لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

هل يجوز شرعا تغيير الجنسية والجمع بين أكثر من جنسية؟

01:56 م الخميس 03 ديسمبر 2015

هل يجوز شرعا تغيير الجنسية والجمع بين أكثر من جنسي

يقوم بعض المسلمين بالتجنس بجنسية بلد غير مسلم، كدول أوربا وأمريكا، ونتيجة هذه الجنسية أن يصير محكوما من قبل رئيس وحكومة وقوانين غير إسلامية، فما حكم الإقدام على هذا العمل؟

تجيب لجنة الفتوى بدار الإفتاء المصرية:

الجيم والنون والسين تدل في اللغة على الضرب من الشيء، يقال: جنَّس الْأَشْيَاءَ شاكل بَين أفرادها ونسبها إِلَى أجناسها "تجنس" مُطَاوع جنسه "تجانسا" اتحدا فِي الْجِنْس ... "الجنسية" الصّفة الَّتِي تلْحق بالشخص من جِهَة انتسابه لشعب أَو أمة. وفِي القانون: علاقَة قانونية ترْبط فَردا معينا بدولة مُعينَة وَقد تكون أصيلة أَو مكتسبة.

والحكم في هذه المسألة ينبني على دافع الهجرة والتجنس، وكذلك على الوضع الحقيقي للدولة المهاجر إليها، فقد يكون إقدام الفرد على هذا الفعل فرضا عينيًّا مثل فرار المرء بدينه ولا يتحقق ذلك إلا في هذه الدولة أو مثلها.

وقد يكون السفر ويتبعه التجنس من أجل الحصول على شيء مباح مثل طلب الرزق، وقد يكون مستحبا أو واجبا كفائيًّا مثل الحصول على علوم يحتاج إليها المسلمون.

وهناك صور أخرى تأخذ حكمها من النظائر التي ذكرناها.

أما بخصوص التجنس بجنسية دولة يضيق عليه فيها في عقيدته كبعض الدول التي تنكر الدين إنكارًا تامًّا فلا يجوز التجنس بجنسيتها؛ إلا إذا أخذ الجنسية من أجل الحصول على جواز سفر منها، ثم يهاجر إلى دولة أخرى.

أما السفر إلى دولة فيها حرية التدين في الغالب ولا يكون لها تأثير على عقيدته وديانته فلا بأس في هذه الحالة بالتجنس، ويدور الأمر في هذه الحالة على الجواز أو الاستحباب أو الوجوب، بحسب الحالة كما تقدم، ويستمر الحكم ما لم تتغير الأحوال إلى ما يدعو إلى تغيره.

ولا يخفى أن الأصل هو الإقامة في بلد مسلم لأمن المرء على دينه وأهله وذريته، وإلا كره لغير حاجة إذ لا يخلو الأمر من حيث الواقع من خوف على دين المرء وذريته على الأقل.

ولكل مما سبق دليله، أما إن كان فرضا عينيًّا مثل فرار المرء بدينه ولا يتحقق هذا إلا في هذه الدولة أو مثلها، فدليله قول الله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.. [البقرة: 173]. فبينت الآية أن الضرورات تبيح المحظورات.

وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً* إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا* فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورا}.. [النساء: 97-99].

فبينت الآية أن المسلم كان مأمورا بالهجرة إلى المدينة؛ ليتمكن من إقامة دينه، ولنصرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإذا كانت الهجرة إلى المدينة لم تعد واجبة؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا هجرة بعد الفتح)) [أخرجه البخاري]، فبقي حكم من لا يستطيع إقامة دينه إلا بالهجرة على أصله، وهو الوجوب، قال البيضاوي في تفسيره: "وفي الآية دليل على وجوب الهجرة من موضع لا يتمكن الرجل فيه من إقامة دينه".

ومن أدلة الهجرة إلى بلدة يحكمها غير مسلم أمر النبي –صلى الله عليه وسلم- أصحابه بالهجرة إلى الحبشة وحاكمها النجاشي كان نصرانيا. وقد هاجر بعض أهل اليمن فألقتهم السفينة في الحبشة، فأمرهم جعفر بن أبي طالب بالإقامة معهم، فلو كانت الإقامة ممتنعة ما أقام ومن معه، كما لم يكن لهم أن يأمروا غيرهم بذلك؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان قد هاجر إلى المدينة، وصار المسلمون يأمنون على دينهم، وإن كان النجاشي يعامل المسلمين معاملة حسنة، إلا أن أهل البلاد لم يكونوا على ذلك الأمر، ويظهر ذلك في كلام أسماء بنت عميس كما سيأتي.

ومعلوم أن قدوم جعفر وأصحابه جميعًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- كان عام خيبر، أي في العام السابع من الهجرة، كما بين هذا الحديث الطويل الذي في الصحيحين؛ فعن أم سلمة ابنة أبي أمية بن المغيرة، زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، قالت: لما نزلنا أرض الحبشة، جاورنا بها خير جار، النجاشي، أمنا على ديننا، وعبدنا الله لا نؤذى، ولا نسمع شيئا نكرهه، فلما بلغ ذلك قريشا، ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين جلدين، وأن يهدوا للنجاشي هدايا مما يستطرف من متاع مكة، وكان من أعجب ما يأتيه منها إليه الأدم، فجمعوا له أدما كثيرا، ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا له هدية، ثم بعثوا بذلك مع عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي، وعمرو بن العاص بن وائل السهمي، وأمروهما أمرهم، وقالوا لهما: ادفعوا إلى كل بطريق هديته، قبل أن تكلموا النجاشي فيهم، ثم قدموا للنجاشي هداياه، ثم سلوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم، قالت: فخرجا فقدما على النجاشي، ونحن عنده بخير دار، وعند خير جار، فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشي، ثم قالا لكل بطريق منهم: إنه قد صبا إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم لنردهم إليهم، فإذا كلمنا الملك فيهم، فتشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم، فإن قومهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم، فقالوا لهما: نعم، ثم إنهما قربا هداياهم إلى النجاشي فقبلها منهما، ثم كلماه، فقالا له: أيها الملك، إنه قد صبا إلى بلدك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم، وأعمامهم وعشائرهم، لتردهم إليهم، فهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه. قالت: ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة، وعمرو بن العاص من أن يسمع النجاشي كلامهم، فقالت بطارقته حوله: صدقوا أيها الملك، قومهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم، فأسلمهم إليهما، فليرداهم إلى بلادهم وقومهم، قالت: فغضب النجاشي، ثم قال: لا هيم الله، إذا لا أسلمهم إليهما، ولا أكاد قوما جاوروني، ونزلوا بلادي، واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم ماذا يقول هذان في أمرهم، فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما ورددتهم إلى قومهم، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما، وأحسنت جوارهم ما جاوروني. قالت: ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فدعاهم فلما جاءهم رسوله اجتمعوا، ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتموه؟ قالوا: نقول والله ما علمنا، وما أمرنا به نبينا -صلى الله عليه وسلم-، كائن في ذلك ما هو كائن.

فلما جاءوه، وقد دعا النجاشي أساقفته، فنشروا مصاحفهم حوله، سألهم فقال: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم؟ قالت: فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب، فقال له: أيها الملك، كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار يأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده، ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم، والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة، والزكاة، والصيام، قال: فعدد عليه أمور الإسلام، فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به، فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به شيئا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا؛ ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا، وشقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلدك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك، قالت: فقال له النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ قالت: فقال له جعفر: نعم، فقال له النجاشي: فاقرأه علي، فقرأ عليه صدرا من: ﴿كهيعص﴾، قالت: فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال النجاشي: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا فوالله لا أسلمهم إليكم أبدا، ولا أكاد، قالت أم سلمة: فلما خرجا من عنده، قال عمرو بن العاص: والله لأنبئنهم غدا عيبهم عندهم، ثم أستأصل به خضراءهم، قالت: فقال له عبد الله بن أبي ربيعة -وكان أتقى الرجلين فينا-: لا تفعل فإن لهم أرحاما، وإن كانوا قد خالفونا. قال: والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى ابن مريم عبد، قالت: ثم غدا عليه الغد، فقال له: أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولا عظيما، فأرسل إليهم فاسألهم عما يقولون فيه، قالت: فأرسل إليهم يسألهم عنه، قالت: ولم ينزل بنا مثله، فاجتمع القوم، فقال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى إذا سألكم عنه؟ قالوا: نقول والله فيه ما قال الله، وما جاء به نبينا كائنا في ذلك ما هو كائن، فلما دخلوا عليه، قال لهم: ما تقولون في عيسى ابن مريم؟

فقال له جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاء به نبينا: هو عبد الله، ورسوله، وروحه، وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول، قالت: فضرب النجاشي يده إلى الأرض، فأخذ منها عودا، ثم قال: ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود، فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال، فقال: وإن نخرتم والله اذهبوا، فأنتم سيوم بأرضي -والسيوم: الآمنون– من سبكم غرم، ثم من سبكم غرم، فما أحب أن لي دير ذهب، وأني آذيت رجلا منكم -والدير بلسان الحبشة: الجبل- ردوا عليهما هداياهما، فلا حاجة لنا بها، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي، فآخذ الرشوة فيه وما أطاع الناس في، فأطيعهم فيه. قالت: فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار. قالت: فوالله إنا على ذلك إذ نزل به -يعني من ينازعه في ملكه- قال: فوالله ما علمنا حزنا قط كان أشد من حزن حزناه عند ذلك، تخوفا أن يظهر ذلك على النجاشي، فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه. قالت: وسار النجاشي وبينهما عرض النيل، قالت: فقال أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من رجل يخرج حتى يحضر وقعة القوم ثم يأتينا بالخبر؟ قالت: فقال الزبير بن العوام: أنا، قالت: وكان من أحدث القوم سنا، قالت: فنفخوا له قربة، فجعلها في صدره ثم سبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها ملتقى القوم، ثم انطلق حتى حضرهم. قالت: ودعونا الله للنجاشي بالظهور على عدوه، والتمكين له في بلاده، واستوسق عليه أمر الحبشة، فكنا عنده في خير منزل، حتى قدمنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو بمكة. [أخرجه الإمام أحمد في مسنده].

وعند ابن هشام: ثم أقمنا عنده حتى خرج من خرج منا إلى مكة، وأقام من أقام.

وعن أبي بردة، عن أبي موسى -رضي الله عنه-، قال: ((بلغنا مخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم، أحدهما أبو بردة، والآخر أبو رهم، إما قال: بضع، وإما قال: في ثلاثة وخمسين، أو اثنين وخمسين رجلا من قومي، فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب، فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا، فوافقنا النبي -صلى الله عليه وسلم- حين افتتح خيبر، وكان أناس من الناس يقولون لنا، يعني لأهل السفينة: سبقناكم بالهجرة، ودخلت أسماء بنت عميس، وهي ممن قدم معنا، على حفصة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- زائرة، وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر، فدخل عمر على حفصة، وأسماء عندها، فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس، قال عمر: الحبشية هذه البحرية هذه؟ قالت أسماء: نعم، قال: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحق برسول الله -صلى الله عليه وسلم- منكم، فغضبت وقالت: كلا والله، كنتم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنا في دار -أو في أرض- البعداء البغضاء بالحبشة، وذلك في الله وفي رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وايم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا، حتى أذكر ما قلت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ونحن كنا نؤذى ونخاف، وسأذكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأسأله، والله لا أكذب ولا أزيغ، ولا أزيد عليه، فلما جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: يا نبي الله: إن عمر قال: كذا وكذا؟ قال: فما قلت له؟ قالت: قلت له: كذا وكذا، قال: ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم -أهل السفينة- هجرتان. قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني أرسالا، يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال أبو بردة: قالت أسماء: فلقد رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث مني)).

ومن الأدلة أيضا ما ورد عن حذيفة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه)). قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال: ((يتعرض من البلاء لما لا يطيق)). [رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب]. ووجه الدلالة حث الشرع للمكلف أن لا يتعرض للبلاء؛ لأن الإنسان قد يضعف ولا يستطيع أن يتحمل البلاء فيكون في ذلك هلاك دينه، وهذا أقل أحواله أن يحكم بكراهته.

وقد صرحت طائفة من أهل العلم المعاصرين بما ذكرنا، منهم: الشيخ يوسف القرضاوي ومصطفى الزرقا وعبد الفتاح أبو غدة ومناع القطان. وذهبت طائفة من غير هؤلاء إلى المنع مطلقا، ومن أشهر حججهم: قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.. [النساء : 97].

ووجه الدلالة أن البقاء في البلاد التي لا يستطيعون فيها ممارسة شعائر دينهم ويضيق عليهم فيها يعد من الاستضعاف المنهي عنه. وعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ)). [أخرجه أبو داود وغيره].

وعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِكَ وَسَكَنَ مَعَهُ فَإِنَّهُ مِثْلُهُ)). [أخرجهما أبو داود]. كما احتجوا بعمومات النصوص الناهية عن موالاة المشركين.

والجواب عن هذه الأدلة، أن قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.. [النساء: 97]، ليس فيه حجة لما ذهبوا إليه؛ لأن الاستضعاف في واقع أمرنا قد يكون في بلاد المسلمين نفسها، وقد يكون الأمر فيه سعة خارج بلاد المسلمين أحيانا! فالعبرة بالموطن الذي يستطيع أن يقيم المرء فيه دينه.

ومما سبق يتضح أن الحكم الشرعي في قضية التجنس والهجرة إلى بلاد أخرى يختلف بناء على دوافع ذلك وعلى طبيعة الدولة المراد التجنس بجنسيتها، والخضوع لحكامها وقوانينها، فإن كان في ذلك ما يضيق على المسلم في دينه وشعائره كبعض الدول التي تنكر الدين إنكارًا تامًّا فلا يجوز، وإلا فإن كانت تلك الدولة تتيح الحرية الدينية وليس فيها ما يضر بالمسلم في دينه أو دنياه فلا بأس حينئذ بالتجنس بجنسيتها والهجرة إليها ما دام ذلك لا يشتمل على أمور محرمة.

والله تعالى أعلم.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان