ما حكم عمل المرأة وكيلاً للنيابة الإدارية؟
أنا حاصلة على ليسانس الحقوق، وعُينتُ معيدةً بكلية الحقوق، ثم عينت وكيلًا للنيابة الإدارية، وطبيعة عملي أني أحقق مع الموظفين العموميين رجالًا ونساءً ومعي سكرتير أو سكرتيرة تحقيق، وأحيانًا أقوم بعرض القضايا على رؤسائي في العمل، وأحيانًا يكون الرئيس من الرجال وتكون المناقشة في موضوع القضية فقط؛ حيث إنني ألتزم بالحدود الشرعية، ويكون باب الحجرة في بعض الأحيان مغلقًا مع السماح بالدخول لأي أحد في أي وقت، فما حكم الشرع فيما يأتي:
أولًا: طبيعة عملي كوكيل للنيابة الإدارية.
ثانيًا: في طريقة العمل على النحو سالف البيان.
ثالثًا: رشحت لتولي منصب القضاء فرفضت ذلك.
تجيب لجنة الفتوى بدار الافتاء المصرية:
ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات إلا ما تقتضيه الطبيعة الخاصة لكل منهما؛ فهو قد أعطى المرأة حقوقها كاملة، وأعلى قدرها ورفع شأنها، وجعل لها ذمة مالية مستقلة، واعتبر تصرفاتها نافذة في حقوقها المشروعة، ومنحها الحق في مباشرة جميع الحقوق المدنية ما دامت تتناسب مع طبيعتها التي خلقها الله عليها.
وإذا كانت الحقوق السياسية بمفهومها الشائع تعني حق الانتخاب والترشيح وتولي الوظائف العامة فإن مبادئ الشريعة لا تمانع في أن تتولى المرأة هذه الأمور ما عدا وظيفة رئيس الدولة فإنه لا يجوز للمرأة أن تكون رئيسًا للدولة؛ لأن من سلطاته إمامة المسلمين في الصلاة شرعًا وهي لا تكون إلا للرجال.
وعلى ذلك فيجوز للمرأة أن تعمل وكيلًا للنيابة الإدارية ما دامت أهلًا لذلك طالما أنها تستطيع التوفيق بين العمل في هذه الوظيفة وبين حق زوجها وأولادها وأصحاب الحقوق عليها إن وُجِدُوا، وطالما كان ذلك في إطار أحكام الإسلام الأخلاقية بعيدًا عن السفور والتبرج والخلوة غير الشرعية؛ فعملها هذا يكون من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والسعي في إقرار النظام العام، والأخذ على يد الفساد والمفسدين.
وأصل هذا الحق داخل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي شرعه الله في حق الرجال والنساء على السواء؛ في حدود ما تقتضيه الطبيعة الخاصة لكل منهما، وذلك في نحو قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ}.. [التوبة : 71]، وكذلك في التواصي بالحق والتواصي بالصبر الذي جعله الله تعالى مانعًا للإنسان من الخسران في قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.. [العصر: 1-3].
وكانت المرأة المسلمة تشارك الرجال في الحياة الاجتماعية العامة مع التزامها بلبسها الشرعي ومحافظتها على حدود الإسلام وآدابه؛ حتى إن من النساء الصحابيات من تولت الحسبة، ومن ذلك ما رواه الطبراني في "المعجم الكبير" بسندٍ رجالُه ثقات عن أبي بلج يحيى بن أبي سليم قال: "رأيت سمراء بنت نُهَيْك -وكانت قد أدركت النبي صلى الله عليه وآله وسلم- عليها درع غليظ وخمار غليظ بيدها سوط تؤدب الناس وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر".
وعلى ذلك فإنه يجوز للمرأة المشاركة في الحياة العامة اجتماعية كانت أو سياسية طالما كانت هذه المشاركة في حدود الآداب الشرعية ولم تؤد إلى إهمال في حقوق بيتها وأسرتها تصديقًا لقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}.. [التوبة : 71].
كما أن لها أن تتولى جميع المناصب الاجتماعية في الوزارات المختلفة طالما كانت هذه الوظائف تتفق مع طبيعتها واختارها ولي الأمر لذلك.
وبالنسبة لتوليها منصب القضاء فجمهور الفقهاء يشترط في القاضي الذكورة لقوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}.. [النساء : 34].
ويرى أبو حنيفة رضي الله عنه جواز تولي المرأة القضاء في غير الحدود؛ لأنه تصح شهادة المرأة في غير الحدود، والقضاء مبني على الشهادة وشروطه شروطها. وحُكِي عن ابن جرير الطبري أنه لا يشترط الذكورة في ولاية القضاء؛ لأن المرأة يجوز أن تكون مفتية فيجوز أن تكون قاضية، وبه نفتي.
وأما عن الأعمال التي قد تقتضي طبيعتُها وجود الرجل مع المرأة في مكان واحد فإنه لا مانع منها إذا أُمِنَت الريبة وانتفت الخلوة، وأما مجرد وجود الرجال مع النساء في مكان واحد فليس حرامًا في نفسه، بل المحرم هو أن ينفرد الرجل مع المرأة في مكان بحيث لا يمكن الدخول عليهما، قال الإمام ابن دقيق العيد في "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" في شرح قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ»: "مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ المَحَارِم وَعَامٌّ بِالنِّسْبَةِ إلى غَيْرِهِنّ، ولا بد مِن اعتبارِ أمرٍ آخَرَ، وهو أن يَكُونَ الدُّخُولُ مُقْتَضِيًا لِلْخَلْوَةِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَقْتَضِ ذَلِكَ فَلا يُمْتَنَعُ".
ثم إنه ليس كل انفرادٍ واختلاءٍ يُعَدُّ خلوةً محرمةً؛ فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أنَس بن مالك رضي الله عنه قال: «جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَخَلَا بِهَا، فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّكُنَّ لَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ»، وفي بعض الروايات: "فَخَلا بِهَا فِي بَعْض الطُّرُق أَوْ فِي بَعْض السِّكَك"، وبوَّب الإمام البخاري على ذلك بقوله: (باب مَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوَ الرَّجُلُ بِالمَرْأَةِ عِنْدَ النَّاسِ)، قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "وفيه أن مفاوضة المرأة الأجنبية سرًّا لا يقدح في الدين عند أمن الفتنة"، وقال الملا على القاري في "مرقاة المفاتيح": " وفيه تنبيه على أن الخلوة مع المرأة في زقاق ليس من باب الخلوة معها في بيت"، وضابط الخلوة المحرَّمة كما قال الشيخ الشَّبْرامَلِّسي الشافعي في حاشيته على "نهاية المحتاج": "اجتماعٌ لا تُؤمَن معه الرِّيبَة عادةً، بخلاف ما لو قُطِع بانتفائها عادةً فلا يُعدُّ خلوة" اهـ ومجرد إغلاق الباب إغلاقًا مِن شأنه أن يسمَح لأي أحد بفتحه والدخول في أي وقت لا يجعله من باب الخلوة المحرَّمة.
وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فعملك كوكيل للنيابة الإدارية حلال شرعًا، وما تقتضيه طبيعة العمل أحيانًا من إغلاق باب الحجرة مع السماح بالدخول لأي أحد في أي وقت ليس حرامًا ما دامت الريبة مأمونةً ولا يُعَدُّ ذلك من الخلوة المحرمة.
والله سبحانه وتعالى أعلم
فيديو قد يعجبك: