إعلان

في سرت الليبية: أطفال يلعبون بالجماجم وقذيفة لم تنفجر تشاركهم المنزل

10:08 م الثلاثاء 09 يناير 2018

كتب – محمد الصباغ:

تعيش ثلاث عائلات ليبية مع أطفالهم الصغار بمنزل بأحد شوارع مدينة سرت التي دمرتها الحرب، وعلى سطح هذا المنزل توجد قذيفة لم تنفجر. وبنهاية نفس الشارع قضى عجوز أسابيع يتناول وجبة واحدة يوميًا، حتى بات قريبًا من التسول. بين الإثنين هناك سلسلة من المنازل المتهدمة والسيارات المحترقة وعلامات أخرى لمعارك.

وفي تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية نُشر يوم الإثنين، جاء أنه مؤخرًا كان محمود عميش يدور في أنحاء منزل ابنه المدمر بحثًا عما يمكن أن يشعله للتدفئة. كان السقف منهارًا، والأبواب الأمامية مكسورة ومنزوعة مفصلاتها، تماما مثل حياة السكان بالمدينة.

ويقول عميش لواشنطن بوست والدموع تملأ عينيه: "ولدت عائلتي بالكامل في هذا الشارع".

طردت مجموعات ليبية مسلحة بمساعدة قوات خاصة أمريكية، عناصر تنظيم داعش الإرهابي من معقلهم القوي في مدينة سرت منذ ديسمبر 2016، واضعين نهاية للحكم الوحشي والمسعى لإقامة عاصمة بديلة للخلافة المزعومة في شمال إفريقيا. وبعد مرور عام، تبقى المدينة الساحلية مدمرة فعليًا ونفسيًا.

كثير من العائدين إلى المدينة يستأجرون أماكن نصف مدمرة للحياة فيها. بينما المدارس والمستشفيات شبه معطلة، بجانب الأعمال التجارية. الشوارع مليئة بالقمامة. والروائح الكريهة منتشرة من البالوعات التي لا تعمل.

3

الجماجم أيضًا ملقاة وسط الدمار، ما ينذر بانتشار الأمراض. كما أن الموت يختبئ في المدنية متمثلا في الألغام الأرضية التي لم تُكتشف.

ويقول محمد صلاح، سائق تاكسي، يعيش في المنزل الذي تعلوه القذيفة التي لم تنفجر: "الجميع اهتموا بتحرير سرت. ولم يهتموا بما بعد المأساة".

وتقول واشنطن بوست إنه على الرغم من عدم سيطرتها على مناطق بارزة في ليبيا، إلا أن تنظيم داعش خطط لعمليات انتحارية وهجمات ضد النقاط الأمنية الحكومية خلال العام الماضي. وقال مسؤولون في المخابرات الليبية والأمريكية إن داعش تسعى للعودة إلى مناطق في جنوب سرت.

وقد يشكل طموح داعش في ليبيا مسار الدولة في الأشهر القادمة، وخصوصا مع بحث التنظيم عن "جنّات" جديدة بعد الهزائم في سوريا والعراق. والعوامل القوية التي تساعد على حدوث ذلك في ليبيا موجودة مثل عدم الاستقرار وضعف الحكومة والتوترات القبلية، وبجانب وفرة الأسلحة مقارنة بالمجموعات المسلحة الأخرى.

كما أن الدولة مفرقة بين ثلاث حكومات وتدعم الأمم المتحدة واحدة هشة منهم. ويقول مصطفى علي، عامل الإغاثة المحلي لواشنطن بوست: "لقد نُسينا".

وتسيطر مليشيات مسلحة من مدينة مصراتة على المدينة وكانوا من أول المقاتلين للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي في ليبيا، وهم متشككون في نوايا السكان المحليين ويتهمونهم بالتعاون مع داعش.

ويضيف علي: "يعتقدون أن سكان سرت يريدون بقاء داعش".

كانت المدينة التي هرب منها القذافي مع بداية المظاهرات والمعارك ضده، هدفًا رمزيًا واستراتيجيًا أيضًا، فهي تمتلك البترول والغاز بكميات كبيرة.

سيطر تنظيم داعش على المدينة في صيف عام 2015، بالتعاون مع مليشيات إسلامية محلية وقبائل موالية للقذافي. وأجبروا الرجال على تربية اللحى والسيدات على ارتداء الملابس السوداء الطويلة. وحُرمت السجائر والكحوليات، وبدأت الشرطة الدينية العمل في المدينة.

وروى "عميش" أنه في أحد الأيام وجده عناصر من داعش خارج المسجد في وقت الصلاة. تم احتجازه في حجرة مغلقة لساعات قبل تحذيره وإطلاق سراحه. وقال له أحد المسلحين: "سوف تعدم في ميدان زعفران في المرة القادمة"، في إشارة إلى المكان الذي تنفذ فيه عناصر التنظيم الإرهابي أحكام الإعدام وتجبر المدنيين على متابعة تنفيذها.

وفي موقف آخر احتجز التنظيم أحد أبناء المواطن الليبي وطالبوه بالانضمام لهم، لكن "عميش" تواصل مع شيوخ القبائل وانتهى الأمر بالإفراج عنه.

ويقول لواشنطن بوست: "هنا قررت الرحيل مع عائلتي بسرعة". واصطحب عائلته مع إلى مصراتة.

وبعدما طُرد الدواعش من المدينة، كان الرجل يتابع الأخبار على شاشة التلفاز وتابع تقريرًا يُظهر الدمار في شارع النهضة، حيث عاش في السابق. رأى منزله، وقال: "بدأت في البكاء".

ويقول الشاب صلاح خليفة، 21 عاما، لواشنطن بوست: يمكنني التدخين بحرية. ويمكنك الصلاة كما أحببت. لا يجبرك أحد على الذهاب للمسجد".

وذكر التقرير أن عناصر مسلحة من مدينة مصراتة كانوا يختطفون الأهالي من أجل الحصول على فدية. كما ارتكب بعضهم جرائم السرقة والاعتداءات على سكان سرت. ولم تنس، بحسب الصحيفة الأمريكية، قيادات القبائل في سرت ما فعله مسلحي مصراته وأنهم لازالوا يحتجزون سجناء من المدينة ألقوا القبض عليهم في عام 2011 لعلاقاتهم مع القذافي.

لا تمتلك المدينة ممثلين في حكومة طرابلس، ويرفضون أي أدوار حكومية، بحسب أحد شيوخ القبائل البارزين. ويقول الشيخ عمران مفتاح: "هذا بسبب عدم الإدراك لمشاكل سرت واحتياجاتها"، مشيرًا إلى الحكومة الليبية والمجتمع الدولي.

فيما نقلت الصحيفة عن متحدث باسم تحالف لمليشيات مصراتة، أنه لا يثق تمام الثقة بالسكان المحليين بسرت، لكنه نفى وجود توترات. وقال: "سكان سرت يعرفون أننا هنا لحمايتهم، وليس للسيطرة عليهم".

وحذر محمد الغسري نيابة عن وزارة الدفاع في حكومة طرابلس من أن تنظيم داعش لا يعتبر أنه خسر سرت، بل يعتقدون أن بإمكانهم العودة مرة أخرى. وأضاف أن القوات الخاصة الأمريكية متواجدة في مطار مصراتة. وأضاف أن دورهم أساسي للمساعدة في استهداف معسكرات التدريب الخاصة بداعش.

2

في شارع النهضة، المواطنون لديهم مشاكل أكبر من مجرد قذيفة لم تنفجر فوق منزلهم. فعلى سبيل المثال أصيب طفل بشظية وتلوث جرحه ويجب قطع ساقه. ويقول آباء بالشارع المعروف في مدينة سرت إن الأطفال في أحد الأيام وجدوا جماجم لمقاتلين من داعش في القمامة، وبدأوا في اللعب بهم.

ويقول محمد صلاح: "علينا مراقبة أطفالنا. هناك أمراض وقنابل لم تنفجر، وجثث في كل مكان".

تم تدمير أكثر من ألفي منزل في الضاحية، ويقول السكان إنهم لا يجدون إلا مساعدة قليلة من جانب الأمم المتحدة ومنظمات الإعانة الأجنبية.

وفي الليل، يفكر محمد في شيء آخر. ينظر إلى الأعلى ويفكر بالقذيفة أعلى المنزل. ويقول: "يمكن أن تنفجر في أي لحظة. لكن لا يمكننا تحمل تكلفة العيش في مكان آخر".

 

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان