وجوه على أسرة الطوارئ.. هؤلاء ركاب قطار البحيرة: طلاب وموظفون وفلاحون
كتبت – مها صلاح الدين ونانيس البيلي:
تصوير - حازم جودة وكريم احمد:
انتهى جدول الحصص مبكرا بالأمس، خرج تلاميذ المدرسة الثانوية في كوم حمادة في مرح نحو محطة القطار في طريقهم اليومي للعودة، كان تامر ورفاقه من بينهم، وأمام شباك التذاكر، أخرجوا من جيوبهم آخر جنيه ونصف لكل منهم، كان هذا كل ما يملكوه بعد أن أنفقوا مصروفهم بالكامل ودفعوه ثمنا لتذكرة قطار المناشي المنكوب.
وفي رحلة معتادة مدتها ثلث ساعة في "الإكس" - كما يطلق عليه أهالي البحيرة - ظل تامر ورفاقه يتبادلون العبارات المازحة والدعابة، بين المكايدة تارة والسباب تارة أخرى، وقبل 5 دقائق فقط من الوصول، تبدلت ضحكات الصبية لصراخ وسكوت، بعدما اصطدم القطار السريع الذي لا يتوقف في محطة "أبو خاو" بقطار بضائع كان يستعد للتوقف في المحطة، وانقلب الموقف رأسا على عقب.
تامر ورفاقه لم يكونوا وحدهم، ففي العربة الأخيرة من القطار، كان يجلس "الحاج حسين" في المقعد الموازي، متكئا على النافذة، يحاول يخفف بيده الموضوعة على جبينه حدة أشعة الشمس، التي كانت أكثر صراحة على عكس الأيام الأخيرة في محافظات الوجه البحري.
كان السائق الذي يسير في عقده السادس، عائدا من عمله في الجمرك، نحو مركز بدر بالقرب من كوم حمادة، وبعد أن تحرك القطار بثلث ساعة، قطع صوت اصطدام القطار شرود حسين، ومن بعدها لم يشعر بشيء، حتى وجد نفسه على أحد أسرة مستشفى دمنهور التعليمي، يعاني من كسور متفرقة في جسده، ورشح في رئتيه.
وبينما كان يجلس رضا مهموما على أحد مقاعد العربة قبل الأخيرة من القطار، يتذكر عمه الفقيد الذي ترك يوم عمله كمدرب في نادي الإنتاج الحربي، كي يقدم فيه واجب العزاء، انتفض بعدما سمع صوت انفجار في القطار، لم يكن يعلم ماذا حدث، ولم تمهله وتيرة الأحداث المتسارعة أن يفهم، "محسيتش بنفسي غير والناس بتشيلنا في العربيات.. وبعد ساعات ربنا كرمنا وجابونا هنا".
استفاق أخيرا، الشاب الرياضي الذي يسير في عقده الثالث ليجد نفسه طريح الفراش في مستشفى دمنهور العام، مصابا بكسر في عموده الفقري وساقه، ووجه ملطخا بالدم الذي جف بعد ساعات في قسم الطواري، في انتظار طبيب متخصص ينظر في أمره.
وفي السرير المقابل، رغم الألم، لم تغب الابتسامة عن وجه محمد، الذي كان في نفس عمر رفيق الغرفة سالف الذكر، يقول مندوب المبيعات المستلقي على ظهره بصوت مبحوح أنه كان عائدا من عمله في كوم حمادة، وفجأة اهتز القطار وتفككت الثلاث عربات الأخيرة منه، ومن بعدها لم يعد يتذكر شيء.
وجد نفسه بعد الحادث بساعات على سرير في مشفى، تتناثر الكدمات في جسده، ووجه محدد برباط، يعيقه أحيانا من الحديث.
بجوار باب الغرفة نفسها، كان يستلقي "رفعت موسى" على جانبه الأيمن في جلبابه الفلاحي الفضفاض، ولحيته المطلقة، كان قد انتهى أخيرا من إعداد أوراق تسوية معاشه المبكر، وفي طريقه نحو القاهرة من كوم حمادة، "الحمد لله إلللي حصل حصل"، سقط الرجل الذي أتم عقده الخامس من القطار، وانكسر ذراعه وساقه الأيسر، كاد الرجل أن يفقد وعيه، ولكن طول الطريق نحو المستشفى كان أقسى من كل الوجع.
"إحنا تعبنا في الطريق أكتر ما تعبنا من الحادثة نفسها"، يقول رفت بصوت متهدج، وهو يحكي عن الطريق نحو مستشفى اليوم الواحد، التي تبعد 60 كيلومترا عن موقع الحادث، والتي لم تكن على أتم استعداد لاستقبال المصابين، فاضطرت الإسعاف لنقلهم إلى مستشفى دمنهور التعليمي، التي تبتعد عن هناك أكتر من 150 كيلومتر، قضاهم رفعت بين الإغماء والوعي، حتى شغل مكانه أخيرا على أسرة الطوارئ.
فيديو قد يعجبك: