"إدلب" على شفا "كارثة".. هل ينقذ المجتمع الدولي المدنيين؟
كتبت – إيمان محمود
يترقب 2.5 مليون سوري بينهم مليون نازح بقلق كبير الهجوم العسكري المحتمل للجيش السوري على مدينة إدلب وضواحيها، والذي سيكون آخر أكبر هجوم في الحرب السورية الدائرة منذ عام 2011، وسط تحضيرات أممية بأن الهجوم يمكن أن يتسبب في تهجير 800 ألف شخص، وفقا لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية.
وتحاول أمريكا العمل مع روسيا من أجل وقف الهجوم من خلال التفاوض على اتفاقيات مع الجماعات المُسلحة في إدلب الواقعة شمالي سوريا، لكن المفاوضات التي سُميت بـ"الفرصة الأخيرة" لم تنجح إلى الآن.
كما تجري روسيا مفاوضات مستقلة مع قادة الميليشيات لنفس الغرض مع شريكها التركي، دون الوصول أيضًا إلى أي نتيجة.
وتعتبر إدلب المعقل الرئيسي الأخير للمعارضة المُسلحة والميليشيات التي تقاتل قوات الرئيس بشار الأسد في سوريا، فبعد سنوات من تقدم الأسد بدعم عسكري من إيران وروسيا، كانت إدلب الملجأ الذي يفر إليه المعارضون.
ويعود ذلك جزئيا إلى اتفاقية وقف إطلاق النار التي وقعتها الحكومة السورية مع الفصائل في جنوب سوريا وحلب وحماة ومدن أخرى، إذ سُمح لهم بالانتقال إلى إدلب بأسلحتهم، ولذلك أصبحت منطقة مُحصّنة، تتقاسمها الفصائل.
ووافقت بعض الفصائل على التفاوض مع روسيا، وتمت دعوة البعض للاندماج في الجيش السوري، لكن آخرين رفضوا الدخول في أي محادثات.
وقال محلل الشؤون العربية لدى صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، تسفي برئيل، إن جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة والتي تُعتبر منظمة إرهابية من قبل جميع الأطراف المعنية، هي في الواقع واحدة من الميليشيات الراغبة في التفاوض، ولكن ما لم توافق جميع الميليشيات، فإن الهجوم العنيف ضد المدينة ربما يكون حتميًا.
وأضاف برئيل –في تحليل نشرته الصحيفة صباح اليوم- أن الجدول الزمني للمفاوضات الدبلوماسية لا يترك الكثير من الوقت، ففي أوائل سبتمبر، من المقرر أن يجتمع مسؤولون روس وإيرانيون وأتراك للاستعداد لعقد اجتماع مع ممثلي المعارضة والحكومة السورية.
وفي 14 سبتمبر، يجتمع مسؤولون من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والسعودية والأردن ومصر وأمريكا في جنيف تحت رعاية الأمم المتحدة لمناقشة الدستور السوري المستقبلي.
وأعلنت اليساندرا فيلوتشي المتحدثة باسم المقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف، الثلاثاء، أن المبعوث الأممي الخاص لسوريا سوف يدعو مصر وفرنسا وألمانيا والسعودية والأردن والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية لمشاورات في جنيف في 14 سبتمبر المقبل حول الأزمة السورية.
ويرى المحلل الإسرائيلي، أنه من الصعب أن يُنتج الاجتماع الأخير أي نتائج عملية، لأن روسيا والحكومة السورية والفصائل سيكونون جميعهم غائبين، قائلاً إن الهدف من هذا الاجتماع هو فقط إظهار نوع من المشاركة الدولية وتقديم بديل لتحركات روسيا.
السؤال الرئيسي –بحب الكاتب- هو" هل سيسبق الهجوم على إدلب هذه الاجتماعات أم لا؟"، لكن الرئيس السوري بشار الأسد لا ينتظر، فقواته تتقدم في إدلب، وكانت زيارة وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي إلى دمشق هذا الأسبوع تهدف في جزء منها إلى تنسيق العملية العسكرية هناك.
وقال برئيل، إن إسرائيل والغرب أعربا عن غضبهما بسبب الإعلان بأن إيران وسوريا قد وقّعتا اتفاقًا يعيد بموجبه الأول بناء جيشه، لكن وفقًا للملحق العسكري الإيراني في دمشق، أبو القاسم النجاد، في المرحلة الأولى، فإن ذلك سيؤدي فقط إلى تطهير حقول الألغام وعرض لبناء مصانع أسلحة في سوريا.
وأضاف أن تصريح حاتمي حول إعادة بناء الجيش السوري يجب أن يؤخذ بعين الشكّ، وذلك بسبب التكلفة المرتفعة، والتي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، في حين أن إيران تعاني من أزمة اقتصادية عميقة، ستواجه صعوبات في تحمل هذه التكاليف وحدها.
وأشار إلى أن سوريا تدين بالفعل لإيران بنحو 6 مليارات دولار على القروض التي قدمتها إيران، كما أن تورط إيران العسكري في كلاً من سوريا واليمن كلفها نحو 16 مليار دولار أخرى.
وتساءل الكاتب عمّن سيقود الوحدات المختلطة في الجيش المُزعم تكوينه من إيرانيين وسوريين، كما تساءل "هل ستوافق قيادة سوريا العليا على إنشاء وحدات إيرانية منفصلة تتلقى الأوامر من القادة الإيرانيين؟".
علاوة على ذلك، اقترحت روسيا دمج أي فصائل مُعارضة توافق على أن تكون جزءا من الجيش السوري، وهم بالتأكيد لن يوافقوا على الخدمة في الجيش إلى جانب الوحدات الإيرانية.
وهكذا يبدو أن إعلان حاتمي كان يهدف في الأساس إلى التعبير عن عزم إيران على البقاء في سوريا والقتال من أجل الحصول على مركز قوة مؤثر في سوريا ما بعد الحرب، لكن على هذه الجبهة، تواجه إيران معركة قاسية ضد روسيا من جهة وأمريكا وإسرائيل من جهة أخرى، بحسب الكاتب.
وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون مؤخرًا إن روسيا عرضت إعادة نشر القوات الإيرانية إذا سحبت أمريكا قواتها من سوريا، في حين طلب مستشار الأمن القومي الروسي من بولتون تقديم خريطة توضح فيها أمريكا استعدادها للسماح للقوات الإيرانية بالبقاء في سوريا، لكنه رفض هذا العرض، مؤكدًا إصرار واشنطن على مغادرة جميع القوات الإيرانية.
ردًا على ذلك، أصدرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، بيانًا شديد اللهجة تقول فيه إن جميع القوات الأمريكية يجب أن تغادر سوريا قبل أن تطلب واشنطن من القوات الأخرى المغادرة، وطالبت بمعرفة سبب نشر القوات الأمريكية في سوريا على الإطلاق ومن سمح لها بدخول البلاد.
كما اتهم المسؤولون الروس أمريكا بإيواء الآلاف من مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي وغيرهم من الميليشيات المسلحة، في المنطقة التي تسيطر عليها الولايات المتحدة حول معبر تنف الحدودي.
وقال برئيل، في الوقت الحالي، لا يبدو أن تحذيرات إسرائيل بأنها ستواصل اتخاذ إجراءات ضد القوات الإيرانية في سوريا قد أثارت إعجاب روسيا، لكن استعداد موسكو لمقايضة الانسحاب الإيراني من أجل الانسحاب الأمريكي يظهر أن إيران لا تستطيع الاعتماد بشكل كامل على روسيا.
وأضاف أن حوار روسيا الدبلوماسي مع واشنطن، يشير إلى أنها تستخدم إيران كورقة مساومة، كما أنها تستفيد من اعتماد إيران عليها باعتبارها واحدة من الدول الوحيدة التي ترفض الامتثال للعقوبات الأمريكية على إيران.
أما بالنسبة لسكان إدلب السورية؛ فالاعتبارات الدولية والألعاب الاستراتيجية التي تشغل كل من قوى العالم ودول المنطقة لا تهمهم، فحتى قبل أن يبدأ الهجوم العسكري على المدينة، هم يعيشون تحت حكم الإرهاب من قبل المليشيات، التي تقوم باختطاف واعتقال وقتل المدنيين المشتبه في "تعاونهم مع النظام" أو تحريض داعش.
استمع سكان إدلب إلى وعد الأسد "بتصفية الإرهاب في إدلب" ووعد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، في اجتماع مع نظيره السعودي، لتطهيرها، وهم يعلمون أن القوات المهاجمة والقنابل الانتحارية لن تكون قادرة على التمييز بين الإرهابيين والمدنيين الأبرياء، وفقا للصحيفة.
أما تركيا -التي أقامت العديد من النقاط الاستيطانية في إدلب للوفاء بمسؤوليتها عن الإشراف على تنفيذ اتفاق التهدئة- فلن تستطيع توفير الحماية للمدنيين، وليس هناك أي قوة دولية أخرى يمكن أن تمنع المجزرة المتوقعة. وبالتالي بالنسبة لبعض هؤلاء السكان، فإن أي حل دبلوماسي سوف يأتي متأخرًا.
فيديو قد يعجبك: