إعلان

تفسير الشيخ الشعراوي لصفات الصالحين

03:38 م الأحد 31 يناير 2016

تفسير الشيخ الشعراوي لصفات الصالحين

قال تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ}.. [آل عمران : 114].

وهم بالإيمان بالله واليوم الآخر، وبالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، إنما يتصفون بالصفات التي أوردها الله صفة لخير أمة أٌخرجت للناس وهي أمة محمد صلى الله عليه وسلم. لقد دخل هذا البعض من أهل الكتاب بثقلهم- ومن أول الأمر- في مقام الإحسان، وما داموا قد دخلوا في مقام الإحسان فهم بحق كانوا مستشرفين لظهور النبي الجديد. وبمجرد أن جاء النبي الجديد تلقفوا الخيط وآمنوا برسالته، وصاروا من خير أمة أخرجت للناس. ويكمل الحق سبحانه صفاتهم بقوله: {وَيُسَارِعُونَ فِي الخيرات} وهذا كمثل قوله سبحانه وتعالى في حق المؤمنين: {وسارعوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السماوات والأرض أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}.. [آل عمران: 133].

ونحن نعرف أن هناك فرقا بين (السرعة) و(العجلة) ف (السرعة) و(العجلة) يلتقيان في تقليل الزمن بالنسبة للحدث، ومثال ذلك أن يقطع إنسان المسافة من مكان إلى مكان في زمن معين، والذي يسرع في قطع المسافة هو الذي يستغرق من الزمن أقل وقت ممكن ولكن هناك اختلاف بين السرعة والعجلة، وأول خلاف بينهما يتضح في المقابل، فمقابل السرعة الإبطاء، ويقال: فلان أسرع، وعلان أبطأ ومقابل (العجلة) هو (الأناة) فيقال: فلان تأنى في اتخاذ القرار. فالسرعة ممدوحة ومقابلها وهو (الإبطاء) مذموم، (والعجلة) مذمومة، ومقابلها هو التأني ممدوح؛ لأن السرعة هي التقدم فيما ينبغي التقدم فيه، والعجلة هي التقدم فيما لا ينبغي التقدم فيه، ولذلك قيل في الأمثال: (في العجلة الندامة وفي التأني السلامة) وقال الحق: {وسارعوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ}.. [آل عمران: 133].

وهو سبحانه: هنا يقول {وَيُسَارِعُونَ فِي الخيرات} أي كلما لمحت لهم بارقة في الخير فهم يسرعون إليها، أي أنهم يتقدمون فيما ينبغي التقدم فيه، إنهم يعلمون أن الإسراع إلى الخير حدث، وكل حدث يقتضي حركة، والحركة تقتضي متحركا والمتحرك يقتضي حياة، فما الذي يضمن للإنسان أن تظل له حياة، لذلك يجب أن تسرع إلى الخيرات، وسيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه كان ينام القيلولة، وكان حاجبه يمنع الناس من إيقاظ الخليفة، فجاء ابن عمر بن عبد العزيز وقال للحاجب: أريد أن أدخل على أمير المؤمنين الساعة، فمنعه الحاجب قائلا: إنها ساعة يستريح فيها وهو لا يستريح من الليل أو النهار إلاّ فيها، فدعه ليستريح. وسمع سيدنا عمر بن عبد العزيز الضجة، فسأل الحاجب. قال الحاجب: إنه ابنك، ويريد أن يدخل عليك وأنا أطالبه ألا يدخل حتى تستريح. قال عمر بن عبد العزيز للحاجب: دعه يدخل. فلما دخل الابن على أبيه، قال الابن: يا أبي بلغني أنك ستخرج ضيعة كذا لتقفها في سبيل الله.

قال عمر بن عبد العزيز؛ أفعل إن شاء الله. غدا نبرمها. قال الابن متسائلا: هل يبقيك الله إلى غد؟ فقال عمر بن عبد العزيز وهو يبكي: الحمد لله الذي جعل من أولادي من يعينني على الخير.

لقد أراد الابن من أبيه أن يسارع إلى الخير، فما دامت هبة الخير قد هبَّت عليه فعلى الإنسان أن يأخذ بها؛ لأن الإنسان لا يدري أغيار الأحداث في نفسه، لذلك فعليه أن يسارع إلى اقتناص هبة الخير، وها هو ذا ابن عمر بن عبد العزيز يعين والده على الخير، لكننا في زمننا قد نجد من الأبناء من يطلب الحَجْر على أبيه إن فكر الأب في فعل الخير، متناسين قول الحق: {وَيُسَارِعُونَ فِي الخيرات وأولئك مِنَ الصالحين}.

وهنا يبرز سؤال هو: لأي عمل هم صالحون؟

والإجابة تقتضي قليلا من التأمل، إننا نقول في حياتنا: (إن فلانا رجل صالح) ومقابله (رجل طالح). والإنسان صالح للخلافة، فقد جعل الله آدم وذريته خلفاء في الأرض، والرجل الصالح يرى الشيء الصالح في ذاته فيترك هذا الشيء على ما هو عليه أو يزيده صلاحا. أما الرجل الطالح أو المفسد فهو يأتي إلى الشيء الصالح فيفسده، ولا يفعل صلاحا.

إن الرجل- على سبيل المثال- قد يجد بئرا يأخذ منه الناس الماء، فإن لم يكن من أهل العزم فإنه يتركه على حاله. وإن كان طالحا فقد يردم البئر بالتراب. أما إن كان الرجل من أهل الصلاح والعزم فهو يحاول أن يبدع في خدمة الناس التي تستقي من البئر، فيفكر ليبني خزانا عاليا ويسحب الماء من البئر بآلة رافعة، ويخرج من الخزان أنابيب ويمدها إلى البيوت، فيأخذ الناس المياه وهم في المنازل، إن هذا الرجل قد استخدم فكره في زيادة صلاح البئر.

إذن فكلمة (رجل صالح) تعني أنه صالح لأن يكون خليفة في الأرض وصالح لاستعمار الأرض أي أن يجعلها عامرة، فيترك الصالح في ذاته، أو يزيده صالحا، ويحاول أن يصلح أي أمر غير صالح. الرجل الصالح عندما يعمل فهو يحاول أن يجعل عمله عن عمق علم، فلا يقدم على العمل الذي يعطي سطحية نفع ثم يسبب الضرر من بعد ذلك.

ومثال ذلك حين اخترعوا المبيدات الحشرية ظنوا أنهم تغلبوا على الآفات في الزراعة، لكنهم لم يعرفوا أنهم قد أضروا بالزراعة وبالبيئة أكثر مما أفادوا، لذلك عادوا يقولون: لا تستعملوا هذه المبيدات؛ لأنها ذات أضرار جمة، ولهذا لابد أن يكون كل عمل قائما على قواعد علمية سليمة، ولنقرأ قوله تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السمع والبصر والفؤاد كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}.. [الإسراء: 36] وقوله سبحانه: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بالأخسرين أَعْمَالاً الذين ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحياة الدنيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً}.. [الكهف: 103-104].

إذن فقد كرم الله من آمن من أهل الكتاب فوصفهم الوصف الحقيقي، فهم يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون، ويؤمنون بالله واليوم الآخر، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويسارعون في الخيرات، ثم يحكم الحق عليهم حكما عاما بأنهم من الصالحين لعمارة الكون والخلافة في الأرض.

ومن بعد ذلك يضيف الحق: {وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَروهُ والله عَلِيمٌ بالمتقين}

المصدر: موقع نداء الإيمان


موضوعات متعلقة:

تفسير الشيخ الشعراوي لأوفضل اوقات العبادة

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان