إعلان

مأساة "أطفال داعش"| عار يلاحقهم وآخرون بلا هوية

02:05 م الثلاثاء 02 أكتوبر 2018

سارة وليلي

كتبت- رنا أسامة وهدى الشيمي:

يبدو من الصعب أن تتخيّل صغيرتين تتجاذبان أطراف الحديث حول دُمى الدببة خاصّتهما بينما تتمرجحان على أرجوحة، تم انتشالهما قبل عامين من تحت الأنقاض وحطام أحد المباني المُنهارة جراء قصف القوات العراقية، الأمر الذي أودى بحياة والديهما الذين كانا من أفراد تنظيم داعش الإرهابي.

سارة وليلى، 11 و9 أعوام على التوالي، لا يجمعهما أي شيء سوى تشابه مصيرهما بشكل مخيف؛ فوالديهما كانا جزءًا من التنظيم الإرهابي الذي قاتل بضراوة في مدينة الموصل، ثاني أكبر وأهم المدن العراقية.

تقول صحيفة "الاندبندنت" البريطانية إن الفتاتين نُجيا بأعجوبة من القصف الذي استهدف مخابئ مقاتلي داعش في مدينة الموصل القديمة، والتي شهدت أعنف وأشد المعارك بين مقاتلي التنظيم من جانب والجيش العراقي من جانب آخر. وتعيش الفتاتان الآن في ملجأ "أيتام الزهور"، حيث يتم رعاية الأطفال الذين تركهم مقاتلي داعش ورائهم.

وأوضحت الصحيفة البريطانية أن الفتاتين كانتا تشعران بالخوف لدرجة منعتهما من التحدث أو التحرك عند وصولهما إلى الملجأ لأول مرة، ورغم أن لديهما عدد كبير من الأقارب في العراق، إلا أن كل أفراد عائلتيهما رفضوا استقبالهما، لأنهما وكما باقي أطفال داعش "موصومتين بالعار" ومنبوذتين.

تقول سارة للاندبندنت: "أريد أن تأتي خالاتي من كركوك لرؤيتي، وإعادتي معهن إلى المنزل، هذا هو حلمي".

عمل شاق

تؤكد آمال عبدالله، نائب مدير "ملجأ أيتام الزهور"، أن العاملين في الملجأ يقومون بعمل شاق جدًا، موضحة أنهم يعملون مع 33 طفلًا، من بينهم 24 فتاة، أصغرهن عمرها عدة أشهر.

علاوة على ذلك، يضم الملجأ عددًا من أبناء مقاتلي داعش الأجانب، والذين تم التحفظ عليهم من أجل حمايتهم، ومنعًا من تعرضهم للخطر.

تُشير الصحيفة إلى أن كافة أطفال "أيتام الزهور" يُعانون من صدمة نفسية كبيرة، ويحتاجون إلى رعاية طبية متخصصة، في الوقت الذي يُعاني الملجأ نقصًا حادًا في الموظفين والتمويل.

والصيف الماضي، حصل الملجأ على أول تمويل من الحكومة التي خصّصت ما يقارب من مليون دولار لمساعدة 10 مراكز مختلفة معنيّة برعاية ضحايا الحرب، بينهم مركز لمساعدة مبتوري الأطراف البالغين.

يقول غزوان محمد، مدير ملجأ الأيتام، إن هذه الدعم لا يكفي ولا يمكنهم الاعتماد على التبرعات المحلية فحسب.

وتابع: "نحتاج بشدة إلى الدعم، خاصة وأننا نتعامل مع حالات خاصة تحتاج إلى الكثير من الموارد، والكثير من المال. نحتاج إلى الدعم حتى نتمكن من مواصلة عملنا، ومنح هؤلاء الأطفال حياة أفضل".

حالة يُرثى لها

يصل الأطفال إلى الملجأ في حالة يُرثى لها، بالإضافة إلى الإصابات الجسدية التي يعانون منها، فأغلبهم تعرض بالفعل إلى عمليات غسيل دماغ، بحسب غزوان.

وعلى مدار الأعوام الماضية، تُشير الاندبندنت إلى تجنيد داعش لالآف الأطفال في صفوفها، وإجبارهم على القتال في كثير من الأحيان، والمشاركة في عمليات الإعدام التي تجري على مرأى ومسمع من الجميع في الشوارع والطرقات.

وقال أهالي الموصل للاندنبدنت إن "التنظيم الجهادي استهدف الأطفال والشباب بحملات دعائية في جميع أنحاء المدينة، من خلال تشغيل أشرطة فيديو تجعل عمليات الذبح، والمعارك الدامية تبدو مذهلة.

يقوم فريق دار الأيتام، الذي يضم أطباء نفسيين ومراقبين لمتابعة أحوال الأطفال الجدد، بمساعدة الأيتام الصغار من خلال برنامج دعم وتأهيل نفسي، واكتشفوا أنهم يعانون من عدة مشاكل، مثل التبول في الفراش، والعنف، والغضب الشديد، والأرق.

تقول عبدالله: "بعضهم عنيف وعدواني للغاية، يرفضون حضور الدروس، ولا يريدون تناول الطعام".

وتوضح أن الأطفال الذين تعرضوا لعملية غسيل دماغ يرفضون المشاركة في الحفلات، أو الألعاب التي ينظمها الملجأ، لأنهم يعتقدون أن ذلك حرام وممنوع.

وتتابع: "معالجتهم من هذه الأضرار عمل شاق للغاية".

أصعب الحالات

تحديد هوية الأطفال وأُسرهم حمل قدرًا من الصعوبة؛ لاسيّما وأنه يتم جلبهم بشكل عشوائي، مع توافر معلومات قليلة عن خلفياتهم. وجرى العثور على معظمهم مهجورين أو تائهين في أنحاء الموصل على يد الشرطة العراقية أو السكان المحليين الذين أوصلوهم إلى مُخيّمات النازحين.

وطلبت دار الأيتام عدم تصوير أيٍ من الأطفال، خشية أن يتم التعرّف عليهم كأقارب لداعشيين، ومن ثمّ يتعرّضون لنبذ المجتمع.

كما طلبت تغيير أسماء الأطفال وعدم إجبارهم على الخوض في تفاصيل من شأنها أن تجعلهم يستعيدوا ذكريات مؤلِمة، بحسب الصحيفة.

تُشير الصحيفة إلى أن أصعب الحالات كانت الأطفال الرُضّع الذي وُلِدوا في الفترة التي كان داعش يحكم قبضته على الموصل، لأنه لا يسمح بإصدار بطاقات هويّة، لذا فإن إجراءات تحديد الهويّة لهؤلاء اليتامى كانت بمثابة "كابوس" - على حدّ تعبيرها.

وفي حالات أخرى، انفصل الأطفال عن والدبهم أثناء رحلة فرارهم من الموصل، بما في ذلك فتاة تبلغ الآن من العمر 5 أعوام، فقدت أقاربها في أحد مُخيّمات النازحين وزعمت عائلتان- إحداهما يزيدية والأخرى عربية- أنها طفلتهما.

في حالة كهذه، يقول عبدالله للاندبندبنت "ينبغي على دار الأيتام أن تُرسل اختبارات الحمص النووي إلى بغداد لمحاولة التعرف على الآباء الحقيقيين للطفلة".

ويُضيف "إنه أمر غاية في الصعوبة. هناك الكثير من المفقودين. أخذت هذه الأسرة اليزيدية تتنقّل من دار أيتام إلى أخرى بحثًا عن طفلتهم المفقودة".

صدمات نفسية

وفي الوقت ذاته، تقول الصحيفة إن مزيج الخلفيات يعني أن هناك خليطًا من الأطفال ممن انضم آباؤهم إلى صفوف داعش، فيما قُتِل آباء البعض الآخر على يد عناصر التنظيم الإرهابي.

الأمر الذي يُحدِث توترًا بين الأطفال الذين يُعانون صدمات نفسية عند قدومهم إلى دار الأيتام، وتحديدًا بين هؤلاء الأكبر سنًا الذين رُبما أصبحوا متطرفين بالفعل وغالبًا ما يكونوا عدوانيين.

من داخل حُجرة تدريس زاهية ملوّنة، تجمع في تفاصيلها بين الفنون والحِرف اليدوية، تقول نجلاء علي، إحدى المعلمات :"إننا لا نفصلهم عن بقية الأطفال. نحاول أن نكسر الحاجز النفسي بين أولئك المُستهدفين من جانب داعش وغيرهم ممن كان آباؤهم يعملون مع داعش".

وأضافت "نضعهم في مكان حيث لا يُسمح لهم بالحديث عن خلفيات آبائهم. ليس ذنبهم- إنهم إطفال".

تحدّثت السيدات بينما كان مُحرّرو الاندبندنت يتجهون بينما صوب "الحضّانة"، حيث يتم الاعتناء بـ 11 رضيعًا داخل أسرّة خشبية مُبطّنة الجدران. وكان من بينهم الطفل حامد، "الحالة الأسوأ على الإطلاق" في تاريخ الدار، وفق الصحيفة.

عُثِر على حامد العام الماضي، بينما لم يتجاوز الـ8 أشهر، تحت ركام بنايات مُنهارة على طول خط الجبهة؛ إذ تركته عناصر داعش كـ"درع بشري" خلف حاجز من المتفجرات لمنع القوات العراقية من دخول إحدى الأحياء.

يقول عبدالله "أدركت القوات العراقية أنها لا تستطيع الوصول إليه: لقد كان فخًا. اضطروا إلى تركه تحت الأنقاض على خط الجبهة. وعندما عادوا في اليوم التالي وجدوا كلبًا يحاول تمزيقه وأكل ذراعه".

في نهاية الأمر، تم إنقاذ الطفل، الذي كُتِبت له النجاة، لكن تم بتر ذراعه. وجلبته السلطات إلى دار الأيتام، حيث مثّل "إحدى قصص النجاح النادرة" للدار.

يُضيف عبدالله بفخر "وجدنا عائلة تبنّته الشهر الماضي".

حالة أخرى لطفلة لم يُحالفها الحظ اسمها إيمان، عمرها 12 شهرًا فقط، انتشلت من تحت أكوام من الخرسانة والحجارة الصيف الماضي، بينما لم يتجاوز عمرها شهرًا.

لا أحد يعلم إذا كان والداها من مُقاتلي داعش أو مدنيين أبرياء مُحاصرين في مرمى النيران.

مشاكل صحية

تُعاني إيمان مشاكل في العظام وعمودها الفقري مُتقوّس. ما إن ترى دُعامة الظهر التي يُحضرها الفريق الطبي حتى تبدأ في الصراخ من سريرها. "تبكي لأنها تعلم أنها ستؤلمها، لكنها ضرورية"، يقول عبدالله.

بالنسبة لسارة وليلي، تبدو فُرص التبنّي ضعيفة أيضًا؛ فهما متعلقتان بالمعلمات اللائي يعاملنهما كما والدتيهما. ويتحدّثان بحماس عن الحرف اليدوية التي يمارسونها في المدرسة.

يقول صلاح حسين علي، باحث اجتماعي يحاول ربط الأطفال بعائلاتهم: "جاءت عائلة ليلى هنا مرة واحدة فقط لرؤيتها والاطمئنان عليها. وسألناها: لماذا لا تأخذيها معكِ؟ لا مُستقبل للطفلة في دار الأيتام".

وتابع "لكنهم قالوا إن الناس في القرية لن يتقبّلوها لأن والدها كان مُقاتلًا وحشيًا من داعش وقتل الكثير من الأشخاص. فطرحت عليهم سؤالًا: لماذا يجب أن تُعاقب الطفلة على ذنب لم تقترفه؟ ولم يُجِب أحد".

ويبذل العاملون في دار الأيتام قصارى جهدهم لتخليص الأطفال من من أحداث ماضيهم المؤلمة ومحو كلمة "داعش" من أذهانهم. غير أن ليلى تحدّثت عن ذكريات قديمة وذكرت أنها "تخاف من صوت الطائرات بسبب الغارات الجوية والقصف. وتقول إنها تريد أن تكون معلمة مثل النساء اللواتي يعتنين بها".

فيما تحدّثت سارة عن رغبتها في أن تُصبح طبيبة، قائلة "رأيت العديد من الجرحى، كانوا يتألمون".

وأضافت بينما كانت تُحرّك قدميها ذهابًا وإيابًا على الكرسي "أريد أن أصبح طبيبة لعلاجهم".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان