لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

ماذا يفعل مَن انتقض وضوؤه أثناء الطواف؟

02:54 م السبت 16 يناير 2016

ماذا يفعل مَن انتقض وضوؤه أثناء الطواف؟

تجيب لجنة الفتوى بدار الافتاء المصرية:

جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة يرون أن الطهارة من الأحداث ومن الأنجاس شرط لصحة الطواف مطلقًا، سواء كان طواف القدوم أو الزيارة أو الوداع، فإذا ابتدأ الطواف فاقدًا الطهارة فطوافه باطل لا يعتد به.

وذهب الحنفية إلى أن الطهارة ليست شرطًا لصحة الطواف وإن كانت واجبة له، فمن طاف بلا طهارة فطوافه صحيح، لكن تجب إعادته ما دام بمكة وإلا وجب عليه الفداء. ومعنى الإعادة هنا عند الحنفية إعادة الطواف كاملًا، أما إذا أحدث أثناء الطواف فله أن يتم طوافه، ويقال فيه ما قيل فيمن طاف ابتداء بلا طهارة، وله أن يتوضأ ويبني على طوافه دون حاجة إلى استئناف طواف جديد، وقد نقل الإمام محمد بن الحسن عن الإمام أبي حنيفة في كتابه «الحجة على أهل المدينة»: «مَن أصابه أمر ينقض وضوءه وهو يطوف بالبيت أو يسعى بين الصفا والمروة أو فيما بين ذلك، فإن أصابه ذلك وقد طاف بعض الطواف أو كله ولم يركع ركعتي الطواف، فإنه يتوضأ ويبني على طوافه ويصلي الركعتين، فإن كان أحدث توضأ وبنى في الطواف».

ويقول الكاساني في «البدائع»: «فأما الطهارة عن الحدث والجنابة والحيض والنفاس فليست بشرط لجواز الطواف، وليست بفرض عندنا، بل واجبة حتى يجوز الطواف بدونها. وعند الشافعي فرض لا يصح الطواف بدونها. واحتج بما روي عن النبي ﷺ أنه قال: ((الطواف صلاة إلا أن الله تعالى أباح فيه الكلام))، وإذا كان صلاة فالصلاة لا جواز لها بدون الطهارة. ولنا قوله تعالى: ﴿وليطوفوا بالبيت العتيق﴾ .. [الحج: 29] أمر بالطواف مطلقًا عن شرط الطهارة، ولا يجوز تقييد مطلق الكتاب بخبر الواحد، فيحمل على التشبيه كما في قوله تعالى: ﴿وأزواجه أمهاتهم﴾.. [الأحزاب: 6] أي: كأمهاتهم، ومعناه الطواف كالصلاة، إما في الثواب أو في أصل الفرضية في طواف الزيارة؛ لأن كلام التشبيه لا عموم له فيحمل على المشابهة في بعض الوجوه عملًا بالكتاب والسنة، أو نقول: الطواف يشبه الصلاة، وليس بصلاة حقيقة، فمن حيث إنه ليس بصلاة حقيقة لا تفترض له الطهارة، ومن حيث إنه يشبه الصلاة تجب له الطهارة عملًا بالدليلين بالقدر الممكن، وإن كانت الطهارة من واجبات الطواف فإذا طاف من غير طهارة فما دام بمكة تجب عليه الإعادة؛ لأن الإعادة جبر له بجنسه، وجبر الشيء بجنسه أولى؛ لأن معنى الجبر -وهو التلافي- فيه أتم، ثم إن أعاد في أيام النحر فلا شيء عليه، وإن أخَّره عنها فعليه دم في قول أبي حنيفة».

أما عند الجمهور فمن أحدث في أثناء الطواف فإنه يذهب ويتوضأ؛ لأن الطهارة شرط الطواف، لكن في إتمام طوافه واستئنافه من جديد خلاف، فالصحيح عند الشافعية أنه يبني على طوافه ولا يبتدئ طوافًا جديدًا، والمقصود بالبناء أي من حين أحدث، فلا يعيد الشوط الذي أحدث فيه، يقول الإمام الشربيني في «مغني المحتاج»: «... (فلو أحدث فيه) عمدًا (توضأ) وأولى منه تطهر ليشمل الغسل (وبنى) من موضع الحدث سواء أكان عند الركن أم لا (وفي قول يستأنف) كما في الصلاة، وفرق الأول بأن الطواف يحتمل فيه ما لا يحتمل فيها، فإن سبقه الحدث فخلاف مرتب على العمد وأولى بالبناء إن قصُر الفصلُ، وكذا إن طال في الأصح، ولو تنجس ثوبه أو بدنه أو مطافه بما لا يعفى عنه أو انكشف شيء من عورته -كأن بدا شيء من شعر رأس الحرة أو ظفر من رجلها- لم يصح المفعول بعد، فإن زال المانع بنى على ما مضى كالمحدث، سواء أطال الفصل أم قصر كما مر؛ لعدم اشتراط الولاء فيه كالوضوء؛ لأن كلا منهما عبادة يجوز أن يتخللها ما ليس منها بخلاف الصلاة، لكن يسن الاستئناف خروجًا من خلاف من أوجبه».

وقال المالكية والحنابلة: مَن أحدث أثناء طوافه فإنه يستأنف طوافًا جديدًا ولا يبني على ما طاف، ففي «الشرح الكبير» للدردير عند الكلام على الطواف: «... (وبَطَلَ بحدثٍ) حصل أثناءه ولو سهوًا (بناءٌ) فاعل بطل، وإذا بطل البناء وجب استئناف الطواف إن كان واجبًا أو تطوعا وتعمد الحدث».

وقد استثنى المالكية صورة من وجوب الاستئناف وهي إذا رعف -أي خرج الدم من أنفه- فإنه يبني بعد غسل الدم بشرط أن لا يتعدى موضعًا قريبًا كالصلاة، وأن لا يبعد المكان جدًّا، وأن لا يطأ نجاسة.

وقال البهوتي في «شرح المنتهى»: «(ويبتدئ الطواف لحدث فيه) تعمده أو سبقه بعد أن يتطهر كالصلاة».

فعلى ما سبق فمن أحدث أثناء الطواف يبني على ما طافه ولا يستأنف على قول الحنفية والشافعية في المعتمد، ويستأنف على قول المالكية والحنابلة، ومبنى الخلاف في البناء والاستئناف اشتراط الموالاة بين أشواط الطواف، فمن شَرَطها -كالمالكية والحنابلة- قال: يستأنف إذا أحدث؛ لأنه بحدثه ووضوئه قطَعَ الموالاة، ومن لم يشترط الموالاة -كالحنفية والشافعية- أجازوا البناء على ما سبق طوافه من أشواط، وأدلة كل من الفريقين قوية، فيجوز تقليد أي منها، لا سيما وأن المسألة اجتهادية لا نص فيها قطعيًّا، فقد استدل من اشترط الموالاة بقوله ﷺ: ((الطواف بالبيت صلاة)) [أخرجه أحمد والنسائي]، والصلاة تشترط فيها الموالاة، كما أن الطواف عبادة متعلقة بالبيت فاشترطت لها الموالاة كالصلاة. واستدل من لم ير الموالاة شرطًا بقوله تعالى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ .. [الحج: 29]، فأمر الله تعالى بالطواف ولم يشترط له الموالاة، فدل ذلك على صحته مع القطع ولو كان كثيرًا، كما أنه عبادة تصح مع التفريق اليسير فوجب أن يصح مع التفريق الكثير كسائر أفعال الحج. وقد استدل كلا الفريقين بجملة من الآثار عن الصحابة، وكل ما استدل به كلا الفريقين محل نظر.

وبناء على ما سبق: فمن أحدث في أثناء طوافه فله أن يتطهر ثم يبني على طوافه ولا يستأنف، وإن كان يستحب الاستئناف خروجًا من الخلاف، أما من ابتدأ الطواف وهو على طهارة ثم أحدث في أثنائه واستكمل طوافه وهو على غير طهارة وعاد إلى بلده ولم يتمكن من العودة للإعادة فطوافه صحيح مع الإثم ووجوب الفداء؛ تقليدًا للحنفية القائلين بوجوب الطهارة للطواف دون اشتراطها، مع العلم أن الجميع متفقون على عدم جواز الشروع في الطواف على غير طهارة.

والله تعالى أعلم.


فتاوى متعلقة:

هل يجوز الكلام أثناء الطواف؟

ما حكم التحلل من الإحرام لعذر قبل التلبس بالمناسك؟

هل يجوز قطع الطواف للصلاة المكتوبة ؟

 

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان