إعلان

هل استنفدت الثورة زخمها؟ تردي الاقتصاد التونسي يهدد مسار التحول فى البلاد

08:21 م الجمعة 12 يناير 2018

تونس - (د ب أ):

بعد سبعة أعوام من الثورة حققت تونس عدداً من الإصلاحات الديمقراطية بنجاح، لكنها تكافح مشكلات اقتصادية خطيرة.

في البداية تظاهر التونسيون للاحتجاج على ارتفاع الأسعار وزيادة الضرائب، وفي نهاية المساء، اقتحموا مركزاً للتسوق، وفروا بأجهزة تلفاز وأجهزة كهربائية بين أيديهم تحت جنح الليل.

فمنذ أيام يحتج الناس في الشوارع بأعداد كبيرة في كل بقعة من تونس، وينخرط الشباب خاصة في هذه الاحتجاجات، وأحياناً يتحول الأمر إلى عمليات نهب وسلب ومصادمات عنيفة مع الشرطة. تحترق الحواجز، ويسود الغليان أنحاء تونس قبل أيام من ذكرى الثورة التي تحل في الرابع عشر من الشهر الجاري (يوم الأحد المقبل)، لأن الاقتصاد مشلول برغم الإصلاحات الديمقراطية التي تمت.

ويحاول رئيس الحكومة يوسف الشاهد تهدئة خواطر الناس في بداية الاحتجاجات قائلا: "نعتقد أن 2018 ستكون آخر السنوات العجاف بالنسبة للتونسيين".

لكن شعارات المثابرة يشبه بعضها بعضا منذ سنين وما تزال الإصلاحات الضرورية غائبة.

ويقول فوزي النجار من الجمعية الألمانية للتجارة الخارجية التى تتبع وزارة الاقتصاد والطاقة الألمانية وتتركز مهامها فى دراسة الأسواق الخارجية لتسويق السلع الألمانية : "التطورات الجارية خارج نطاق السيطرة، وهناك مقاومة سياسية للإصلاحات تقوم بها بعض جماعات الضغط والنقابات".

وبعد قليل من مناشدة رئيس الحكومة شعبه لأن يتفهم الأوضاع طالب رئيس الاتحاد العام التونسي للشغل صاحب النفوذ القوي ، نور الدين الطبوبى برفع الحد الأدنى للأجور وزيادة المعونة الاجتماعية للفقراء.

اندلعت شرارة الاحتجاجات الحالية لعدة أسباب على رأسها قانون المالية الجديد 2018 الذي دخل حيز التنفيذ بداية هذا العام، كما أسهم ارتفاع ضريبة المبيعات بنسبة 1% وارتفاع أسعار الوقود وتحصيلات الجمارك على بعض الورادات في تأججها.

كما تفتقر البلاد إلى المال وميزانيتها ليست متوازنة، فهناك حوالي ثلث النفقات العامة التي تبلغ قيمتها 36 مليار دينار تونسي (حوالي 12 مليار يورو) ليس لها غطاء، وارتفعت مديونية الدولة منذ اندلاع الثورة قبل سبعة أعوام من 39 % إلى 70 % من إجمالي الناتج المحلي.

وفي جانب النفقات يستهلك نصف الميزانية في مرتبات العاملين في قطاع الخدمة العامة، وبهذا تنضم تونس إلى مجموعة الدول المتميزة عالميا في هذا الجانب.

وكانت الحكومة تلجأ في الماضي إلى مواجهة الاحتجاجات غالبا باتباع مبدأ التعيينات الجديدة.

وقد تسلم قبل وقت قصير أكثر من ألف عامل وظائفهم في جمعية جديدة للرعاية الزراعية بمنطقة تطاوين الصحراوية في جنوب تونس.

ويقول فوزى النجار، الخبير بالجمعية الألمانية للتجارة الخارجية وهى تعتبر أيضا شركة مساهمة مملوكة بصورة كاملة للحكومة الألمانية: "البلاد ما تزال تعيش في مستوى أعلى من مستويات إنتاجها، ولا يوجد نقاش مجتمعي حول توزيع الأعباء المالية بصورة عادلة".

ويشير النجار إلى أن النفقات العالية المخصصة للقطاع الإداري المترهل تجعل الاستثمارات قليلة، مبينا أن ارتفاع قيمة الضرائب والرسوم في الوقت الراهن يؤثر بالدرجة الأولى على الشركات والعاملين، مضيفا القول: "وهؤلاء ليسوا هم من يتظاهرون الآن في الشوارع".

وتشير تقديرات الخبراء إلى أن حوالي ثلث التونسيين يعملون في القطاع غير الرسمي، ولكن السخط يعم كل طبقات الشعب بصورة كبيرة، وكان الكثيرون يضعون آمالا أكبر على التحول الذي وقع في 2011.

كانت تونس بدأت بعد انهيار نظام زين العابدين بن علي الذي ظل يحكم البلاد طويلا وسقط في 14 يناير 2011 إصلاحات سياسية شاملة، وأثنى الغرب عليها لبذلها جهودا ديمقراطية معتبرة، ووصفت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال زيارتها قبل حوالي عام تونس بأنها "منارة أمل".

إلا أن تقريرا داخليا للخارجية الألمانية حصلت وكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ.) على نسخة منه يشكو من عدم كفاءة الإدارة العامة وتدني مستوى الأخلاقيات فى التعامل الضريبي وانتشار الفساد، مشيرا إلى أنه ليس هناك خطة صارمة لمكافحة البطالة في تونس.

ويضيف التقرير أنه صحيح أن حزمة من الإجراءات الطموحة تمت صياغتها، لكنها لم تطبق، ولا يمكن للمراقبين التعرف على خطة تنظم سياسة سوق العمل في البلاد.

ويضيف التقرير قائلا إن الحكومة التونسية تعطي عن نفسها للآخرين "صورة العاجز".

إلا أن الداعمين الدوليين سيواصلون تقديم العون إلى تونس، حيث تقول الدوائر الدبلوماسية الأوروبية إن هذه البلاد مهمة جدا لدرجة لا يمكن تركها للفشل.

قدم صندوق النقد الدولي 9ر2 مليار يورو إلى تونس ، وهو بذلك أحد أكبر مانحي القروض لها، إلا أن تقديم الشرائح المالية يتراجع منذ إقرار البرنامج عام 2016 بسبب عدم التوافق المتكرر بين الأطراف.

ويضع الساسة المعارضون في تونس قسما كبيرا من المسؤولية عن مأساة الاقتصاد التونسي على عاتق شروط صندوق النقد الدولي اللازمة لتطبيق برنامج التقشف والإصلاح.

وقد وصل التضخم في تونس إلى نسبة 4ر6 % وهي نسبة يرى المحللون فيها مستوى مثيرا للقلق.

ومن جهة أخرى يفتقد الدبلوماسيون الأوروبيون والنشطاء التونسيون بعد الثورة إلى الوعي بمفهوم المواطنة.

ويقول رجل الأعمال والناشط التونسي لطفي حمادي في مناشدة له: "حالات التمرد الغاضب ليس سببها الجوع، وإنما سببها أزمة تفهم لمعنى العمل"، مشيرا إلى أن مواقع البناء لا تجد عمالا ومزارع الزيتون لا تجد من يجنيه ، والشركات لا تجد خريجي الجامعات للعمل فيها.

ويضيف حمادي القول بأنه في ظل الأزمة الاقتصادية لا يصح للمرء أن يظل منشغلا بنفسه أو يظل جالسا على ساحات المقاهي، وإنما عليه أن يشارك، ويصعب أن يمر يوم دون إضراب في قطاع من القطاعات أو شركة من الشركات التونسية.

إلا أن حمادي يتحدث أيضا عن الفساد المتفشي ومنح الوظائف داخل دوائر الأصدقاء والمقربين.

وتذكر مؤسسة كارنيجي البحثية الدولية أن الرشوة في تونس تعد "عامل زعزعة للاستقرار هناك يصيب جميع مجالات الاقتصاد وقطاعات الأمن والسياسة".

وتتصرف حكومة الشاهد في الواقع بشدة على مستوى الرأي العام مع كبار الفاسدين من الموظفين، إلا أن هذا لا يؤدي إلا إلى مزيد من عدم الأمان لدى التونسيين، لأن الخطوط الضابطة هنا أيضا ليست واضحة.

أما بالنسبة للنجار فإن تونس تعطي صورة منقسمة، "فهناك البطالة الكبيرة وقطاع غير رسمي كبير، ومناطق مهملة في وسط البلاد، إلا أن هناك أيضا مجالات قادرة على المنافسة لابد من توسيعها".

ومن الواضح أن هذا هو رأي الكثيرين في تونس– إلا أن التطبيق ما يزال يعاني الفشل.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان