مسارح "المواجهة بالوكالة" بين إيران والسعودية
كتبت- هدى الشيمي:
بدأت المنافسة بين المملكة العربية السعودية وإيران منذ ما يزيد عن 35 عاما، إذ شعرت الرياض بأن طهران باتت تُشكل خطرا عليها بعد قيام الثورة الإيرانية، وانهيار نظامها بالإطاحة بالشاه محمد رضا بهلوي، وبدء عصر جديد أكثر تشددا وصرامة.
وبذلت السعودية جهودا حثيثة لمنع امتداد النفوذ الشيعي الإيراني، والحيلولة دون وصوله إلى أراضيها، أو بجوارها مجاورة منها، بينما عملت طهران على استغلال أي فرصة تتوفر أمامها من أجل التوغل في الشرق الأوسط، وحتى الآن لم تتواجه القوتان بشكل مباشر، بل أنهما تنافستا في العديد من الدول بطريقة غير مباشرة.
وفيما يلي نرصد أبرز مسارح "المواجهة بالوكالة" بين إيران والسعودية.
لبنان
تعيش لبنان حالة من الفوضى والتوتر منذ الأسبوع الماضي، وذلك عقب إعلان رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري استقالته، في خطاب متلفز عرضته قناة العربية السعودية من الرياض. وقال في خطابه إن حزب الله الشيعي اللبناني بات دولة داخل دولة، وأن طهران تنشر الخراب أينما حلت.
وبعد ساعات من خطاب الحريري، اتهمت المملكة حزب الله وإيران التي تدعمه بمساعدة مليشيات الحوثيين في اليمن على إطلاق صاروخا باليستيا على أراضيها، واعتبرت ذلك "إعلان حرب من جانب طهران"، وأكد مسؤولون سعوديون إن إيران ستدفع ثمن أفعالها.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث طالبت السعودية ودول خليجية أخرى رعايا بمغادرة الأراضي اللبنانية فورا، ما أصاب اللبنانيين بالقلق، خاصة وأنهم مالبثوا أن شعروا باستقرار نسبي، بعد الفراغ السياسي والفوضى التي سيطرت على بلادهم.
وازدادت الأمور سوءً، بعد تردد أنباء حول احتجاز الرياض للحريري، ومنعه من السفر، واجباره على الاستقالة، للضغط على حكومة بلاده للحد من النفوذ الإيراني بداخلها، وتضييق الخناق على حزب الله.
وفي المقابل، اتهم حسن نصرالله، الأمين العام لحزب الله، السعودية بتحريض الدول العربية وخاصة الخليجية على اتخاذ إجراءات تصعيدية ضد لبنان.
وقال حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، إن السعودية تريد تصفية الحسابات مع إيران في الساحة اللبنانية، وعلى الأرجح أنها ستخسر وبشدة، لأن لبنان مُختلفة تماما عن كل الساحات الأخرى.
اليمن
تسبب الصاروخ الباليستي الذي أطلقه الحوثيون من شمال اليمن على مطار بالعاصمة السعودية الرياض، في اشعال غضب المملكة، واعتبر مسؤولون سعوديون أن الحوثيون الشيعة أطلقوه بمساعدة من إيران، وقالوا إن هذا يمكن اعتباره "إعلان حرب" من جانب طهران.
واستولى المتمردون الحوثيون على العاصمة اليمنية صنعاء، وأعلنوا عدم اعترافهم بحكومة الرئيس عبدربه منصور هادي، وهو حليف مُقرب من السعودية، والذي ترك صنعاء وانتقل إلى عدن، ومنها إلى المملكة.
وتطورت الأوضاع في اليمن، ووصلت إلى ذروتها في مطلع 2015، إذ شهدت البلاد حربا أهلية، أثارت مخاوف سعودية من اتساع المد الشيعي المدعوم إيرانيا ووصوله إلى اراضيها، خاصة وأنه يفصل بين اليمن والسعودية حوالي 993 كيلومتر وهي مسافة ليست كبيرة. في ضوء ذلك قادت السعودية تحالفا عسكريا ضم عدد من البلدان العربية على رأسها الإمارات، ودعمته الولايات المتحدة، وشنت حملة عسكرية ضد الحوثيين وحلفاءهم في اليمن.
نددت طهران بالتدخل العسكري في اليمن، واتهمت السعودية بالتسبب في كارثة انسانية في البلاد، وطلبتها بالانسحاب فورا.
وعلى مدار حوالي عامين ونصف، تسبب التدخل العسكري في اليمن في الكثير من الخسائر للطرفين، فبحسب خبراء عسكريين ومراقبين دوليين، فإن التحالف تكبد مليارات الدولارات في الحرب.
كما دفعت الأزمة اليمن إلى كارثة إنسانية، من مجاعة وأمراض مثل الكوليرا والطاعون، بالإضافة إلى انهيار البنية التحتية في البلاد.
وقالت الدكتورة سيلين إلهام جريزي، الباحثة الفرنسية في العلوم الجيوسياسية ومختصة في الشؤون العربية، إن التحرك السعودي في اليمن جاء بهدف استعادة دور المملكة في المنطقة والعالم العربي، في ظل توسع النفوذ الإيراني.
وأشار الكاتب الروسي إيجور سوبوتين، في مقال بصحيفة نيزافيسيمايا غازيتا الروسية، إلى أن بن سلمان كان يظن أن الحملة السعودية في اليمن ستكون حرب صغيرة جالبة للنصر، وتعزز مكانته الداخلية، ولكنها تحولت إلى أزمة، إذ أنفقت الرياض أموالا طائلة هناك دون أن تحقق ما تربو إليه.
سوريا
تحولت سوريا إلى ساحة للحرب بالوكالة بين السعودية وإيران، خاصة وأن طهران أعلنت دعمها الكامل لنظام الرئيس بشار الأسد، وساندته عسكريا على أرض المعارك وخطوط الجبهات في بلاده، وأيدته سياسيا ودبلوماسيا في المحافل الدولية منذ بداية الأزمة السورية في مارس 2011.
وأثار ذلك حنق المملكة والتي كانت قد سحبت وفدها من بعثة حفظ السلام التابعة لجامعة الدولة العربية في سوريا في يناير 2012، وأغلقت سفارتها في دمشق، وطردت السفير السوري لديها، وشاركت في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكي ضد داعش، وقدمت مساعدات لفصائل تحارب النظام السوري.
ومازالت الأذرع العسكرية لإيران في الشرق الأوسط، الحرس الثوري الإيراني ومليشيات حزب الله اللبناني، متواجدة في سوريا مع قرب القضاء على تنظيم داعش هناك.
وأعلنت وزارة الخارجية الإيرانية، أن وجودها العسكري في سوريا شرعي، وسيستمر لكن بأشكال مختلفة. وتقول إيران إن وجودها العسكري جاء بناءً على طلب من حكومة الأسد.
وفي المقابل، طالبت المملكة العربية السعودية في اجتماع عُقد بجامعة الدول العربية بطلب رسمي منها، وضع حد لانتهاكات إيران في المنطقة العربية.
العراق
حرصت إيران على أن يكون تدخلها في العراق مستترا وغير ملحوظا، على عكس ما فعلته في سوريا أو لبنان وغيرها من البلدان العربية. فقدمت طهران منذ حوالي ثلاثة أعوام الدعم للحكومة العراقية الشيعية وذلك بعد احكام تنظيم داعش قبضته على الأراضي العراقية، وتغلغله في المنطقة.
وقال الكاتب السعودي سعد القويعي، في مقال له بموقع العربية نت، إن إيران نجحت، لأول مرة في تاريخ العراق الحديث، في الاستيلاء على مؤسسات الحكم في العراق، والعمل على صياغة شكل الحكومة المستقبلية، وتشكيل وجه السياسة العراقية لمصلحتها.
وأشار خبراء ومحللون دوليون إلى أن إيران تسعى إلى بسط نفوذها في العراق، لضمان بقاء الحكومة الشيعية في السلطة، وتعمل للحيلولة دون عودة القوة إلى أيدي السنة مرة أخرى كما كان عليه الوضع خلال حكم الرئيس العراقي السابق صدّام حسين، والذي شن حربا على طهران عام 1980، عُرفت باسم "حرب الخليج الأولى".
وبالتوازي مع الجهود الإيرانية للتوغل في العلاقات، تعمل السعودية على تحسين علاقاتها بالعراق، وظهر ذلك في إبرام الحكومة العراقية والسعودية اتفاقا على فتح معبر عرعر الحدودي، لأول مرة بعد ربع قرن تقريبا من قطع علاقاتها ببغداد بسبب غزو الكويت.
وقام وزير الخارجية السعودية عادل الجبير بزيارة مفاجئة إلى بغداد وأجرى محادثات مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، في فبراير 2017، وزار رجل الدين الشيعي البارز مُقتدى الصدر السعودية، والتقى بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
قطر
شهدت منطقة الخليج أزمة غير معهودة في يونيو الماضي، وذلك بعد إعلان السعودية والإمارات ومصر والبحرين قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، وذلك على خلفية اتهامها بدعم وتمويل الإرهاب، والتقرب من إيران والسماح لها بالتدخل في المنطقة.
طالبت الدول المقاطعة الأربع قطر خفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران وإغلاق ملحقياتها، ومغادرة العناصر التابعة والمرتبطة بالحرس الثوري الإيراني الأراضي القطرية، والاقتصار على التعاون التجاري بما لا يخل بالعقوبات المفروضة دوليًا على طهران، وبما لا يخل بأمن مجلس التعاون لدول الخليج العربية وقطع أي تعاون عسكري أو استخباراتي مع الحكومة الإيرانية.
وفي المقابل، أعلنت طهران دعمها لقطر واستعدادها تصدير مختلف المحاصيل الزراعية والمواد الغذائية إلى الدوحة عبر 3 موانئ بعد إغلاق الدول المقاطعة مجالاتها الجوية والبحرية والبرية أمام قطر.
وتبادل مسؤولون من السعودية وإيران الاتهامات منذ بداية الأزمة وحتى الآن، وأدان مسؤولون من الجانبين الطرف الآخر بالعمل على زعزعة الاستقرار في المنطقة.
البحرين
منذ نهاية ستينات القرن الماضي والبحرين ساحة للمنافسة بين السعودية وإيران التي كانت تعتبر البحرين جزءا منها.
وعادت الخلافات إلى البحرين من جديد في 2011، بعد خروج الأغلبية الشيعية في احتجاجات عنيفة دعمتها إيران، وتصدت لها المملكة وتدخلت بقوات درع الجزيرة التابعة لمجلس التعاون الخليجي للحفاظ على السلطة البحرينية.
واتهمت وزارة الداخلية البحرينية طهران بالقيام بأعمال تخريبية وإرهابية خطيرة في أراضيها. اخرها محاولة تفجير أنبوب النفط السعودي البحريني.
وفي المقابل، رفضت وزارة الخارجیة الإیرانیة تلك الاتهامات، وقال المتحدث باسم الخارجية بهرام قاسمي، إنها مزاعم "فارغة وكاذبة".
فيديو قد يعجبك: