تفسير الشيخ الشعراوي لجزاء من يضلل الناس
قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}.. [آل عمران : 99].
هب أنكم خبتم في ذواتكم، وحملتم وزر ضلالكم؛ فلماذا تحملون وزر إضلالكم للناس؟. كان يكفي أن تحملوا وزر ضلالكم أنتم، لا أن تحملوا أيضا وزر إضلالكم للناس؟
إن الحق سبحانه قال: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ}.. [النحل: 25].
إنه سبحانه قال ذلك مع أنه قد قال: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى}.. [فاطر: 18].
إن الذي لا يحمل وزرا مع وزره هو الضال الذي لم يُضِل غيره، فهذا يتحمل إثمه فقط. أما الذي يحمل وزر نفسه، ووزر غيره فهو الضال المضل لغيره، وهنا يسألهم الحق سبحانه وتعالى على لسان رسوله: {لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله مَنْ آمَنَ}.
كأنه يقول لهم ماذا تريدون من الدين الذي يربط العبد بربه؟. إنكم لا تريدونه دينا قيما إنكم تريدون دينا معوجا، والمعوج عن الاستقامة إنما يكون معوجا لِغرض؛ لأن المعوج يطيل المسافة. إنّ الذي يسير في طريق مستقيم ما الذي يدعوه إلى أن ينحرف عن الطريق المستقيم ليطيل على نفسه السبيل؟. إن كان يريد الغاية مباشرة فإنه يفضل الطريق المستقيم. أما الذي ينحرف عن الطريق المستقيم فهو لا ينبغي الغاية المنشودة، بل يطيل على نفسه المسافة، وقد لا يصل إلى الغاية.
والحق يقول: {لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً} وساعة تسمع (عوجا) فإننا قد نسمعها مرة (عوج) بفتح العين. ومرة نسمعها (عوج) بكسر العين. حين نسمعها (عوج) بفتح العين، فالعَوَج هو للشيء الذي له قيام، كالحائط أو الرمح، أما (العِوج) بكسر العين فهو في المعاني والقيم، لذلك يقول لهم الحق عن انحرافهم في المعاني والقيم: {تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَآءُ}.
إن الحق يبلغهم: أنتم تبغون الدين عوجا برغم أنكم شهداء على أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق، إنه جاء مبلغا بالصدق، وكنتم تبشرون برسالة محمد، وكنتم تستفتحون على الذين أشركوا من أهل مكة وتقولون: سيأتي نبي نتبعه ثم نقتلكم معه قتل عاد وإرم. وأنتم- يا أهل الكتاب- شهود على صدق هذا الرسول.
لقد ارتكبوا سلسلة من المعاصي؛ هم ضلوا وجهدوا أن يُضلوا غيرهم. ويا ليت ذلك يتم عن جهل، ولكنه أمر كان يتم بقصد وعن علم. وبلغت المسألة منهم مبلغ أنهم شهود على الحق. وبرغم ذلك أصروا على الضلال والإضلال. ومعنى (الشهود)، أنهم عرفوا ما قالوا ورأوه رأي العين، فالشهود هو رؤية لشيء تشهده، وليس شيئا سمعته، لذلك يذكرهم الحق سبحانه بقوله: {وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}.
إنَّ الرسالة التي جاء بها محمد مبلغا واضحة، وهذا مذكور في كتبكم السماوية. فما الذي يجعلكم- يا أهل الكتاب- لا تلتزمون طريق الحق وأنتم شهود؟ لابد أنكم قد مستكم شبهة إن الله يغفل عن ذلك، فقال لهم لا: {وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}.
وبعد ذلك يأتي قول الحق سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الذين أُوتُواْ الكتاب يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}.
المصدر: موقع نداء الإيمان
فيديو قد يعجبك: