فنانون عن محمد فوزي: عقلية عبقرية.. ولهذا السبب لم يصل للعالمية
كتبت- منى الموجي وهدى الشيمي:
لم تختلف آراء أهل الفن ممن عاصروه عمن عرفوه عبر أعماله ومشروعاته الفنية،التي تعكس حقيقة فنان عاش مخلصًا لفنه، مؤمنًا بواجبه في الارتقاء بالصناعة نفسها، حتى تظل مصر رائدة الفنون في الدول العربية، فاتفق الجميع على أن الفنان محمد فوزي سابقًا لعصره، مبدعًا، مجددًا، بسيط حد التعقيد، صاحب عقلية تجارية عبقرية، قادر على الوصول إلى العالمية، أما إنسانيا فهو متواضع، خفيف الظل.
''مصراوي'' يستعرض آراء أهل الفن في ''الأسطورة'' محمد فوزي..
صاحب رؤية:
'' كان مبدع حقا، تحدى السائد، وإبداعه موجود إلى اليوم وهذا دليل على أن له رؤية''، هكذا تحدث الموسيقار حلمي بكر عن الفنان محمد فوزي، واعتبره يأتي إلى جانب الموسيقار محمد القصبجي في مقدمة الأشخاص الذين تسببوا في إحداث نقلة في الموسيقى المصرية، مؤكدًا أنهما كانا حديث الإبداع وسط الكلاسيكية الموجودة في ذلك الوقت، حيث بحثا عن التطوير.
وأضاف بكر في تصريح خاص لمصراوي ''كان الملحن محمد فوزي يطغى على صفته كمطرب''، موضحًا أن إبداعاته ظهرت مع كل الأصوات التي لحن لها، مثل نور الهدى وصباح وليلى مراد.
وأكد بكر أن أم كلثوم تمنت أن يلحن لها فوزي، لكن بسبب انشغاله بشركته وبتسديد الديون، أسند لحن ''أنساك'' لبليغ حمدي، بعد أن لحن المذهب، والذي ابقى عليه بليغ تيمنا بفوزي.
واختتم بكر حديثه مشيرا إلى أن فوزي لم يأخذ حقه، ''بلدنا بتفتكر ولادها لما بيبقوا عضم، في التربة''.
عقلية تجارية:
بالتأكيد على أن الحديث عن محمد فوزي يطول، بدأ الناقد الموسيقي الدكتور زين نصار، حديثه مع مصراوي، واصفا فوزي بأنه رجل فريد، مُجدد، أسلوبه سهل ممتنع في الغناء والتمثيل، وبأنه أحد العلامات البارزة في تاريخ الغناء العربي.
وأشار زين إلى ريادة فوزي لعدة مجالات، من بينها أغاني الأطفال، والأغاني بدون موسيقى مثل أغنية ''طمني''، بالإضافة للأفلام التي أنتجها ونجح فيها كونه ممثل بارع وتلقائي في كل تصرفاته.
تميز فوزي بعقلية تجارية من الطراز الأول، فبدأ في تأسيس عدة مشاريع فنية اقتصادية ناجحة، منها شركة إنتاج أفلام سينمائية، وأول مصنع في الشرق الأوسط لإنتاج الإسطوانات، حتى يوفر العملة الصعبة، بحسب زين، ويضيف متابعاً ''وفي نفس الوقت أطلق على شركته اسم مصر فون بدافع وطني، عكس آخرون يطلقون على ممتلكاتهم اسماءهم، فكون ثروته بفنه وعرق جبينه، لكن في مطلع الستينيات تم تأميم كل ممتلكاته والاستيلاء عليها مما أصابه بمرض غامض في ذلك الوقت احتار الأطباء في معرفته فأطلقوا عليه اسم مرض محمد فوزي''.
ووصف زين موقف فوزي مع الفنان بليغ حمدي بالموقف النبيل، فقد كان محبًا للفن ومُقدرا له حتى وأن صنعه غيره، مستطردا ''لم يدخل في صراع مع أحد فقد كان منهمك في عمله التجاري، بجانب عمله الفني، حريص على أن يتعلم ويزيد من ثقافته، مؤمنا بأن كل إنسان عمله يتكلم عنه في غيابه''.
وردا على اتهام البعض لمحمد فوزي بتكرار الألحان قال زين ''فوزي لم يقتبس، ولكن كان له طابع يميزه وهو أمر طبيعي، فكل كاتب على سبيل المثال له أسلوبه الخاص، ولا يمكن أن نتهمه بالتكرار، ومن يقولون عنه ذلك ينطبق عليهم المثل القائل مالقوش في الورد عيب قالوله يا أحمر الخدين''.
ويرى زين أن أغنية ''شحات الغرام'' التي قدمها فوزي مع ليلى مراد في فيلم ''ورد الغرام''، من أشهر الثنائيات التي عرفتها الموسيقى العربية، بعد الثنائي الذي قدمه الموسيقار محمد عبدالوهاب في أغنية ''طبيب عيون''.
وعن عدم تعاون فوزي مع غيره من المطربين، واقتصار معظم ألحانه على الأصوات النسائية وعلى صوته، يفسر زين الأمر بأنه كان أولى بألحانه إلى جانب انشغاله بأكثر من عمل، فهو يلحن لآخرين، ويفكر في ثنائيات فنية، كما أن اللقاء نصيب والدليل ما حدث مع أم كلثوم، وبالنسبة لعمره القصير، فقد ترك فوزي رصيدا فنيا كبيرا في الموسيقى والغناء والأعمال السينمائية.
خارج السرب:
استهل الناقد والباحث الموسيقي الدكتور أشرف عبدالرحمن حديثه مع مصراوي عن فوزي، مشيرا إلى أن ظهوره في الأربعينيات كان بلون جديد ومختلف عن السائد في ذلك الوقت، محلقًا خارج السرب وبعيدا عن منافسة غيره من المطربين والملحنين مثل عبدالوهاب والسنباطي وفريد الأطرش، فقد كان سابقا لعصره في الأغنية الخفيفة والسريعة.
وأضاف أشرف ''كملحن هو من المطورين في أسلوب التلحين للأغنية العربية، وكمطرب يجيد الآداء التطريبي ولكن فضّل أن يؤدي الأغاني الخفيفة، لأنه جديد ومختلف على الساحة الغنائية''، مستدلا على قدرة فوزي التطريبية بتأثره بنشأته الدينية في طنطا، وبما كان يستمع إليه في الموالد، فنجده في بعض الأغاني يتطرق لغناء جزء من موال، مثلما فعل في أغنية ''الشوق''، وفي أغنية ''ليا عشم وياك يا جميل'' تظهر إمكانيات فوزي وقدرته على تلحين الشكل التطريبي الذي يقدمه عبدالوهاب والسنباطي فهو قادر على المنافسة.
ويبرهن أشرف على حديثه بأن أم كلثوم كانت تحلم بالعمل مع فوزي، وهي التي سعت إليه، على عكس آخرين سعوا للعمل معها مثل فريد الأطرش، ويحلل عدم اكتمال هذا التعاون بأن فوزي يحب التفرد ولا يرغب في الدخول بمنافسة مع آخرين، ''يلعب في ملعب خاص به''.
ويرى أشرف أن الأفلام التي قدمها فوزي والتي وصل عددها لـ35 فيلما تقريبا، تعد من أعظم الأفلام في تاريخ السينما المصرية.
ويتفق أشرف مع من يعتبرون فوزي ظُلم، ولكنه يعود ليؤكد أن أعماله هي التي ستخلده وستؤكد وجوده على الساحة رغم الرحيل، ''فكون أن أغانيه مازالت حية بيننا لليوم يعد أعظم تكريم''.
شحات الموسيقى:
''بساطة وصلت إلى حد التعقيد''، هكذا كان رأي موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب في فوزي، ووجد أنه كان أجرأ من تعامل مع الموسيقى، مؤكدا أن بساطته وصلت حد التعقيد.
أعجب عبدالوهاب بقدرة محمد فوزي على خلق الألحان واستخراج النغمات من كل شيء حوله، فقال ''كان يتسول النغمات من كل دقائق الكون''.
مكسب استعراضي:
كان بإمكانه تحقيق الشهرة العالمية، إذا أمّد الله في عمره، بحسب رفيق كفاحه فريد الأطرش، الذي أكد في الكثير من الحوارات أن محمد فوزي كان مكسبا للفيلم الاستعراضي الغنائي، وحقق فيه تطورا ملحوظا.
خفيف الظل:
تعاونا معا في أربعة أعمال، أولهما ''العقل في أجازة''، ثم فيلم ''بنت باريس''، وفيلم ''ابن للإيجار''، وأخيرا ''ليلي بنت الشاطئ''.
تقول عنه ليلى فوزي إنه كان دائما خفيف الظل، غير متكبر على الوجوه الجديدة، بل كان مشجعا لها، متحملا لأخطائهم جميعا أمام الكاميرا، وتمتع بلياقة بدنية ساعدته على التألق في الاستعراضات.
التجديد:
أبهرت قدرة محمد فوزي على التجديد، الملحن سيد مكاوي، حيث كان مُجددا سابقا لجيله في الكثير من الأشياء، على الرغم من قلة دراسته الموسيقية مقارنة بالكثير من الشباب الملحنين في ذلك الوقت.
بالإضافة إلى ذلك، فأن خفة دم فوزي، التي لاحظها الجميع، سواء أصدقائه المُقربين أو جمهوره، كانت إحدى مميزاته، بحسب مكاوي.
روح حلوة:
وفي إحدى التصريحات السابقة للملحن محمد سلطان، قال إن محمد فوزي تركيبة فنان شامل، ومدرسة في الفن شديدة الجمال والتميز، تمكن بفكره وروحه الحلوة أن يسبق عصره.
فيديو قد يعجبك: