عاطف الطيب.. "بائع الألبان" المبدع الذي بكي بسبب "الغيرة القاتلة"
كتبت- سما جابر:
كانت المصداقية العامل الأبرز لنجاح أفلامه، ظل حريصًا على التعبير عن الناس ومشاكلهم بكل جرأة، ربما لأنه واحدًا منهم، لا يختلف عنهم في شيء، بسيط مثلهم ويحمل نفس همومهم، إذ كانت تستهويه سينما الشارع كونها تتسم بالصدق الكامل، فالحقيقة دائمًا أفضل من الديكور.
في بيت بسيط بباب الشعرية، وُلد الراحل عاطف الطيب عام 1947، مُحققًا حلم والديه في إنجاب صبي، بعدما أنجبا 4 بنات، وكانت الأم -مثلها مثل أي أم مصرية- تخاف من الحسد، فقررت أن تقول لجيرانها إنها أنجبت بنتًا!، وظل الخوف متملكًا إياها مع ابنها الوحيد، فكانت قلقة بسبب "شقاوته" معتقدة أنه "ابن موت".
تمر الأيام ويمر "الطفل" عاطف الطيب بأزمات ساهمت في تقدمه في العمر "قبل آوانه"، كان أولها بيع محل الألبان الذي يمتلكه والده بمنطقة الدقي، في مزاد علني، وكان في الثالثة عشر من عمره وقتها، لكنه كان سندًا لأسرته رغم صغر سنه، فقرر العمل بجانب دراسته ومساعدة أبيه الذي كان يتمنى أن يراه طبيبًا، وعمل في عدة مهن، كان منها بائع ألبان متجول، ولم يؤثر عمله هذا على دراسته بل تفوق عاطف دراسيًا وحصل على مجموع كبير في الثانوية العامة، وبدأت في تلك الفترة رحلة عشقه للفن والسينما، فالتحق بفريق التمثيل بمدرسته، وصمم على الالتحاق بمعهد السينما قسم إخراج بعد ذلك، وقد كان.
حقق عاطف حلمه الأول بدخول معهد السينما، فلم ينبهر بالطبقات الاجتماعية المختلفة هناك، ولم يهتم بأي شيء إلا بتحقيق النجاح فقط، لم تقف الحالة المادية الصعبة التي مرت بها أسرته، عائقًا أمامه، فقال -بحسب الكتاب التذكاري لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، في الدورة التي أقيمت عام 1995- إن مصروفه لم يزد عن عشرة قروش، وكان في معظم الأوقات يمشي من منزله بمنطقة بولاق الدكرور وحتى معهد السينما بالهرم، لتوفير ثمن المواصلات، وكان يتبع حيلة أخرى وهي الهروب من الكمسري في الأتوبيس.
فرحة "الطيب" بدخوله المعهد ووضع قدمه على بداية طريق حلمه، لم تكتمل، ففي العام التالي لدخوله المعهد حدثت هزيمة 1967، التي أثرت على كل مصري بالسلب، وشبّه عاطف الهزيمة بموقف بيع محل والده بالمزاد.
بعدما تخرج عاطف في المعهد، التحق مجندًا بالقوات المسلحة في قسم التصوير السينمائي بإدارة الشؤون المعنوية، وكان قائده السيناريست محسن زايد، كما بدأ في تكوين صداقات فنية أخرى داخل الجيش، حيث تعرف على المخرج خيري بشارة وقتها، وبعدما أتم سنوات تجنيده أخرج فيلمين تسجيليين هما "جريدة الصباح" و"مقايضة"، ثم عمل مساعدًا للمخرج شادي عبد السلام في فيلم "جيوش الشمس" وعمل مساعدًا أيضًا لبعض المخرجين الأجانب الذين يصورون أفلامهم بمصر.
عام 1982 قدم المخرج الراحل أولى أفلامه الروائية "الغيرة القاتلة"، والذي لاقى انتقادًا شديدًا وقتها لدرجة جعلته يبكي بسبب ما كتب عنه، لكن كان للمخرج محمد خان رأي آخر في هذا المخرج الشاب وقتها، فرغم أن الفيلم لم يعجبه ككل إلا أنه شعر بأن هناك مشروع مخرج جيد، فتشجع وعرض عليه قصة فيلم "سواق الأتوبيس" الذي كتبه برفقة الكاتب بشير الديك، والذي حمل اسم "حطمت قيودي" وقتها أيضا، لكن الطيب لم يشعر أن هذا الاسم ملائمًا للعمل، فقرر تغيير الاسم، واقترح حينها الراحل نور الشريف ان يكون الاسم "سائق الأتوبيس" واقترحت الفنانة نبيلة السيد أن يكون "سواق الأتوبيس"، الذي لاقى موافقة فريق العمل ككل.
توالت أعمال ونجاحات المخرج الراحل إلى أن جاء فيلم "الحب فوق هضبة الهرم" الذي لعب بطولته الفنان أحمد زكي، والذي كان يتمنى "الطيب" أن يكون هذا الفيلم هو بدايته في السينما، وهنا بدأ المرض يداهم "قلب الطيب"، لكن المخرج لم يستسلم له، ظل يجري وراء حلمه ويحقق النجاح مع كل عمل يقدمه، إلى أن تغلب المرض عليه للمرة الاولى خلال تصويره لفيلم "ملف في الآداب"، حيث صرخ عاطف من الألم وقتها واكتشف أنه مصاب بضعف في أحد الصمامات لكنه ظل يعاند ويعمل بنفس معدل الساعات الذي اعتاد عليه وكان يصل لحوالي 18 ساعة يوميًا.
بعدها دخل الطيب للمستشفى لإجراء عملية تغيير في الصمام، وقبيل العملية وخلال صعوده لغرفة العمليات بالأسانسير قال لأصدقائه الذين تواجدوا حوله إنه يستمع لصوت مزيكا "احنا عايزين ياسر عبد الرحمن أو مودي الإمام يعمل موسيقى تصويرية" وودعهم وأوصاهم على أشرف زوجته، كأنه كان يشعر أنها أخر لحظات حياته، وبالرغم من نجاح العملية إلا أن انتكاسة حدثت بعد ذلك أدت إلى وفاته يوم 23 يونيو عام 1995.
فيديو قد يعجبك: