مصر أكبر من أن يساعها زمان أو مكان، حملت في طياتها التاريخ والجغرافيا، وفي كل حين كانت دوما على قدر المسئولية، احتضنت كافة الطوائف، وسعت لحل أزمات الجيران، ولم يبخل أبناؤها بمد سواعد البناء والنهضة.
مصر، الساحرة، لكل من زارها.. الآسرة لكل من فكر أن يبدلها فبدلته.. الظافرة في كل معاركها لم تتبدل.. البناء عهد مصر منذ أيام مينا وإخناتون حتى اليوم.
"ليس من قبيل التطرف أو التبسيط، ولا هو بالتأكيد من باب الوهم أو التسطيح، أن نعد التوسط والاعتدال من أبرز السمات العامة الأساسية في شخصية مصر والشخصية المصرية، فالوسطية والتوازن سمات رئيسية عريضة في كل جوانب الوجود المصري تقريباً، الأرض والناس، الحضارة والقوة، الأخذ والعطاء.."
الحضارة الفرعونية، لها طابع خاص، قوي الشخصية والتفرد، بحكم العزلة التي تأصلت في ظلها، ولعل هذا التفوق المبكر في العزلة النسبية الخفيفة، هو السبب في تلك العزة والشعور بالعظمة التي عرفت عن مصر القديمة دون أن تصل إلى حد الاستعلاء والعنصرية.
فهي الحضارة الأولى في التاريخ، حين بدأت تخرج من مشتلها ظهرت فجأة في مرحلة نامية متطورة راقية انبهرت لها الشعوب المجاورة.
تشبعت حضارة اليونان بالمؤثرات المصرية، ولذلك لم تكد حضارة الإغريق تنفصل عن الحضارة الفرعونية، ولذلك لم يكن غربيا أن يعترف هيرودوت أن الإغريق كانوا أول شعب فتح لهم المصريون صدروهم، بفضل الحضارة المصرية على اليونانية، بل لقد شبه الإغريق بالنسبة للمصريين حضارياً بالأطفال بالنسبة إلى الكبار.
عبرت الديانة المصرية القديمة (عبادة إيزيس) البحر لتغزو جنوب أوروبا تحت اسم (إلويزيس المحرف) لتصبح الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية.
حين دخلت المسيحية مصر أو دخلت مصر المسيحية، لم تأخذها بلا تصرف، بل في ترجمة مصرية خاصة، فكانت القبطية هي النسخة المصرية من المسيحية، وترجمة بين الديانة المصرية القديمة وبين المسيحية الجديدة، لقد مصرت مصر المسيحية.
فكانت الرهبنة هدية مصر القبطية إلى المسيحية الغربية، منذ خروج الأب باخوم والاب أنطوان خرجت معهما الرهبنة والدير إلى العالم المسيحي بأسرة.
اللهجة المصرية كانت دائما أقرب لهجة عربية إلى الاستقامة والاعتدال، كذلك الإسلام في مصر بلغ درجة من الرصانة والاستواء جعلت من الأزهر قلعة للإسلام وكعبة للإسلاميات، فمنذ وقت مبكر في تاريخ الإسلام، كان واضحاً أنها تتقدم بثقة لتكون من طليعة سدنة الإسلام وحفطة تراثه والقوامين عليه.
"فرعونية هي بالجد، ولكنها عربية بالأب. غير أن كلا الأب والجد من أصل مشترك ومن أعلى واحد. فعلاقات القرابة والنسب متبادلة وسابقة للإسلام بل والتاريخ. وما كان الإسلام والتعريب إلا إعادة توكيد وتكثيف وتقريب.. فلا تعارض ولا استقطاب بين المصرية والعربية، إنما هي اللحمة والسُداة في نسيج قومي واحد".
"أفريقية هي إذن بالموضع، متوسطية بالموقع، بيد أنها كذلك آسيوية بالوقع، فكما أنها تقم بالجغرافيا في إفريقيا، فإنها تمت أيضا الي آسيا بالتاريخ, فهي البلد الوحيد الذي تلتقي فيه القارتان، ويقترب في الوقت نفسه من أوروبا، بمثل ما أنها الأرض الوحيدة التي يجتمع فيها البحران المتوسط والأحمر".
البلد الوحيد الذي يلتقي فيه النيل بالمتوسط، الأول بالطول والثاني بالعرض، الأول أوسط أنهار الدنيا موقعا وأطولها وأعظمها، والثاني أوسط بحار الدنيا، سيد البحار وأعرقها، إنه لقاء الأكفاء والأنداد والأفذاذ جغرافيا: أبو الأنهار وأبو البحار، مهد الفلاحة ومدرسة الملاحة، نهر الحضارة وبحر التاريخ أو نهر التاريخ وبحر الحضارة.
عبدالكريم محمد أو عبده الشبشندر يبلغ من العمر 58 عامًا، قضى 27 منها في البحر. والشبشندر هو لقب بورسعيدي يطلق على العامل المسؤول عن تموين السفن التي ترسو في ميناء بورسعيد.
إعداد: مها صلاح الدين- أحمد شعبان
مونتاج: إسلام فرغلي - محمد طارق - أحمد عبدالشفيع
جرافيك: أحمد ياسين - أحمد مولاه
فيديوجرافيك: أحمد عبد الغني
تنفيذ: مصطفى عثمان
إشراف عام: علاء الغطريفي