هل مصر على أعتاب فقاعة عقارية؟ (سؤال وجواب)
كتب- عبدالقادر رمضان:
شهدت أسعار العقارات في مصر قفزات كبيرة، خلال الشهور الماضية، وخاصة بعد تعويم الجنيه في نوفمبر الماضي.
وتأتي زيادة الأسعار في ظل تراجع القدرة الشرائية للمصريين، بعدما فقد الجنيه أكثر من نصف قيمته أمام الدولار.
وأثار استمرار ارتفاع العقارات مخاوف من إمكانية حدوث فقاعة عقارية تهدد بانخفاض كبير ومفاجئ في أسعار الوحدات السكنية، وضعف الطلب عليها.
ويجيبب مصراوي في هذا التقرير عن مجموعة من التساؤلات التي تشغل المهتمين بالقطاع العقاري في مصر.
لماذا ارتفعت أسعار العقارات؟
زادت أسعار الوحدات السكنية بنحو 30% في المتوسط، خلال النصف الأول من العام الجاري، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، وفقا لتقرير شركة "جي ال ال" للاستشارات العقارية.
ووصلت الزيادة في الأسعار إلى 50% و40% في بعض المناطق مثل القاهرة الجديدة والشيخ زايد، بحسب دليل أسعار موقع عقار ماب.
وجاءت هذه الزيادة مدفوعة بارتفاع تكاليف الخامات والأراضي بعد تعويم الجنيه في نوفمبر الماضي، بحسب أشرف دويدار، العضو المنتدب لشركة أرضك للتنمية والاستثمار العقاري.
وقال دويدار إن "الزيادة في أسعار العقارات في مصر، ليست زيادة وهمية، نتجت عن المضاربة، ولكنها ناتجة عن زيادة حقيقية في التكلفة".
وأوضح أن سعر متر الأرض كان يتراوح بين 300 و400 جنيه، ووصل حاليا إلى 4 آلاف أو 5 آلاف جنيه، كما أن باقي مدخلات البناء زادت نتيجة التعويم.
"ما يحدث في أسعار العقارات من زيادات متواصلة ليست فقاعة، أو نتيجة تقدير خاطئ لسعر العقار، ولكنه ناتج عن زيادة حقيقية في التكلفة" بحسب دويدار.
ماذا يعني مصطلح الفقاعة العقارية؟
تحدث الفقاعة حينما ترتفع قيمة العقار بشكل سريع وكبير مما يجعل سعره السوقي أعلى بكثير من قيمته الأساسية، وهي القيمة العادلة التي يحددها الخبراء.
ويساهم في هذه الفقاعة عمليات المضاربة، مع توقعات استمرار ارتفاع الأسعار، لكن بعد فترة يدرك المستثمرون أن هذه الأسعار وصلت لمستويات خيالية وغير واقعية، مما يدفع قيمة العقار للتراجع وانفجار الفقاعة.
هل من الممكن أن تشهد مصر فقاعة عقارية خلال الفترة المقبلة؟
يقول دويدار إن الفقاعة مرتبطة بشكل أساسي، بوجود طرف يقوم بتقدير مبالغ فيه لقيمة العقار، الذي يشتريه المستثمرون عن طريق القروض، وهذا النموذج غير منتشر في مصر.
وأضاف أنه "لن تحدث فقاعة عقارية في مصر على غرار ما حدث في أمريكا أو دبي في عامي 2007 و2008، لأن المصريين يتعاملون عادة مع شركات التطوير العقاري مباشرة، بدون وسيط، وفي الأغلب يكون تمويل شراء العقارات ذاتي، وليس من خلال الائتمان البنكي".
وأوضح أن "ما حدث في أمريكا أو دبي أن الناس عادة ما تشتري العقارات عن طريق القروض، فتقوم جهات مالية بتقييم الأصل العقاري، وتحديد قيمة القرض لشرائه".
وأضاف أن "التقييم المبالغ فيه من المؤسسات المالية، وعدم قدرة المشترين على سداد الأقساط، أدى إلى عرض العقارات بقيمة أقل من التي اشتروا بها من أجل سداد القروض، وهو ما أدى إلى انهيار الأسعار".
وأضاف أن السوق قد يشهد بعض التباطؤ في المبيعات لكن "الأسعار في كل الأحوال لن تهبط".
لكن الخبير الاقتصادي عمر الشنيطي، يتوقع أن يواجه السوق المصري فقاعة عقارية خلال السنوات المقبلة، لكن بطريقة مختلفة عن ما حدث في أمريكا ودبي، بسبب محدودية الديون التي على ملاك العقارات.
حيث أن أغلب من يشتري العقارات في مصر يمولها ذاتيا من ماله الخاص وليس عن طريق التمويل العقاري.
ولذلك فإن الفقاعة العقارية "المصرية" ربما تأخذ شكل تباطؤ كبير في الطلب وثبات في الأسعار، بحسب ما قاله الشنيطي في مقال منشور له.
هل تنخفض أسعار العقارات في الفترة المقبلة أم أنها مرشحة للزيادة؟
لا يتوقع العاملون في شركات التطوير العقاري أي انخفاض في أسعار العقارات خلال الفترة المقبلة.
ويقول أعضاء في غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات، إن أسعار العقارات سترتفع بنسبة تتراوح بين 15 و20% حتى نهاية العام الجاري.
وقال دويدار، إن أسعار العقارات لا يمكن أن تنخفض في ظل الفجوة الكبيرة بين العرض والطلب، وزيادة تكلفة مدخلات بناء العقارات.
ما هو عدد الوحدات المطلوب سنويا؟
يحتاج السوق المصري إلى ما يتراوح بين 500 و700 ألف وحدة سكنية سنويا، في حين أن ما يتم بناؤه فعليا، لا يزيد على 200 أو 300 ألف وحدة سنويا، مما يجعل الطلب دائما أكبر من العرض، ولذلك ستظل الأسعار ترتفع، بحسب ما قاله، دويدار.
لماذا تزيد مبيعات الشركات بالرغم من ارتفاع الأسعار وضعف القدرة الشرائية للمصريين؟
تظهر نتائج أعمال شركات التطوير العقاري الكبرى، المدرجة في البورصة مبيعات قوية للغاية، رغم ارتفاع الأسعار وضعف القدرة الشرائية للمصريين بعد تعويم الجنيه.
ويقول دويدار إن الشركات تحافظ على مبيعاتها القوية عن طريق مد فترات التقسيط حتى تحافظ لعملائها على قيمة قسط "مقبولة" تتناسب مع الدخول التي تآكلت بفعل التعويم.
لكن هذا الحل الذي لجأت له الشركات، سيكلفها أعباء كبيرة بحسب دويدار، لأنه يؤثر على السيولة المتاحة لديها، بسبب تقسيط قيمة الوحدات السكنية على فترات تصل إلى 8 سنوات.
"الشركات ستحصل على فلوسها على فترات أطول، وهو ما دفعها للحصول على قروض من أجل تغطية العجز في التدفقات النقدية، وهذه القروض ستكلفها عبء دفع الفوائد المرتفعة للبنوك"، بحسب دويدار.
كما أن الفجوة الكبيرة بين المعروض والمطلوب في السوق تعطي الشركات الفرصة لفرض أسعارها على العملاء، في ظل حاجتهم لهذه الوحدات من أجل الزواج.
ويرى الكثير من المصريين في العقارات مخزنا آمنا ومضمونا لقيمة أموالهم في مواجهة تضخم الأسعار، ولذلك يقبلون عليه مهما ارتفع سعره.
"الناس في مصر عرفت مع الوقت أن العقار وعاء مناسب لاستثمار أموالهم على المدى الطويل، وأنه يحقق لهم عوائد أفضل حتى من شهادات الادخار البنكية مرتفعة العائد" بحسب دويدار.
وتشهد مصر موجة تضخم مرتفعة نتيجة ارتفاع سعر الدولار وزيادة أسعار الوقود، وقفز معدل التضخم فوق 30% وهو أعلى مستوى له في نحو 3 عقود.
وطرحت بنوك الأهلي ومصر والقاهرة شهادات بفائدة 16 و20% في نوفمبر الماضي من أجل دعم الجنيه والحد من الدولرة، بالتزامن مع تحرير سعر الصرف.
من يشتري العقار في مصر؟
زاد إقبال المصريين العاملين في الخارج على شراء العقارات في مصر، بعد التعويم، إذ أنه أصبح فرصة مربحة للاستثمار.
كما أن المصريين المقيمين في البلد يشترون العقارات وخاصة الفاخرة وفوق المتوسطة من أجل استثمار أموالهم على المدى الطويل، خشية تآكل مدخراتهم بسبب التضخم.
و يرى دويدار أن أغلب المبيعات في السوق المحلي لا يزال لصالح المصريين المقيمين في البلد.
"المصريين اللي عايشين في الخليج لديهم مخاوف من ترحيلهم أو انقطاع أرزاقهم، في ظل التوتر السياسي حاليا، بسبب حصار قطر، وبالتالي يخشون شراء عقارات في مصر قد لا يتمكنون من سداد أقساطها" بحسب دويدار.
لكنه توقع أن يشهد الصيف الحالي إقبالا من المصريين العاملين في الخارج، والخليجيين أنفسهم، على شراء العقارات في مصر، وهو ما يعزز استمرار الطلب القوي، من وجهة نظر دويدار.
وفي المقابل يرى محمد مرعي المحلل المالي في شركة برايم، أن المبيعات في الشهور المتبقية من العام الجاري ستنخفض، بعدما "انتهى المصريون العاملون في الخارج من الشراء بالفعل"، وفي ظل استمرار ارتفاع الأسعار بما يفوق قدرة المصريين على الشراء.
فيديو قد يعجبك: