"كل ما هو مستعمل".. سوق منطي "عتبة" الغلابة
كتبت وتصوير-شروق غنيم:
اشتعال حريق داخل مصنع نسيج، غير دفة حياة ياسر مصطفى، التهمت النيران وظيفته "وبقيت في الشارع"، أكل الخوف قلبه، كيف يصرف على ثلاثة أطفال؟ أتاه الحل، جمّع كل ما هو قديم في منزله، ذهب إلى سوق الأغراض المستعملة، باعه بمبلغ يُرضي جيبه، لكن وجوده في المكان فتّح عينيه على هذا العالم، فلم يخرج منه.
عشرون عامًا قضاها مصطفى داخل أسواق الهدد، اندمج سريعًا في المجال، تشرّب سر الصنعة "الأسواق دي مبيعتبهاش غير الغلابة فلازم أحّس بيهم"، بدأ الرجل الأربعيني بالأثاث المنزلي المُستعمل "بقيت ألّف واسأل لو حد عاوز يبيع"، يشتريهم ثم يُقيّم حالتها، ما يحتاج إلى تجديد أو لمسات بسيطة تجعله يبدو في حالة جيدة.
صالون، بوابات قديمة، شبابيك، بلكونات، كل ما هو "خلع ومستعمل" هو كل ما في جعبته؛ تجوّل في أسواق مختلفة، افترش ما معه على الأرض، نادي على سلعته حتى يأتيه الرزق، لكن قبل خمسة أعوام استقر في سوق منطي بشبرا الخيمة "عشان قريب من بيتي ومبيكلفنيش نقل البضاعة".
حال سوق الأحد في منطقة منطي مختلفة؛ شارع طويل فيه سلع مختلفة، ألوان زاهية للملابس، أدوات منزلية، سِجاد، وحتى الأطعمة. كل شيء جديد و"بكيسه" كما يُنادي الباعة، لكن هذا الشارع يُفضي إلى نقيضه تمامًا، ثمة انكسار لحالة البريق حين تصل إلى آخر المكان حيث سوق الأغراض المستعملة.
داخل السوق أخذت تلّف أم محمد، هائمة هي واثنان من أبنائها أمام البضائع المفروشة، حتى وجدت على أطراف المكان غايتها، صالون من طُراز قديم، يبدو عليه حُسن الحال، لكن شكله لم يكن ما أتى بالسيدة الأربعينية إلى هُنا.
قبل فترة طويلة اضطرت أم محمد لبيع صالون منزلها "كنا مزنوقين في قرشين فبعته"، باتت إحدى حُجرات منزلها بدون أثاث، فارغة تشي بحال المنزل "وضعنا المادي ضيق حبتين"، لكنها صبرت هي وأبناؤها الخمسة "بس دلوقتي بنتي هتتخطب ولازم استقبل العريس وأهله في حتة كويسة".
سوق الأحد أول وجهة للسيدة الأربعينية "مفكرتش حتى أنزل أسأل على جديد عشان عارفة إني مش قده"، راوغت البائع في سعره حتى خفضه مائتي جنيه، انفرجت أساريرها حين أصبح ثمن الصالون مُطابقًا لما دبرته "400 جنيه وشايلة 100 جنيه على جنب عشان العربية اللي هتنقله للبيت".
يعلم مصطفى أن كل من يأتي إلى هذا المكان "مش بِكيفه"، مضطر للبحث في منطقة ضيقة تتزاحم بها البضائع، يُقلّب بإمعان حتى يجد ضالته، يُناقش في السعر حتى وإن كان بسيطًا مقارنة بشراء السلعة جديدة "السعر مبيكونش قليل، يمكن ميجيش حق مصنعية الخشب، بس الناس هي اللي مبقاش معاها".
قبل بدء السوق بثلاثة أيام، يأتي مسعد رجب إلى المكان، يحاول أن يضمن مكانًا له ولبضاعته، يفترشها لكن لا أحد يمر باهتمام سوى يوم الأحد، موعد السوق الأسبوعي المُنتظر "بنام جمب فرشتي هنا عشان متتسرقش أو يحصلها حاجة".
يبيع رجب أدوات العمل المستعملة، مفتاح، مفك "أي صنايعي بيعدي بييجي يشتري رغم إنه مستعمل"، يحكي أن ثقتهم في جودة الخامة رغم قِدمها تجذبهم لبضاعته، أو حتى لقِلة ثمنها "اللي بيعدي عتبة السوق هنا بيبقى عاوز حاجة مخفضة".
رغم ذلك فإن حركة البيع داخل السوق قلّت كثيرًا كما يحكي رجب، رغم أن الغلاء يضطر الناس إلى شراء المستعمل بسبب سعره "لكن مبقاش حد يبيع الحاجات القديمة اللي عنده، كله بيصلحها عشان مش هيقدر يشتري جديد.. السوق دي كانت بتبقى مليانة بضاعة وعمر ما حالها بيبقى مهوّي كدة".
منذ عام 1995 واشتغل رجب في ذاك المجال، بدأها في سوق عرابي بمنطقة شبرا الخيمة، بعدها تنقّل على أسواق مختلفة "حصلت حريقة والحكومة بعدها نقلتنا لسوق أم بيومي وبعد 7 سنين نقلتنا هنا".
من أجل طرد حالة ركود البيع، فتح صاحب الخمسة وأربعين عامًا ورشة صغيرة "أصلح كوريك أو أي حاجة"، بات يسافر كل يوم اثنين إلى سوق طنطا "رغم الإعاقة اللي في رجلي"، خرج ابنه من التعليم وساعده في العمل، لكن كل ذلك لم يسعفه في زيادة الدخل "زي ما بيقولوا سبع صنايع والبخت ضايع".
تابع باقي موضوعات الملف:
20 عاماً من سوق التونسي.. خردة وأنتيكات و"أثاث استعمال خفيف"
المضطر يشتغل في "الهدد".. حكاية بائعين في سوق المنيب
30 عامًا من "اللّف" في الأسواق.. أحمد خليل "غاوي شرا القديم"
من الصعيد للقاهرة.. يونس يتتبع هوايته في أسواق المستعمل
أحلامهم أوامر رغم الفقر.. رحلات كريمة في سوق الهدد "لاجل العيال"
فيديو قد يعجبك: