لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بيكاردي .. أرض السحر والمغامرات

09:01 م الجمعة 05 يونيو 2015

(د ب أ):

تجتذب منطقة بيكاردي الفرنسية السياح من جميع أنحاء العالم بفضل ما تزخر به من طبيعة ساحرة وأجواء مغامرة مثيرة، حيث يتمكن السياح في هذه المنطقة الواقعة بين العاصمة الفرنسية باريس والحدود البلجيكية، من الاستمتاع بركوب الزوارق البولينيزية أو معايشة تجارب مثيرة مع أبطال المسلسل التاريخي «ميرلين».

 وتزخر هذه المنطقة بالعديد من الأبراج التي يكتنفها الكثير من القصص والحكايات الغريبة، منها على الأقل عشرة أبراج صغيرة تزين قلعة بيرفوند المحاطة بسور ضخم. وهذه القصص ليست ضرباً من الخيال ولكن الكثير منها حدث بالفعل على أرض الواقع.

 ومن ضمن هذه الحكايات أن الكاردينال مازارين قام باختطاف المستشار القوي للملك لويس الرابع عشر في هذه القلعة، إلا أن هذه القصة وردت في كتابات ألكسندر دوماس، حيث يحكي في روايته «الفرسان الثلاثة» أن الشاب الجريء «دي أرتاجانان» جاء على صهوة جواده عبر منطقة نانتوي لو أودوان وكريبي إلى قلعة بيرفوند.

بيرفوند .. القلعة والقصر

واليوم تنطلق السيارات على الطريق السريع A1 من باريس في مدة أقل من ساعة حتى تصل إلى منطقة كومبين، حيث تظهر أسوار القلعة من الخارج بعد قطع مسافة 10 كيلومترات تقريباً على طريق زراعي. وتلفت القلعة أنظار السياح إليها بفضل ارتفاعها إلى عنان السماء بشكل خيالي ومثير للغاية. 

ويعتبر قصر بيرفوند من أروع القصور والمزارات السياحية في منطقة بيكاردي، التي لا تنال حظها من الشهرة على خريطة السياحة الفرنسية. ولا ترجع كل أجزاء القصر والأسوار إلى القرن الثاني عشر الميلادي، حيث قام لويس نابليون بونابرت خلال عام 1850 بإعادة بناء وترميم هذا القصر الذي عاني من ويلات الزمن والحروب التي مرت على فرنسا. 

ولكن عملية إعادة البناء والترميم للقصر لم تتم بشكل مطابق تماماً لما كان عليه في العصور الوسطى، حيث قام الإمبراطور الفرنسي بتصميم القصر، الذي كان من المخطط أن يصبح مسكنه الخاص، على غرار قصر نويشفانشتاين الأسطوري في منطقة ألغاو الألمانية. وتشاء الأقدار ألا يعيش نابليون بونابرت في هذا القصر الفاخر، حيث تمت الإطاحة به من على عرش فرنسا قبل أن ينتقل للإقامة في هذا القصر المكون من 132 غرفة.

وإلى جانب السياح من جميع أنحاء العالم، يجتذب هذا القصر الأثري حالياً مجموعة خاصة من الزوار؛ وهم الملك آرثر واجتماع فرسان المائدة المستديرة ولكن بدون أشباح، حيث تستغل هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) قلعة بيرفوند وشرفات المراقبة بها وأسقفها العالية كموقع لتصوير المسلسل التاريخي «ميرلين». وهذا المسلسل مأخوذ من قصة الملك آرثر، ويحكي قصة الساحر ميرلين وعلاقته بالملك آرثر عندما كان أميراً والعقبات التي تخطياها سوياً، حتى وصلا إلى ما هما عليه من شهرة تاريخية.

أكواخ أعلى الأشجار

وهناك رحلة أخرى تتيح للسياح الاستمتاع بمعايشة تجارب مثيرة للغاية حتى بدون عصا ميرلين السحرية، وتتمثل هذه الجولة السياحية في الانطلاق للمبيت في أكواخ الشجرة، والتي تختبىء في الغابة على مسافة 8 كيلومترات فقط. 

وترحب أجاتا فيليمينوت بالسياح القادمين وتوضح مدى الاهتمام بجوانب السلامة والأمان، بقولها :"لم يختفٍ أحد في الغابة من قبل". وقد قامت هذه السيدة التي تبلغ من العمر 47 ربيعاً، بافتتاح عش الشجرة «Nid dans l'arbre» قبل أربع سنوات بالتعاون مع كريستوف، أحد زملاء الدراسة السابقين. ويضم هذا المكان 11 كابينة مشيدة على الأشجار، التي تتيح للسياح فرصة الاستمتاع بالطبيعة الخضراء الساحرة.

وبعد أن صعد السياح إلى أكواخ المبيت المشيدة على الأشجار، تم سحب الحقائب والأمتعة إلى أعلى بواسطة حبل. وبعد هذا اليوم الحافل بالمشاهد المثيرة، بدءاً من زيارة قصر بيرفوند ومقابلة أبطال مسلسل «ميرلين» والخروج في رحلة في أحضان الطبيعة الخضراء وسط الغابة، جاء المساء ليستمتع السياح بوجبة عشاء تشتمل على العديد من الأطعمة المحلية. 

ولكن المطبخ الموجود بهذه الأكواخ المقامة فوق قمم الأشجار لا يشتمل على كهرباء أو غاز، لذلك فإنه يتم تقديم فطائر حلوى ونقانق من إنتاج موريس بيغو، الذي يعتبر واحداً من أفضل الجزارين في المنطقة.

ولكن هل ينعم المرء بهدوء تام في هذه الأكواخ الخشبية المقامة فوق قمم الأشجار، بعيداً عن صخب المدينة المزدحمة والأعباء اليومية؟. للأسف يظل الضجيج مصاحباً للسياح حتى في هذه الأكواخ التي ترتفع لمسافة سبعة أمتار تقريباً فوق سطح الأرض، لكن هذه الضوضاء من نوع آخر، حيث دائماً ما تصدر العوارض الخشبية أصوات صرير في كل مكان. فضلاً عن نقرات ثمار الجوز المتساقطة على السقف الخشبي، هذا إلى جانب خشخشة أغصان الأشجار وأوراقها عند مداعبة الرياح لها.

ونظراً لأن هذه الأكواخ معلقة على الأشجار فلا يمكن للمرء أن يتخيل القيام بفتح الباب والمشي عدة خطوات أمام الباب، وقبيل منتصف الليل بدأت الأفكار المتعلقة بالأشباح والأساطير تتسرب إلى ذهن السياح، إلى أن غلبهم النوم على وقع صوت رقيق صادر عن تحريك الرياح لأوراق الأشجار. 

كاتدرائية لاون

وفي صباح اليوم التالي توجه السياح إلى مدينة لاون التي تعود بجذورها إلى العصور الوسطى، وقد وصف الأديب الفرنسي الشهير فيكتور هوجو هذه المدينة الساحرة في أحد خطاباته إلى زوجته أديل بقوله :"يطغى الجمال على كل شيء في مدينة لاون، على الكنائس والمنازل والبيئة المحيطة بها". وتقع هذه المدينة القديمة على هضبة مستوية السطح، وتهيمن الكاتدرائية بهذه المدينة على كل أرجاء المشهد، نظراً لأن هذه الكاتدرائية تُعد واحدة من روائع الفن القوطي في فرنسا. 

ونظراً لأن هذه الكاتدرائية مشيدة على ارتفاع 100 متر فوق صخور الحجر الجيري، فإنها تبدو ظاهرة للعيان من مسافة بعيدة. ومَن يتجول في طرقات المدينة المرصوفة بالأحجار ويكون لدية الجرأة لدخول حاراتها الضيقة المتعرجة، ويعبر جسورها العتيقة، فبكل تأكيد سوف يشارك فيكتور هوجو في إعجابه بهذه المدينة البديعة. 

وتتيح أسوار المدينة الضخمة، التي كانت تحمي ماضيها المجيد، للسياح فرصة الاستمتاع بإطلالة رائعة على هذه المدينة العتيقة من منظور عين الطائر، عندما يصعد السائح درجات برج الكاتدرائية البالغ عددها 209 درجة، والذي يرنو إلى السماء بارتفاع 60 متراً، ومن خلال الانطلاق في رحلة جوية على متن طائرة روبن ذات محرك واحد DR400-160 التابعة لنادي الطيران بمدينة لاون.

ويوحي مظهر الطيار أرنولد بثقة بالغة عند الانطلاق في هذه النزهة الجوية؛ حيث ينظر إلى السياح بعيون مفتوحة وترتسم على وجه ابتسامة دافئة، ويخطو على الأرض بثقة وبأكتاف مفرودة. ويقول الطيار :"في بعض الأحيان تظهر بعض المطبات الهوائية، لكنها تختفي بسرعة في بئر النسيان". 

كما لا يلتفت السياح أثناء الرحلة الجوية أيضاً إلى الضغط في المعدة أو خفقان القلب بسرعة بالغة؛ نظراً لروعة وجمال منظر المدينة التي تظهر تحت أقدام السياح، في حين تتبدى غابة سان جوبان الخضراء أمام السياح. 

قوارب البولينيز

وبعد الاستمتاع بهذه الرحلة الجوية في سماء مدينة لاون توجه السياح إلى بحيرة باي دي لا سوم، والتي ارتفع تصنيفها خلال عام 2001 لتصل إلى نفس مستوى بحيرة فينيسيا، وفقاً لتصنيف نادي أجمل خلجان العالم، وتقع هذه البحيرة على حافة بحر المانش، وتبعد لمسافة ساعة واحدة بالسيارة عن صخب المدينة وضجيجها في عاصمة الفن والثقافة العالمية باريس. 

وعندما يصل السائح إلى هذه البحيرة يُخيل له أن انتقل إلى شمال السويد. وتكثر هنا القوارب البولينيزية الطويلة، والتي تتحرك في خفة ورشاقة بين الضفاف الرملية للبحيرة، كما يظهر في هذا المشهد البديع العديد من الطيور المائية لتشارك السياح استمتاعهم بهذه الطبيعة الساحرة. 

وأوضح يان جولي، من نادي قوارب الكاياك بمدينة سانت فاليري سور سوم، قائلاً :"تتناسب القوارب البولينيزية بشكل مثالي مع المياه الضحلة"، وهو ما جعل قرية الصيادين ذات الطبيعة الخلابة المنتجع المفضل لسكان باريس، حتى خلال القرن التاسع عشر، من أجل الاستمتاع بالهدوء والاسترخاء.

ويشتهر خليج سوم بأنه يشهد حركات مد وجزر قوية، وفي حالة انحسار الماء يمكن للسياح التنزه على الشاطئ سيراً على الأقدام حتى منطقة لا كروتوي، والتي تقع على مسافة 12 كيلومتر على الجانب المقابل للخليج. ويمتاز خليج سوم بشيء آخر، حيث يجتمع عنده الماء العذب مع الماء المالح، وهو ما يشكل بيئة فريدة من نوعها للأحياء البحرية. 

وللأسف لم يشاهد السياح في هذا اليوم أياً من كلاب البحر، التي عادت لتستوطن هذه المنطقة منذ منتصف عقد الثمانينيات من القرن الماضي، وعادة ما تسبح هذه الحيوانات عندما يصل المد إلى نهر السوم.

جنة الطيور

واختتم السياح هذه الجولة الرائعة في منطقة بيكاردي عندما وصلوا إلى المحطة الأخيرة في بارك دو ماركوينتير، الذي يعد بحق جنة للطيور في خليج السوم، وتوفر هذه الحديقة للسياح مناظير مقربة وتجهيزات المراقبة لمتابعة الطيور. ويسأل أحد السياح قائلاً :"أليس هذا طائر اللقلق الأبيض؟"، وهنا يجيبه عالم الطيور فيليب كاروليته بقوله :"طيور اللقلق الأبيض لا تأتي إلا خلال الربيع"، وهو الأمر الذي يمثل دافع جوهري لزيارة منطقة بيكاردي مرة أخرى.

يمكنك متابعة أهم وأحدث المقالات على الفيس بوك عبر صفحة مصراوى - هو وهي 

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان