خرج ولم يعد: المغربي المهدي بن بركة.. جثة مفقودة وسيناريوهات متضاربة
كتبت- هدى الشيمي:
قرر السياسي المغربي المهدي بن بركة لعب دورًا بارزا في معارضة نظام الملك حسين الثاني، حاكم المغرب السابق، وأن ينادي باستقلال وحرية بلاده منذ سن صغيرة، ما تسبب في اعتقاله، وانتهى الأمر بتحوله إلى صاحب أحد أهم قضايا الاختفاء في التاريخ.
وُلد بن بركة، في الرباط عام 1920، وحمل على عاتقه مسؤولية تأسيس جبهة معارضة، تنادي بتحرير المملكة واستقلالها، فأسس جريدة العلم، وسافر إلى العاصمة الفرنسية باريس لتقديم تقرير عن اوضاع حقوق الانسان في المغرب، وأعاد تنظيم حزب الاستقلال، وأشرف على إعداد المليشيا الشعبية، ثم انتخب رئيسًا للمجلس الوطني الاستشاري.
وبعد انقضاء حوالي 18 عامًا، بذل فيها بن بركة كل جهوده لتحسين الأوضاع السياسية والحقوقية في بلاده، تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة تسببت في اصابته بجروح خطيرة.
قرر بن بركة مغادرة المغرب بعد أن تأكدت جبهات المعارضة من أنها لن تستطيع ممارسة الديمقراطية السليمة، وبعدها بأشهر صدر حكم غيابي ضده بالإعدام، بتهمة المشاركة فيما عُرف بمؤامرة محاولة اغتيال الملك.
وبعدما حُكم عليه بالإعدام، هرب بن بركة إلى أوروبا وتجول في بلادها باستخدام جوازات سفر مزورة، وحاول التوارى عن الأنظار قدر الإمكان، حتى تلقى دعوة من مخرج سينمائي، لم يكن يعلم أنها ستكون السبب في وفاته.
كيف خُطف؟
تواترت الكثير من التقارير والشهادات حول كيفية مقتل بن بركة، إلا أن الشيء الذي أجمع عليه الجميع هو كيفية اختطافه، والذي حدث بعد أن أوهمه مُخرج سينمائي يُدعى جورج أفرنجو، والذي كان متواطئًا مع جهاز الموساد الإسرائيلي، بأنه يعمل على فيلم عن الحركات التحررية في دول المغرب العربي، وطلب منه أن يكون جزءًا من هذا العمل.
اتفق الاثنان على الالتقاء في مقهى ليب، الواقع في شارع سان جرمان في قلب مدينة النور باريس، في يوم 29 أكتوبر عام 1969، وما أن وصل بن بركة إلى موعده، قابله شرطيين فرنسيين، واصطحباه في سيارة إلى وجهة لا زالت مجهولة حتى الآن.
سيناريوهات التعذيب؟
وُجهت أصابع الاتهام في قضية بن بركة إلى الكثير من القادة السياسيين المغاربة، من بينهم أحمد دليمى، رئيس الاستخبارات المغربيّة الأسبق، و الجنرال محمد أوفقير، وزير دفاع وداخلية المغرب السابق، والذي اختفى في ظروف غامضة عقب محاولة انقلاب فاشلة في السبعينيات.
ويُقال أن المسؤولين المغاربة تعاونوا مع جهاز الموساد الإسرائيلي من أجل تنفيذ العملية، لاسيما وأن هذه الفترة كان فيها التعاون المغربي الإسرائيلي في أزهى صوره.
قال رونين بيرغمان، الباحث الإسرائيلي في شؤون الاستخبارات، إن الموساد تعاون مع المغاربة من أجل تنفيذ العملية، واستغلال فرصة عودة بن بركة من جنيف بجواز سفر جزائري، ثم اختطفوه، ونقلوه إلى شقة لا يزال مكانها غير معلوم، حيث عذبه دليمي بنفسه، بعد أن طلب من جهاز الاستخبارات الإسرائيلي مادة سامة، وجوازات سفر مزورة وأدوات حفر.
ووفقًا للباحث الإسرائيلي، فإن السم المطلوب وصل من تل أبيب إلى باريس، بعد مقتل بن بركة جراء التعذيب.
ويقول بيرغمان إن دليمي ومعاونيه تعمدوا إيذاء بن بركة أشد إيذاء، فقاموا بكي جسده، وحرقه بأعقاب السجائر والصدمات الكهربائية، واغراقه بالماء.
ونشرت صحيفة هسبريس الإلكترونية المغربية تقريرًا، في سبتمبر العام الماضي، نقلاً عن الصحفي المغربي مصطفي العلوي، إن بن بركة قُتل بعد أن ضربه أحد عناصر الشرطة الفرنسية، في مكان احتجازه، في عنقه، ما تسبب في كسره، وسقوطه جثة هامدة.
وفقًا للعلوي فإن بن بركة انتابته نوبة غضب شديدة بينما كان تحت حراسة خمسة من عناصر الأمن الفرنسيين، فضربه شرطي ذو بنية جسدية قوية على عنقه، فتوفي فورًا.
وينفي العلوي ما يتردد عن أن بن بركة توفي على يد الجنرال أوفقير.
جثة مفقودة
لا يزال الغموض يكتنف مصير جثة بن بركة، وهناك الكثير من الروايات المتعلقة بمكانها. فيقول العلوي، الصحفي المغربي، إنها دُفنت في ورشة بناء في المنطقة التي يوجد بها مقر القناة الثانية الفرنسية، وذلك بعد أن تخلص منه الجنرال أوفقير بمساعدة السفير الإسرائيلي في باريس.
وقال الجنرال رافي إيتان، الوزير الإسرائيلي السابق وأحد أهم قادة الموساد، إنه ساعد الجنرال دليمي على التخلص من الجثة.
وفي حواره مع القناة الإسرائيلية الثانية، قال إيتان إن دليمي ذهب إلى شقته في العاصمة الفرنسية واخبره أن بركة قُتل خنقًا، وأنه لم يعثر على طريقة للتخلص من الجثة، فتركها في حمام الشقة التي اُغتيل فيها.
ويذكر إيتان أنه طلب من الدليمي شراء الكثير من الجير، وقال له: "لكي نتخلص من الجثة يجب عليك شراء الكثير من الجير، وإحراقها لأنه هذه المادة تحرق الجثة بشكل كامل، ولا تترك أي أثر للعملية".
فيديو قد يعجبك: