إعلان

مقاعد الانتظار .. "قصة قصيرة"

مقاعد الانتظار .. "قصة قصيرة"

د. هشام عطية عبد المقصود
09:00 م الجمعة 28 سبتمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تأتي قادمة من ركن بعيد، ومنذ أن تطل عيناك عليها ستعرف من ملامحها ثم شكل ملابسها أنها فتاة ريفية، ربما تعمل لدى إحدى الأسر وترافقهم، فوجودها في المكان يمكن إدراكه على هذا النحو، ثم وهى تقترب يمنح وجهها تعبيرا عن مرحلة سنية تبدو فيه فتاة صغيرة، يتأكد ذلك وهى تمر سريعًا، حيث يبدو جانب الوجه نحيفًا.

حين ثبتت في مكانها ظهر أنها ليست هكذا تماما بل أكبر قليلا مما بدت، تظل لا تتخطى أوائل العشرينيات على أية حال، تدخل لبهو واسع على شكل مستطيل تحيطه من أضلاعه الداخلية كراسٍ متلاصقة بطول كل جانب، بينما ينفتح أحد أضلاعه ويخلو تماما ليشكل مدخلا للجالسين والقادمين في انتظار الدخول إلى حيث غرفة الطبيب في ذلك المستشفى متعدد الأدوار.
تقود الفتاة ذراعي كرسي متحرك يجلس عليه رجل تبدو هيئته عجوزا ربما بتأثير المرض، يتحرك الكرسي بطيئا بينما رأس الرجل يميل نحو اليمين قليلا، لا تعبير محدد على ملامحه، صامت ينظر نحو الأسفل ويداه ممددتان على ساقيه، يرتدى تي شيرت قطنيًا، ملابس تبدو منزلية وكأنه لم يأت من خارج المكان، وإنما هو في مرور دوري أو عاجل على الطبيب، يبدو الرجل وقورا صامتاً، عيونه تذهب نحو الأسفل، لا أحد في رفقته سوى تلك الفتاة.

تعيد الفتاة ضبط الكرسي المتحرك ليكون في مواجهتها وهى تجلس على أحد مقاعد الانتظار، تلتقط كفيه وتقبلهما بحنو بالغ، وتمر بباطن كفها على جبهته تمسح شيئا غير ظاهر، ربما حبات عرق لاحظتها لقربها أو ربما تمنحه طمأنينة، استرخى وجه الرجل وهى تقول بصوت مسموع غير ملتفتة للحاضرين: إن شاء الله خير، ثم تكمل: ربنا يخليك ليا.
لا شيء يبدو مصنوعا أو كاذبا في كلامها للرجل الصامت الذاهل الناظر للأسفل، والمائل إلى اليمين في جلسته، تعيد تمرير يدها على جبهته، تفعل ذلك أمام الجميع لرجل يظل صامتا وعيونه مثبتة في اللا شيء، هما وحدهما يجلسان في الطرف الداخلي للبهو قريبا من باب غرفة الطبيب، تقف أمامه وتحيطه بيديها، يمد ذلك الصامت - طوال الوقت - يديه ليتشبث بها، يمسك بها فتنحني لتقبل يديه مرة أخرى، هل استيقظ الرجل فجأة وتوا من صمت يبدو كإغماءة مطولة، لا يستطيع التحدث ولا يحاول، لكن عيونه ترتفع قليلا وكأنها تقول للفتاة شيئا بلغة يعرفها كلاهما.

عيون الفتاة مرهقة تبدو مانعة لدموع توشك أن تنهمر، ترتد إلى خلف الكرسي المتحرك، تترك يدها اليمنى له وتستمر في تحريك الكرسي بيدها اليسرى نحو غرفة الطبيب التي ينفتح بابها، يدخلان وتغلق الباب خلفهما، دقائق وتخرج لتجلس على أحد الكراسي المتاحة الفارغة في مكان الانتظار، تظل عيونها تلاحق باب الغرفة، وتلاحق الممرضة التي تخرج وتدخل عدة مرات من غرفة الطبيب، ثم تمضي لتقف إلى جوارها قبل أن تغلق الباب ثانية، تلتقط نظرة نحو الداخل وتمضي نحو مقعدها، الإيشارب الذى يحيط برأسها ليس محكما تماما ويتهدل قليلا فتظهر ألوانه الكثيرة المختلطة، تبدو هنا أكبر سنًا تمامًا، الوجه النحيف الحاد، وانتفاخ ما تحت العينين يبدو مؤكدا على إجهاد طويل يشي به إحمرار العيون الواسعة.

تلمح الفتاة الممرضة قادمة في اتجاه غرفة الطبيب فتسرع لتقطع عليها طريق الدخول وتسير معها، حين تمسك الممرضة بمقبض الباب لتفتحه قليلا تسرع الفتاة بمد رأسها معها داخل الغرفة، وتعود لتجلس حينما تغلق الممرضة الباب، لا تنظر أبدا لمن حولها في الكراسي المجاورة كأنها لا تراهم أو لا تسمع شيئا مما يجرى بينهم من حديث يبدو صوته واضحا أحيانا، تقف وتتحرك في اتجاه الغرفة، تطرق الباب خفيفا، تظل تطرقه، ينفرج الباب قليلا ويظهر وجه الممرضة، يتحدثان وهذه المرة تتقدم قليلا وهى تنظر إلى داخل الغرفة، تقول شيئا هادئا توجهه نحو من بالداخل بينما الممرضة تنظر أيضا معها داخل الغرفة، تسمح لها الممرضة بالدخول ويغلقان الباب.

إعلان

إعلان

إعلان