عبدالله بن المبارك الذي حجت عنه الملائكة
بقلم – هاني ضوَّه :
هو المحدث أمير الأتقياء، عالم رباني وسيد العلماء في زمانه .. إنه عبدالله بن المبارك العابد الزاهد الذي عنه يروى الكثير من الأخبار التي تدل على صلاحه وتقواه حتى امتلأت بها كتب الزهد والسلوك.
ولا يستغرب ذلك لأن ما دام الأصل كذلكَ طيبًا .. فقد كان مبارك والد الإمام عبد الله بن المبارك يعمل حارساً على بستان، يحرس الرمان والتفاح والليمون أن يعتدي عليه سراق أو لصوص بأجرة بسيطة، فكان يبدأ من الصباح في عمله، وكان يتخلل عمله بركعات يركعها في البستان، ولا يفتر لسانه من ذكر الله عز وجل، فإذا استلم راتبه من سيده تصدق بثلث الراتب، وأنفق عليه وعلى أهله ثلثه وخزن ثلثه، لما سوف يعرض له.
دخل سيده ومعه ضيف يزور البستان، قال: يا مبارك ! ائتنا برمان، فأتى برمان حامض، ووضعه بين يديه، قال: هذا حامض، ائتنا بغيره، فأتى برمان حامض، قال: أنت لا تفهم ولا تعي؟ هذا حامض، قال: والله لا أعرف الحامض من الحلو، قال: أما ذقته وأنت في البستان من كذا وكذا سنة؟ قال مبارك : أنت لم تأذن لي أن أذوق ما في البستان.
ولنتعرض لبعض مما ذكر عن هذا الولي التقي في موسم الحج، ومما ذكر عن عبدالله بن المبارك أنه كان ينفق على أصحابه ويجهزهم للحج، وكان إذا أراد الحج من بلده "مَرو" جمع أصحابه وقال من يريد منكم الحج؟، فيأخذ منهم نفقاتهم فيضعها عنده في صندوق، ويقفل عليه ثم يحملهم وينفق عليهم أوسع النفقة، ويطعمهم أطيب الطعام، ثم يشتري لهم من مكة ما يريدون من الهدايا والتحف، ثم يرجع بهم إلى بلده، فإذا وصلوا صنع لهم طعامًا ثم جمعهم عليه، ودعا بالصندوق الذي فيه نفقاتهم فرد إلى كل واحد نفقته.
وكان عبدالله بن المبارك يحج عامًا ويغزو في سبيل الله عامًا، وفي العام الذي أراد فيه الحج.. خرج ليلة ليودع أصحابه قبل سفره، فوجد امرأة في الظلام تنحني على كومة من القمامة تفتش فيها حتى وجدت دجاجة ميته فأخذتها وانطلقت لتطهوها وتطعمها صغارها، فتعجب ابن المبارك ونادى عليها وقال لها: ماذ تفعلين يا أمة الله؟ وذكرها بالآية (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ).
فقالت له: يا عبد الله – اترك الخلق للخالق فلله تعالى في خلقه شؤون، فقال لها ابن المبارك: ناشدتك الله أن تخبريني بأمرك.. فقالت المرأة له: أما وقد أقسمت عليّ بالله.. فلأخبرنَّك:
إن الله قد أحل لنا الميتة، وأنا أرملة فقيرة وأم لأربع بنات ولا يوجد من يكفلنا، وطرقت أبواب الناس فلم أجد للناس قلوبًا رحيمة فخرجت ألتمس عشاء لبناتي اللاتي أحرق لهيب الجوع أكبادهن فرزقني الله هذه الميتة .. أفمجادلني أنت فيها؟، وهنا بكى عبدالله ابن المبارك، وقال لها: خذي هذه الأمانة وأعطاها المال كله الذي كان ينوي به الحج وعاد إلى بيته ولازمه طوال فترة الحج.
وخرج الحجاج من بلده فأدوا فريضة الحج، ثم عادوا، وذهبوا لزيارته في بيته ليشكروه على إعانته لهم طوال فترة الحج، فقالوا له: رحمك الله يا ابن المبارك ما جلسنا مجلسًا إلا أعطيتنا مما أعطاك الله من العلم، ولا رأينا خيرًا منك في تعبدك لربك في الحج هذا العام.
فتعجب ابن المبارك من قولهم، واحتار في أمره وأمرهم، فهو لم يفارق البلد، ولكنه لايريد أن يفصح عن سره، ونام ليلته وهو يتعجب مما حدث، وفي المنام يرى رجلا يشرق النور من وجهه يقول له: السلام عليك يا عبدالله ألست تدري من أنا؟ أنا محمد رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- أنا حبيبك في الدنيا وشفيعك في الآخرة جزاك الله عن أمتي خيرًا .. يا عبد الله بن المبارك، لقد أكرمك الله كما أكرمت أم اليتامى .. وسترك كما سترت اليتامى، إن الله – سبحانه وتعالى – خلق ملكاً على صورتك .. كان ينتقل مع أهل بلدتك في مناسك الحج .. وإن الله تعالى كتب لكل حاج ثواب حجة وكتب لك أنت ثواب سبعين حجة.
ومن مواقف عبدالله ابن المبارك كذلك في الحج قال سويد بن سعيد: رأيت عبد الله بن المبارك بمكة أتى زمزم، فاستقى شربة، ثم استقبل القبلة، فقال: "اللهم إن ابن أبي الموال حدثنا عن محمد بن المنكدر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "ماء زمزم لما شرب له" .. وها أنا ذا أشربه لعطش يوم القيامة، ثم شربه.
فيديو قد يعجبك: