في الأوسكار.. طفل يهزم سجانه في "Room"- (ريفيو)
كتبت- منى الموجي:
حب، خوف، حنان، قسوة، عواطف نراها مضطربة إذا اجتمعت لدى شخص واحد، لكنها تصبح طبيعية عندما نتحدث عن الأمومة تلك العاطفة التي تصنع المعجزات، كل تلك المشاعر اجتمعت في "جوي" بطلة فيلم "Room- غرفة"، الأم المُغتصبة والتي حُرمت من أهلها بعد اختطافها من قِبل رجل لم يكشف الفيلم عن ملامح حياته، كل ما نراه هو رجل يأتيها كل يوم ليلا في وقت محدد مُحمل بما تحتاجه هي وابنها من مستلزمات.
على مدار سبع سنوات، عاشت "جوي"-تؤدي دورها باري لارسون- في غرفة من أربعة جدران لم تر عيناها غير ما تحويه هذه الغرفة من أثاث، ولم تر أي شخص غير رجل اختطفها وعمرها 17 عام، اغتصبها وحبسها في كوخ موصد بباب لا يُفتح سوى بشفرة يعرفها وحده، لتنجب بعد عامين من اختطافها ابنها "جاك" –أدى دوره جاكوب تريمبلاي-، تشغل نفسها بتعليمه كل ما تستطيع وما كان يجب أن يتعلمه لو كانت حياته تسير كأي طفل بصورة طبيعية، تنجح في ذلك وهو ما يعكس إيمانها بأن سجنهما سينتهي يوما، وأن عليها إعداد طفلها لعالمه الأكبر خارج الغرفة.
أحداث الفيلم تبدأ مع التتر، حيث يصاحبه أنفاس ولقطات غامضة تثير في نفس المشاهد حالة من الترقب، حتى يستيقظ جاك ويلقي بتحية الصباح على أصدقاءه: المصباح، النبات، التلفاز، حذاءه، فنعتقد في البداية أنها وسيلة للعب أو أنه مجرد طفل يردد اسماء الأشياء التي لا يزال يتعرف عليها، لكن نعرف بعد ذلك أنه حقا لا يعرف أصدقاء سوى هذه الأشياء الجامدة.
تبذل الأم مجهودا غير عادي لتحافظ على حيوية ابنها ولياقته حتى لا يفقد الحياة التي فقدتها الغرفة، تحاول إقناعه بوجود عالم آخر خارجها، يعيش فيه إناس يشبهونهما، وهو ما تعبر عنه البرامج والأعمال التي يراها على التلفاز، والتي كان يعتقد أنها خيال وسحر لا يمت للواقع بأي صلة، وتستغل الأم لحظة اكتشافه لفأر حقيقي غير الذي يراه في التلفاز وأفلام الكارتون، وتبدأ تعليم ابنها أن هناك عالم آخر غير الذي يعرفه، في هذه اللحظة نعرف انها بدأت تفكر في الخروج من هذا السجن، تصدمه كلمات أمه يشعر أنها تخدعه ومع تأكيدها أنه أصبح كبيرا بعد إتمامه عامه الخامس، نجده يتحدث ببراءة الأطفال عن أمنيته في العودة لعامه الرابع مجددا حتى لا يسمع هذا الكلام.
تحكي لـ"جاك" كيف كانت تعيش في منزل مع أمها ووالدها حتى جاء رجل لا تعرف اسمه واطلقت هي عليه "نيك"، خدعها ووضعها في هذه الغرفة التي لا تعرف كيف تخرج منها، (يائسة) تتمنى أن يكون طفلها عونا لها يفهمها، هو حمل ثقيل بلا شك على طفل يبلغ من العمر خمس سنوات فقط لكنها لا تملك خيار أخر، تأمل أن يهزم سجانها وسجانه، تتفق مع طفلها على الإدعاء أمام "زائر الليل" أنه مُصاب بالحمى ولا مفر من عرضه على الطبيب، وفي الوقت الذي سيتواجد في المشفى عليه أن يمنح الطبيب ورقة تطلب من خلالها جوي المساعدة لينقذونها، لكن لا تفلح خدعتها، حيث يرفض مُغتصبها طلبها ويذهب واعدا إياها بالعودة غدا ومعه مضادات حيوية أقوى.
تلجأ لخدعة أخرى علها تفلح هذه المرة، فتدعي أن جاك مات، ولقنته ما يجب أن يفعل عندما يأتي الغريب ويأخذ جثمانه للتخلص منها في الخارج، تنجح خطتها يأخذه "نيك" ويضعه في شاحنته، لأول مرة منذ ميلاده يخرج جاك من الغرفة تبهره السماء الشاسعة التي لم يعرف منها سوى مربع صغير كان يراه من كوة الكوخ، وهو من أجمل المشاهد التي جسدها جاك الذي يكتشف عالم جديد، لا تكتمل الخطة لنهايتها كما أرادت يعرف نيك بخدعتها وأثناء محاولته السيطرة على جاك يُخرج الطفل الورقة من جيبه ويفلت الطفل من بين يديه ويصرخ ساعدوني.
مشهد محاولة عناصر الشرطة الحصول على معلومات من الطفل للوصول إلى أهله، بدى وكأن صوتهم يأتي من عالم آخر غريب عن الطفل، أصبحنا ننتمي إلى عالم جاك، يلتقي بوالدته ويذهبا إلى المستشفى تبدأ مرحلة تأهيله للتأقلم مع عالم غريب عليه، لنكتشف العالم بعيونه البريئة.
حالة من عدم التوازن تعاني منها جوي، تتهم أمها بأنها استطاعت أن تعيش رغم اختفاءها القسري، والدليل أنها تعرفت على صديق جديد يعيشان معا بعد انفصالها عن زوجها الأول، وهو ما جسدته بطلة العمل "بري لارسون" بحرفية عالية، لتمر لحظات الفيلم بعد ذلك بطيئة مملة يقطعها تعرضها لحادث تُنقل على إثره إلى المستشفى.
القوة التي استمدها جاك من تربية جوي له، هي التي عجلت بعودتها للحياة لتتخطى كل الأزمات التي مرت بها، ففي أحد المشاهد يطلب الطفل من جدته أن تقص له شعره الطويل الذي لم يقصه منذ ولد –كان قد رفض قصه معتبرا أنه مصدر قوته-، لترسله إلى والدته، وعندما تستفسر الجدة عن سبب تغير رأيه، يقول لها "إنها تحتاج لمصدر قوتي أكثر مني".
الإضاءة في مشاهد الفيلم الأولى "قاتمة" عكست حالة الضيق التي تعيشها الأم، والغرفة "باهتة" يفتقد كل ما فيها إلى الروح، ونجح المخرج ليني ابراهامسون من خلال تنويع حجم اللقطات وزوايا الكاميرا في إبعاد شبح الملل عن المشاهد، رغم أن التصوير كان في مساحة محدودة جدا، مع خروجهما من الغرفة تتغير الإضاءة يأتي النهار فيعودان للحياة.
في مشهد رائع عاد الطفل وأمه إلى الغرفة، ولأول مرة سنرى الغرفة ضيقة إلى حد كبير، ربما كان عليهما العودة إليها مجددا ليودعا سنوات من عمرهما بكل ما فيها من ألم، يودع الطفل بطريقتة المعهودة كل ما بقي في الغرفة باسمه، ويطلب من أمه أن تودعها فتتمتم بشفايفها دون صوت "bye room"، ويخرجان من الغرفة في نفس الوقت الذي يتساقط فيه الجليد الأبيض ليزيح معاناتهما، كرمز يؤكد ميلادهما من جديد.
"Room" مرشح لأربعة جوائز أوسكار، هي: أفضل ممثلة رئيسية بري لارسون، أفضل إخراج ليني ابراهامسون، أفضل عمل فني مُقتبس، فالعمل مأخوذ عن رواية للكاتبة إيما دونغهو، والتي كتبتها عن حادثة وقعت بالفعل، وأخيرا جائزة أفضل فيلم.
فيديو قد يعجبك: