف" في ألمانيا، حين اتصل به أحد أخوته من باريس قائلًا: "أنا لقيت شريط لبابا حاطين صورة عبد الباسط عبد الصمد وكاتبين اسم مصطفى إسماعيل"، فطلب منه إرسال نسخة منه، وحينما سمعها علم أن الشريط هو تسجيل الإذاعة الذي طُلب منه، وبحث عن الشركة التي قامت بالتوزيع، فوجد رقمًا هاتفيًا واتصل بصاحبها فؤاد أنطوان، ليأتيه الرد "انا عايش في باريس وجاتلي الصورة كدة من التليفزيون وأنا راجل مسيحي معرفش الأشكال كويس"، وكي لا يظلم "عاطف" الجهات الرسمية، طلب من الرجل إرسال ما يُثبت أن التليفزيون أعطاه حق التوزيع، فأرسل له بوليصة الشحن الواردة له من اتحاد الإذاعة والتليفزيون.
الشيخ مصطفى اسماعيل - مسلمات مومنات.. اضغط هنا
أزمة عائلية
ليس ثمّة تسجيل مُفضل لـ"عاطف"، فصوت والده اختلف على مدار أربعين عامًا من "القوالة" بين درجات مختلفة، بعضها لم يكن مُعبرًا عن الجمال الحقيقي لصوت الشيخ، إذ مرت على "إسماعيل" فترة اضطر فيها لشرب السجائر بكثرة، نتيجة أزمة عائلية، حتى أنه ظل لا يقرأ القرءان لثلاثة أشهر، وعندما عاود نشاطه كان صوته قد تغير، لكنه استطاع إعادة التحكم به مرة أخرى وتطويعه للقرآن.
كل قارئ لكتاب الله قد مُنح بصمة في حنجرته، مواضع معروفة لارتفاع الصوت وترقيقه، متى يرفع نغمتها وأين يكون أجش، غير أن الشيخ مصطفى إسماعيل لم تكن له قواعد ثابتة؛ فالإلهام يحركه، والتجلي لا يعرف ضوابط أو نمط، يعلم أن لكل مقام مقال، يقرأ في الشام غير ما يجئ في القاهرة، ويختلف ذلك عن تواجده في الريف، وتأتي "القوالة" في الشادر مغايرة عن تلك المرتلة داخل مسجد، وعن ثالثة خلال احتفال رسمي، أو حلول مولد، أداؤه في وفاة شاب يتمايز عند رحيل سيدة عجوز، وما يتلوه في مآتم غير الذي يردده في الأربعين.
"إسماعيل" في المنزل
ولأن القرآن زاده على مرّ الحياة، فقد كان سبيل الشيخ كذلك لدخول عش الزوجية، فبعد قراءته في تأبين الزعيم سعد زغلول 1927، دعاه الأستاذ محمد عمر أحد أكابر دمياط للإفطار في قصره، وبعد عام علم بوفاة الأستاذ عمر، فألحّ ولده على دعوته للمنزل كعادة والده، عندها لمح "فاطمة" بنت 16 ربيعا، فطلب يدها من شقيقها وأتمّ الزيجة في ظرف أسبوع.
وكلما دخل الشيخ في سرد حكاياته الطريفة أمام أسرته، ثمّة واقعة لا تغيب عن مخيلته؛ فبينما يصطحب زوجته من بيت أهلها بدمياط متوجهًا صوب طنطا، ليلة زفافه، إذا بعصابة تضع في طريق سيارته جزع شجرة كبير، فتوسل إليهم الشيخ أن يتركوه فهو عريس جديد "أديتهم الساعة والفلوس.. وروحت طنطا مفلس، ودي بقى كانت الدخلة بتاعتي".
يلتقط علاء حسني حفيد الشيخ طرف الخيط، ليحكي عن جدّه بين الأقارب، فقد كان يرفض الحديث عن أي شخص بسوء، خاصة قارئي القرآن، لا يغيب عن رأس "علاء" ذلك الموقف وقتما وجده الشيخ متأففًا وهو يسمع لأحد المقرئين، فقال له "ربنا سبحانه وتعالى بيدي كل واحد موهبة على قد قدراته.. لما تسمع شيخ بيقرأ تقول على طول ربنا يفتح عليه وبس.. أوعدني تعمل كدة عشان ربنا ميسحبش من جدك النعمة اللي عنده"، ويضيف "علاء" أن "إسماعيل" كانت لديه نظرية في التعامل مع الأزمات "لو حد بلغة بكلام اتقال في ضهره، يقول أكيد ميقصدش دي ناس بتقرأ كتاب ربنا".
لم يكن الشيخ يلتفت لكلمات الإطراء، حتى وقت التلاوة كان يحكي لـ"علاء" أنه في ملكوت خاص به "كان على درجة عالية من الصلاح ولو قعد في قعدة والناس اتكلمت عليه يسيبهم ويقوم يصلي ركعتين لله"، بينما يحكي مصطفى وحيد عن أبرز خصال جده، الذي كانت كلمته المعهودة حين يمتدح أحدهم صوته "اللي جاب مصطفى إسماعيل قادر يجيب 100 زيه".
مع أبنائه اعتاد الشيخ أن يكون حازمًا، لكنه أب حنون "كان ينادي أحفاده يا بيه ويقول لبناته يا هوانم كنوع من المداعبة والدلع"، في البدء جمعتهم فيلا الزمالك من دورين قبل أن يبني طابق ثالث ليسع العائلة والأحباب. ساعة يوميًا يترجلها الشيخ على كورنيش الزمالك عقب شروق الشمس، مهتمًا بأناقته ومظهره، إذ يحضر له الحلاق كل يومين لتنعيم ذقنه، ويحل كل 15 يومًا لتهذيب شعره.
"وأما بنعمة ربك فحدث"
اقتصر علم "إسماعيل" الراحل على القراءات التي تلقّاها بالمعهد، لذلك كان حرصه على تعليم أبناءه كبير، فأرسل الأولاد ليدرسوا خارج مصر، فيما استكمل البنات تعليمهم بالمدارس الأجنبية بالداخل، سخّر أمواله كي يحصلوا على أفضل الشهادات، مؤمنًا بأنه يُقدم لهم بالعلم إرث لن يفنى أبدًا، وكذلك بمجرد معرفته أن هناك طالب علم في قريته يتطوع بالإنفاق على دراسته حتى نهايتها.
في المقابل كان الشيخ منفتحًا على الحياة مُحبًا لها، فأحضر لبناته "بيانو" في المنزل ليتعلمن الموسيقى، وكانت آية "وأما بنعمة ربك فحدث" دائمة الذكر على لسانه، ففي إحدى الحوارات الصحفية سأله المحرر عن ثمن غرفة نومه، فأجابه ببساطة "ثلاثة آلاف جنيه"، فنشر الصحفي العنوان مُعلقًا على ارتفاع ثمن الغرفة، غير أن رد الشيخ كان بسيطًا: "أنا لا أحب أضيّق على نفسي ولا أولادي".
كان الشيخ مصطفى شهمًا، يجل كل من يقرأ القرآن، لا يتعامل مع الأمر بتنافسية أو بغضاء، يبجل الكبير ويحفظ للصغير حقه؛ حين وافت المنية الشيخ الجليل محمد رفعت مر الأمر دون صدى يذكر، فقد رحل رفعت في صمت عقب أيام نحسات أصيبت فيها حنجرته بالسرطان وتوارى عن الأضواء، غير أن الشيخ مصطفى إسماعيل ذهب لأسرته وأصر أن يقيم له صوانا يليق بعملاق من عمالقة القراءة "عمله عزاء كبير في السيدة زينب وجاب كل المقرئين.. وكانت ليلة تليق بالراجل العظيم ده" يقول مصطفى حفيده من ابنه وحيد.
في القدس مرة أخرى
أوسمة عدة حصل عليها الشيخ الراحل، منها وسام قدّمه له الرئيس جمال عبد الناصر عام 1965، في عيد العلم الأول، كما حصل على وسام من لبنان، غير أن الوسام الأقرب لقلب الشيخ كانت زيارته للقدس بصحبة الرئيس السادات عام 1977.
الشيخ مصطفى اسماعيل - من سورة يوسف (و قال الذي اشتراه) - مقام نهاوند.. اضغط هنا
قبل عيد الأضحى بيومين كان الشيخ "مصطفى" يحمل حقائبه متجهًا صوب قريته لقضاء إجازة العيد برفقة زوجته وابنته، وقبل أن يستقلوا السيارة تذكر أنه نسي منديله المعطر الذي لا يفارق جيبه، وعند عودته كان التليفون يرن، والقصر الجمهوري يطلبه "يا شيخ مصطفى جهز شنطتك.. أنت هتسافر بكرة مع الريس للقدس".. يتذكر "عاطف" الابن تفاصيل تلك الزيارة كأنها الأمس، وكانت الصحف الألمانية قد نشرت جدول الرحلة. ما زال يحفظ رقم فندق داوود بالقدس "00972222" وكذلك غرفة والده "26" بالدور الخامس "كان مبسوط أوي.. وقاللي ربنا كتبلي أقرأ كلامه في الأقصى تاني بعد الاحتلال"، وقرأ الشيخ قرآن صلاة العيد في أول القبلتين قبل ساعات من خطاب السادات الشهير بالكنيست.
بعد أن تحققت أمنية الشيخ بالقراءة في الأقصى، بقيت له واحدة؛ أن يظل صوته يرتل القرآن حتى الموت، فكان له هذا، إذ تُوفي 26 ديسمبر 1978، عقب 3 أيام من آخر حفل له بجامع البحر في دمياط.
1786 مقعد تراصوا داخل ميدان التحرير، في استقبال شخصيات جاءت من خارج مصر وداخلها لحضور عزاء الشيخ مصطفى إسماعيل. أكثر من 200 شيخ جاءوا للقراءة في مأتمه، حتى أن أحد الشيوخ تولى تنظيم الأمر، وكان كل مقرئ يرتل من 3 إلى 5 دقائق كي يتيح الفرصة لآخرين، بالإضافة لمجيء الشخصيات الرسمية، كالوزراء، رئيس مجلس الشعب مندوبًا عن الرئاسة، ورئيس مجلس الوزراء. بين هؤلاء ازدحم الصوان بالناس البسطاء، لم يتواجدوا إلا حزنًا على صوت قرّب الذكر الحكيم إلى قلوبهم، عالمين أن نور دولة التلاوة خَفُت بعد رحيل الشيخ.
تابع باقي موضوعات الملف:
1 - الشيخ مصطفى إسماعيل.. "مصوراتي القرآن" (ملف خاص)
2 - سّميعة مصطفى إسماعيل.. ''إن عشقنا فعذرنا أن في وجهنا نظر''
3 - لماذا أوصى الشيخ مصطفى إسماعيل بأن يُدفن في منزله؟ (صور)
4 - ''الشيخ اللي جنن الفنانين''.. عبد الوهاب يراقبه ويُعدل لأم كلثوم لحنًا
5 - جامعو تراث الشيخ: صوت مصطفى إسماعيل ''فتحٌ من السماء''
فيديو قد يعجبك: