30 عامًا من "اللّف" في الأسواق.. أحمد خليل "غاوي شرا القديم"
كتبت-شروق غنيم:
بات عُرفًا داخل الأسرة، أحمد خليل غير مُتاح يوم الجمعة؛ كل أسبوع يجددون السؤال عنه غير أن الإجابة معروفة مُسبقًا لهم "أكيد بيلّف في السوق يدور على أنتيكة جديدة".
أكثر من 30 عامًا مضت على أول مرة خطّت أقدام خليل أسواق بيع الأشياء القديمة، من وقتها ولم يعرف مسارًا غير ذلك، وقع في حُب اقتناء التفاصيل العتيقة، مقبض باب قديم، منضدة من الماضي، ملعقة تحمل زمنًا مختلفًا، جوابات ورسائل تخطى عمرها المائة عام.
حين كان لايزال الرجل الستيني طالبًا بالمرحلة الجامعية، ذهب لشراء احتياجاته من سوق الجمعة، غير أن عيناه وقعت على مدّق للباب على شكل كّف، لم يُفكر فيما كان مفيدًا بالنسبة له أم لا، أو حتى سوف يستخدمه، فقط وجد نفسه دون تردد يلتقطه من الأرض ويشتريه، كمنتصر في معركة، خرج خليل ذاك اليوم سعيدًا من المكان.
كّر المدّق مشتريات أخرى لخليل، يتجول في الأسواق بحثًا عن شئ يخطف قلبه، ويشتريه دون تردد "من زمان وأنا عندي هواية إني حتى أبص على العماير القديمة والطراز بتاعها"، كل ما هو قديم يأسره، إذ أنه بالنسبة للرجل الستيني، يحمل روحًا لزمن قد يكون فاته "وبقيت غاوي للأنتيكات بس مكنش عندي إمكانية مادية أروح جاليري"، فكانت الأسواق هي ملاذه.
قديمّا كان الأمر بالنسبة له "إدمان، مشوّار مهم زي الشغل مثلًا حتى لو مش هشتري لكن لازم أنزل وألّف وأتفرج حتى ولو على وشوش الناس اللي نازلة تجيب حاجة من هناك"، أسواق مختلفة طاف بها الرجل الستيني، قادته أقدامه لطُرق جديدة كانت سببًا في تنوّع ما يمتلكه في منزله.
بين سوق الجمعة في منطقة السيدة عائشة، منطقة رمسيس، البساتين، السيدة زينب وغيرها، وجد خليل نفسه هُناك، حتى ولو لم يكن منزله في احتياج مُلِح للشراء، فإن ما يعجبه يقتنيه "باب جديد، شباك، صينية، ترابيزة حتى لو لوحة قديمة"، يشتريهم ثم تأتي مهمة جديدة في إزالة الأتربة والصدأ منها.
كل جمعة تنتظر الأسرة عودة خليل وفي جعبته أنتيكة أو حكاية جديدة، غير أن حُبه للنزول إلى الأسواق تسلل إلى ابنته منة، يصطحبها معه، يتجولان سويًا، يناقشان ما يراه، يُفاصلان في السعر، ثم يشتريان سويًا "لكن غير كدة مفيش حد في البيت مهتم بالموضوع، بيشوفوا إنها كراكيب".
ذات مرة وجد خليل كوب قديم يحمل رسمًا للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، مُتراصًا في "النيش" بين باقي الأطقم والأكواب، غُصّة شعر بها الرجل الستيني "اتضايقت لإنها اتعاملت كإنها زي أي كوباية"، كذلك الجرائد أو الكتب القديمة "ليهم ملمس مختلف عندي".
قديمًا قبل غواية الشراء، كان لخليل هواية أخرى، أن يُخزّن ما تبقى من رائحة عائلته، احتفظ بصورة لجدته بينما تحمل والده وهو لايزال صغيرًا، جوابات كانت مُرسلة بين جده وجدته "كانت بتتكتب بحبر الكوبيا وعليها ختم غريب"، دعوة فرح والدته ووالده ترجع لعام 1953، جرائد قديمة يحكي المانشيت حدثًا جللًا في البلاد، أو كتب قديمة لها وقع مختلف في النفس.
كمن يحاول الحِفاظ على ما سيكون أنتيكة مستقبلًا "مبقيتش أرمي حاجة، بحتفظ بيها وبقول هسيبها لأحفادي، بكرة هيبصوا لها بنفس العين اللي بشوف بيها حاجة جدي وأبويا"، بين أشياء بسيطة مثل "ربع جنيه مخروم"، أو هاتف محمول قديم الطراز لكنه لازال يعمل.
منزل خليل يحكي عن جولاته في أسواق القديم، في أركان المكان تشهد أباجورة خشب على ذلك، الأرفف مُكدّسة بالكتب القديمة، على الحائط لوحة مُعلّقة، صينية نحاس ترتكز على ترابيزة، لكن تلك التفاصيل لا تأتي شيئًا أمام غرفة للرجل الستيني تحتضن الأشياء التي اشتراها أو ما يُعينه على إصلاحها، وكإنها متحف يضم "لّف" 30 عامًا على أسواق القديم.
تابع باقي موضوعات الملف:
20 عاماً من سوق التونسي.. خردة وأنتيكات و"أثاث استعمال خفيف"
المضطر يشتغل في "الهدد".. حكاية بائعين في سوق المنيب
من الصعيد للقاهرة.. يونس يتتبع هوايته في أسواق المستعمل
أحلامهم أوامر رغم الفقر.. رحلات كريمة في سوق الهدد "لاجل العيال"
فيديو قد يعجبك: