أحدهم اشتهر بـ "منديله الأحمر".. بطولات منسية لمدنيين أنقذوا ضحايا 11 سبتمبر
كتب - هشام عبد الخالق:
في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، وقع أسوأ هجوم إرهابي تشهده الولايات المتحدة في تاريخها، عندما اختطف مسلحون أربع طائرات وحطموا ثلاث منها في برجي التجارة العالميين والجزء الغربي لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، وأدى هذا الحادث لمقتل ما يقرب من 3000 شخص وإصابة ضعف هذا العدد.
في هذا اليوم، عمل آلاف من البشر (مسعفين ورجال شرطة وإطفاء وغيرهم) للمساعدة في عمليات إجلاء المباني، ويوجد بعض الأشخاص الذين تخطوا قدراتهم لينقذوا أناسًا لا يعرفوهم ونجحوا في احتواء الكارثة حتى لا تصبح أكبر، ورصد موقع "بيزنس إنسايدر" جزءًا بسيطًا من هؤلاء الأشخاص:
الملثم
ويليس كرثر، عمل تاجر أوراق مالية يبلغ من العمر 24 عامًا، اتصل بوالدته يوم الحادث وأخبرها بنجاته، وذلك بعد أن اصطدمت الطائرة بالبرج الجنوبي لمركز التجارة العالمي.
وعلى الرغم من أنه يعمل في الطابق الـ 104، إلا أنه هبط للطابق الثامن والسبعين، وساعد موظفي المكتب المصابين وسط الدخان والفوضى والحطام، مخاطرًا بحياته في هذه العملية. وعلى الرغم من أن الضباب كان كثيفًا، إلا أن أولئك الذين أنقذهم تذكروا شخصًا طويلاً ملثم بمنديل أحمر، وضعه على أنفه ليحمي نفسه من الدخان.
بعد أن وصل كرثر إلى الطابق الثامن والسبعين، أخبر الناجين أن يتجهوا للسلالم وحثهم على مساعدة الآخرين، في الوقت الذي حمل فيه سيدة مصابة على ظهره، وهبط بها 15 طابقًا على السلم، ومن ثم صعد مرة أخرى إلى أعلى لينقذ آخرين، وقالت إحدى الناجيات لينج يونج لشبكة سي إن إن: "كان كرثر ملاكي الحارس، لأننا بدونه كنا سننتظر في مكاننا حتى انهيار المبنى".
عُثر على جثمان كرثر فيما بعد مع عدد من الإطفائيين في طرقة أحد السلالم ويبدو أنه كان في طريقه لأعلى.
أبطال الرحلة 93
بحلول 9:28 صباح يوم الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، تمكن أربعة إرهابيين من اختطاف طائرة الركاب التي كانت تحمل الرحلة رقم 93، وطعن الطيار وأحد المضيفين أثناء الرحلة، فيما أُخبر الركاب بأن قنبلة على الطائرة وأنها في طريقها للعودة إلى المطار مجددًا، إلا أن كثير منهم استطاع تخمين ما وقعوا فيه من أحداث بعد تواصلهم هاتفيًا مع أقاربهم وانتشار أخبار الهجوم على برجي التجارة.
توم بيرنت، أحد المسافرين على متن الرحلة، علم من زوجته دينا، أن إرهابيين اختطفوا طائرات لاستهداف أهداف داخل البلاد، وكان من ضمن الأهداف برجي التجارة العالميين، ثم علم في مكالمة أخرى أن طائرة ثالثة استهدفت جزء من البنتاجون.
خطط بيرنت مع ثلاثة رجال آخرين وباقي الركاب لمحاربة المختطفين في محاولة لاستعادة السيطرة على الطائرة التي كان يستقلها، وكانت آخر كلمات أحد الرجال: "هل أنتم جاهزون؟"، ومن ثم سجل الصندوق الأسود الخاص بقمرة القيادة أصوات اشتباكات وتحطم نوافذ وغيرها، قبل أن تفقد الطائرة توازنها على ارتفاع أكثر من 30 ألف قدم.
وبدلاً من أن تصل الطائرة إلى هدفها -الذي يعتقد أنه كان البيت الأبيض أو مبنى الكونجرس- تحطمت في حقل فارغ بولاية بنسلفانيا، وقُتل جميع الركاب البالغ عددهم 44 شخصًا.
المارينز المتقاعدون
كان جيسون توماس البالغ من العمر - حينئذٍ - 27 عامًا في رحلة مع ابنته إلى والدته في مدينة لونج آيلاند عندما سمع أنباء اصطدام طائرتين بمركز التجارة العالمي، عندئذ ارتدى زي المارينز الذي كان يحمله معه في سيارته - على الرغم من خروجه من الخدمة منذ أكثر من عام - وأسرع في اتجاه مدينة مانهاتن، وقال فيما بعد لوكالة أسوشيتدبرس: "كان شخص ما يحتاج إليّ، لم يهم من هو، ولكنني تلقيت تدريبًا في المارينز وكل ما كنت أفكر فيه هو أن مدينتي تحتاج للمساعدة".
وفي نفس الوقت تقريبًا، كان يعمل ديف كارنيس، في مكتبه بولاية كونيتيكت، عندما رأى الأحداث على شاشة التلفاز، حينئذ أخبر مديره أنه لن يعود وقال لزملائه "نحن في حرب"، ومن ثم ارتدى زي المارينز وقادة سيارته إلى نيويورك على الفور.
عندما وصل الرجلان إلى المبنى - الذي كان قد تحول إلى غبار - شرعا على الفور في البحث عن ناجين، وتسلقا الأحجار والصخور والغبار ونادوا قائلين: "مارينز الولايات المتحدة هنا.. إذا كنتم تسمعوننا أجيبوا".
وعلى الرغم من مرور فترة من الوقت دون استجابة للنداء، لم يُحبط الرجلان واستمرا في محاولتهما إلى أن سمعا صوتًا ينادي عليهما، وكان لضابطين بشرطة المباني التابعين لنيويورك، طلبا منهما ألا يتركاهما، وكانا محتجزين على عمق 20 قدمًا - ما يقرب من 6 أمتار - تحت السطح، واستغرق الأمر ما يقرب من 3 ساعات من عمال الإنقاذ لرفع الحطام حتى الوصول لأول ضابط منهما.
مضيفتا الرحلة 11
اُختطفت الرحلة رقم 11 على متن الخطوط الجوية الأمريكية بعد إقلاعها بـ 15 دقيقة من مطار بوسطن، وقد غيرت اتجاهها من لوس أنجلوس إلى نيويورك، بأمر خمسة إرهابيين من تنظيم القاعدة، كان قائدهم محمد عطا في غرفة التحكم، بعد أن طعن العديد من المضيفين والركاب، وتم دفع الباقين نحو مؤخرة الطائرة.
استطاعت مضيفتا الطائرة بيتي أونج، وآمي سويني، باستخدام الهواتف الخاصة بالطاقم، إيصال معلومات لزملائهم في مركز التحكم الأرضي بما يحدث داخل الطائرة، واستطاعت إيضاح أن بعض أفراد الطاقم قُتلوا وأن المختطفين استطاعوا الوصول لقمرة القيادة والسيطرة عليها، وأدلت بمعلومات عن المختطفين وأرقام المقاعد التي كانوا عليها وأشكالهم، وقامت زميلتها آمي سويني بنفس الشيئ والتي أخبرت مدير خدمة الخطوط الجوية الأمريكية مايكل وودوارد بأرقام المقاعد التي جلس عليها المختطفون، وأنهم ينحدرون من أصول شرق أوسطية وأحدهم كان يتحدث الإنجليزية بشكل جيد للغاية.
استطاعت شركة الخطوط الجوية الأمريكية الحصول على أسماء وعناوين وجميع المعلومات الأخرى المتعلقة بالمختطفين الخمسة، وذلك بفضل المضيفتين الشجاعتين طبقًا لما ذكرته شبكة ABC فيما بعد، وساعدت تلك المعلومات مكتب التحقيقات الفيدرالي في التحقيق بعدئذٍ.
مُنقذ المئات
ريك ريسكورلا، الستيني صاحب وسام النجمة الفضية لبطولاته أثناء عمله بالجيش الأمريكي، كان رئيسًا للأمن في شركة "مورجان ستانلي"، واعتاد الغناء أثناء عمله في المبنى الجنوبي لمركز التجارة العالمي، وعندما اصطدمت الطائرة بالبرج الأول المجاور لبرجه، أخبرته الشرطة بضرورة أن يبقي موظفيه بمكاتبهم، ولكنه قال طبقًا لمكالمة أجراها مع صديق مقرب منه: "كل شيئ سينهار قريبًا.. سأخرج الجميع من هنا".
وكان ريسكورلا يجري تدريبات على الإخلاء لموظفيه لعدة سنوات، وبفضل ذلك استطاع إخلاء أكثر من 2700 موظف خارج المبنى قبل أن تصدمه الطائرة الثانية وذلك في 16 دقيقة فقط، وكان يغني أثناء خروج الجميع من المبنى.
خلال عملية الإخلاء، اتصل ريسكورلا بزوجته وقال لها، بحسب مجلة "نيويوركر": "لا تبكِ، لا بد أن أخرج هؤلاء الناس إلى بر الأمان، وإذا ما حدث شيء لي أود منكِ أن تعرفي أنني لم أكن سعيدًا أكثر من الوقت الذي قضيته معكِ، لقد جعلتي حياة سعيدة".
كانت آخر مرة تم فيها رؤية ريسكورلا وهو في الطابق العاشر من البرج الجنوبي لمركز التجارة العالمي، وكان يصعد السلم بحثًا عن أي شخص متبقي في المبنى، ولم يتم العثور على جثمانه قط، ولكن تم اعتباره متوفيًا.
فيديو قد يعجبك: