الأنس بالله والوحشة من الخلق
بقلم – هاني ضوَّه :
هل شعرت يومًا بضيق من الناس والخلق وأخذت تبحث عن ملجأ تأنس إليه؟ .. هل ضقت يومًا بأذى الناس وسوء أخلاقهم واستوحشت الوجود بينهم؟! .. لا تحزن فإن هذه الوحشة من الخلق قد تكون سببًا في أنسك بالله سبحانه وتعالى.
وفي هذا المعنى يقول سيدي الإمام أحمد بن عطاء الله السكندري رضي الله عنه في كتابه "الحِكَّم": "إنما أجرى الأذى على أيديهم – يعني أهل الدنيا – كيلا تكون ساكناً إليهم، أراد أن يزعجك عن كل شيء حتى لايشغلك عنه شيء".
فإن الأنس الحقيقي هو الأنس بالله وليس أنس بالعباد، قال تعالى: {َإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }..[ البقرة 186].
فاستحضار القلب هذا البر والإحسان واللطف يوجب قربه من الل سبحانه وتعالى، وقربه منه يوجب له الأنس، الأنس بالله هو ثمرة الطاعة والمحبة له سبحانه وتعالى.
إنه مما يروى عن أبينا آدم -عليه السلام- أنه كان يبكي حزنا وأسى بين وقت وأخر حتى بعدما تاب الله عليه .. كان يبكي شوقاً .. شوقاً للوطن .. "الجنة" !!.
لقد كان أبونا آدم يدرك بأن الأرض ليست بوطن .. ولا هي بدار إقامة، بل هي دار اختباره الممهدة لدار قراره، ولذا فإننا نجد أنفسنا نضيق بالخلق والناس بين وقت وآخر، فنشعر بحنين وشوق إلى الوطن الأول .. إلى الجنة ليس لما فيها من متاع وملذات ولكن للقرب من الله والأنس به.
وهذا هو السر الذي تجلي في كلام سيدي ابن عطاء الله السكندري عندما قال في حكمتة الخامسة والثلاثون بعد المائتين: "إنما أجرى الأذى على أيديهم كيلا تكون ساكناً إليهم، أراد أن يزعجك عن كل شيء حتى لايشغلك عنه شيء".
فلا تجزع بالوحشة إذا اعترتك .. ولا من الضيق من الخلق .. فلعل هذا علامة نظر الله إليك .. وإرادته أن يبدل ما اعتدت عليه من الأنس بالفانيات .. إلى الأنس بالباقيات الصالحات.
وهذا ما يذهب بنا إلى تأمل حكمة أخري من حكم سيدي ابن عطاء الله وهي الحكمة الثامنة والتسعون والتي ترتبط بشكل وثيق بالحكمة السابقة ويقول فيها: "متى أوحشك من خلقه فاعلم أنه يريد أن يفتح لك باب الأنس به" .
فيديو قد يعجبك: