درعا.. حكاية مدينة أشعلت فتيل الثورة السورية
كتبت- هدى الشيمي:
انتقلت حمى الاحتجاجات إلى سوريا، بعد قيام ثورة الياسمين في تونس التي انتهت برحيل الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، ثم تنحي الرئيس المصري السابق حسني مبارك من منصبه، فخرج مجموعة من الشباب والمراهقين في مدينة درعا الحدودية السورية، وكتبوا على جدران المدارس والمباني "جاييك الدور يا دكتور" (حان دورك يا دكتور)، في إشارة منهم إلى رئيسهم بشار الأسد.
ويقول أحمد مصري، أحد سكان درعا 39 عامًا، إنه عاش خلال فترتي حكم بشار الأسد ووالده حافظ، ولم يتغير أي شيء، بل بالعكس ارتفعت معدلات البطالة، وتدنى مستوى المعيشة، ولا يزال المواطنون يخشون الحديث عن السياسة أو التطرق إلى أي أمر يخص الرئيس أو أحد العاملين بالحكومة.
علم مصري، الذي سافر إلى الأردن بعد اندلاع الحرب ومن هناك انتقل إلى الولايات المتحدة، في وقت مبكر من حياته، إنه لا يجدر به التحدث عن رئيس بلاده أمام الأغراب، وإذا فعل ذلك، فعليه استخدام اسم مستعار لا يفهمونه.
ويقول مصري، لـ سي إن إن، إن مواطنيه أخبروه بأنه ممكن أن يتكلم عن الله، ولكنه لا يمكن أن يتكلم بطريقة مُسيئة أو تحمل أي وجه من الانتقادات عن الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، والد الرئيس الحالي بشار الأسد.
وأوضح أن كل قرية وكل مدينة سورية لديها اسم مستعار يتم استخدامه عند الحديث عن الرئيس، إذا كان حولهم شخص لا يعرفونه، وأطلقوا عليه اسم "عبدالغادر" في مدينته درعا.
وذكرت (سي إن إن) أن درعا، التي كانت بلدة حدودية هادئة، أصبحت في نهاية المطاف مدينة مُدمرة تعاني الحصار والجوع، وارتبط اسمها ارتباطاً وثيقًا بالحرب السورية.
"عودة الأمل"
وقال مصري، لـ سي إن إن، إنه عندما توفي حافظ الأسد عام 2000، أصيب السوريون بالدهشة، ولم يستطيعوا استيعاب الموقف، أو يصدقوا أنه مثل أي شخص يمكن أن يموت وتنتهي حياته.
وبحسب سي إن إن، فإن وفاة حافظ الأسد الذي حكم سوريا بقبضة حديدية قرابة 30 عامًا، أعادت الأمل إلى السوريين الذين نظروا إلى ابنه بشار، الذي تولى الحكم بعد موته مباشرة بعد أن قضى أغلب حياته في العاصمة البريطانية لندن، على أنه الشخص الذي سيعيد بلادهم إلى دائرة الضوء مرة أخرى بعد أن كانت معزولة عن العالم طوال فترة حكم والده.
ولفتت الشبكة الأمريكية إلى أن درعا، كانت تعتمد بشكل أساسي على الزراعة، وعاش سكانها بشكل جيد بما يكفي، رغم تضييق حاكمها الخناق عليهم، وتصديه لأي جهود يبذلها رجال الأعمال المستقلون، ومنعه إقامة مشروعات صغيرة مستقلة.
وأصبحت درعا، بحسب سي إن إن، مركز اندلاع الثورة السورية، بعد إلقاء قوات الأمن القبض على 15 مراهقاً على الأقل بعد رسمهم لـ"جرافيتي" على جدران المدارس، يُسيء للرئيس السوري، فانتقل الغضب إلى باقي المدن والمحافظات وانطلقت الثورة السورية في مارس 2011، وما لبثت حتى تحولت إلى حرب أهلية.
"مرحلة جديدة"
في البداية، بدا أن بشار الأسد يسعى إلى تحقيق تطلعات السوريين، ويقول مصري إن التغييرات حصلت بالفعل، ولكنها كانت تحدث ببطء.
ويقول مصري إنهم كانوا يشاهدون الهواتف المحمولة في المسلسلات والأفلام فقط، واعتقدوا أنها شيء خرافي وغير حقيقي، وبعد سنة واحدة من تولي الأسد الحكم وصلت الهواتف المحمولة إلى البلاد.
وأشارت سي إن إن إلى أن الهواتف المحمولة في سوريا، وقتذاك كانت غالية الثمن، وكانت عائلة بشار الأسد هي المسيطرة على شركتي الخطوط المحمولة، وكان لابن عمه رامي مخلوف، والمعروف عنه أنه أغنى رجل في سوريا، أحد المسؤولين عن الشركتين.
ويعد مخلوف من أقرب الشخصيات إلى بشار الأسد وأحد معاونيه المخلصين، وقال في حوار أجرته معه صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عام 2011 إن النظام السوري سيظل يحارب بلا رحمة حتى النهاية. وتابع: "يجب أن يعلموا أننا إذا عانينا، فلن نُعاني بمفردنا".
وكان عام 2008، بداية مرحلة جديدة من القمع في درعا، مع تولي عاطف نجيب رئاسة الأمن السياسي في المدينة، وهو من أحد أقرباء بشار الأسد، وعمل منذ البداية على إظهار جانبه القاسي للمواطنين، فسن قوانين جديدة وحاول السيطرة على كل شيء.
وقال مصري إن نجيب لم يحاول فقط السيطرة على المكان، بل على المواطنين أيضاً، فسن قوانين جديدة كأنه الرئيس، من بينها القوانين التي صعبت على المواطنين بيع أراضيهم، بحجة أن درعا قريبة من إسرائيل، وفي الوقت ذاته أرسل وكلاء عنه لشراء الأرض بنصف الثمن، ومن يرفض كان يلاقي عقاباً شديداً.
وفي عام 2011، كان عاطف نجيب واحداً من بين المسؤولين السوريين الذين فرضت عليهم إدارة أوباما عقوبات بسبب أفعالهم وانتهاكاتهم في الثورة السورية.
وفي 25 أبريل 2011، دخلت الدبابات النظامية إلى المدينة، ويسترجع مصري الأحداث التي شهدتها درعا ذلك الوقت، قائلا: "كان يوم الاثنين حوالي الساعة الخامسة أو السادسة صباحًا، وحاصرنا النظام من كل الجهات، فأغلقوا شبكات الإنترنت، والقنوات التليفزيونية، وحاصروا المدينة".
يُشار إلى أن النظام السوري فرض حصار على درعا، في مايو 2011، ومنع الدخول والخروج منها، وقطع الكهرباء والهواتف المحمولة والأرضية، والماء ومنع دخول الدواء والمساعدات الإنسانية، كما قامت القوات بحملة اعتقالات واسعة، وخصص النظام قوات لتفتيش المنازل، واعتقال الرجال، والمراهقين، وكتبوا قوائم ضمت أسماء الأشخاص المعروفين بالعمل الثوري والنشاط الحقوقي.
وبحسب سكان درعا، فإن من ألقي في الحبس، بعد انطلاق الثورة، لاقى عذابًا شديدًا، من ضرب مبرح وجلد، وتعذيب بالكهرباء، ونزعت أظافرهم، واستمر الأمر أسابيع.
وبحسب ما كتبته عليا مالك، في كتابها "الوطن الذي كان بلدنا"، فإن الأهالي كانوا يذهبون إلى نجيب ويتوسلون إليه للإفراج عن أبنائهم، ولكنه كان يرفض ويقول لهم "عليكم أن تنسوهم تماماً".
"حلم يتلاشى"
والآن انقسمت درعا إلى قسمين، ما بين القوات الحكومية التي تحكم الشمال، وقوات المعارضة التي تسيطر على الجنوب.
وقال بعض قوات المعارضة لوكالة رويترز الإخبارية، الأسبوع الماضي، إن قوات النظام انتهكت الهدنة واتفاق وقف إطلاق النار، وشنت غارات على بعض الأجزاء في درعا.
ويؤكد أن سكان درعا الآن، ومن ضمنهم عائلته، أنهكتهم الحرب، ولا يستطيعون الصمود أكثر من ذلك، فلا يجدون طعاماً أو ماء نظيفة، كما أنهم يعانون من القصف المتواصل من قبل داعش، والإيرانيين، والقوات الروسية.
وبعد سبع سنوات من الحرب السورية، يقول مصري إن السوريين، خاصة من يعيشون في درعا، أصبحوا مقتنعين بأن الحرية ما هي إلا حلم، تلاشى تماماً مع مرور الوقت.
فيديو قد يعجبك: