وزير الخارجية: مصر لن تنخرط في أي صراع عسكري في سورية
القاهرة- (د ب أ):
أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري الذي يقوم حاليا بزيارة إلى ألمانيا موقف بلاده الثابت حيال الأزمة السورية، مشددا على أن مصر لن تنخرط في أي صراع عسكري في سورية، مستبعدا أن يقود مثل هذا الصراع إلى تسوية الأزمة السورية.
وفي مقابلة أجراها معه في برلين مختار القماطي مدير النشرة العربية بوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) اعتبر الوزير المصري أنه "لابد أن يقر المجتمع الدولي بأن الصراع العسكري ليس السبيل لحل الأزمة في سورية، ولن ينتهي هذا الصراع في ظل وجود تنظيمات إرهابية استطاعت النفاذ إلى الساحة السورية وستظل تعمل على زعزعة استقرار سورية إذا لم تكن هناك مصداقية في جهود المجتمع الدولي المبذولة للقضاء عليها بشكل كامل".
وأشار وزير الخارجية المصري إلى أنه يتعين أن يضطلع السوريون "الشرفاء الأمناء" بدورهم في صياغة مستقبل سورية ، "وهذا هو التوجه الذي أكدناه وعززناه عبر العامين والنصف الماضيين... أتصور لو كانت الكثير من الأطراف استمعت إلى الحكمة والعقل الذي طرحناه في ذلك الوقت لكنا أعفينا سورية من الكثير من التدمير وقللنا عدد الضحايا الذي فاق الآن نصف مليون ضحية من المدنيين يتحمل مسؤوليتهم المجتمع الدولي لتقصيره في احتواء هذه الأزمة".
وأوضح شكري أن القاهرة لن تكون طرفا في صراع مسلح تدعو إلى إنهائه، قائلا :"بعد ست سنوات ثبتت عدم جدوى استمرار الصراع العسكري لتحقيق أي توجه سياسي.. لابد من توافق الأطياف السياسية السورية على مستقبل بلدهم وكيفية صياغته".
وأضاف أن مصر تعمل على تعزيز قدرات المعارضة الوطنية، وأنها تدعو الحكومة السورية بإلحاح إلى إبداء المرونة والانخراط الكامل مع المسار السياسي، كما أنها تدعو الأطراف كافة للعمل بإخلاص لانتشال سورية والسوريين من التدمير والعناء.
وشدد على أن مصر تضطلع بدور إيجابي بهدف إنهاء الصراع والتوافق بين الأطياف السياسية السورية، وأن يقود السوريون مستقبلهم ويضعوا خارطة طريق تتناسب مع ظروفهم وخصوصيتهم.
وفي معرض رده على تساؤل بشأن ما يتردد حول أن موقف مصر بالنسبة للصراع في اليمن وسورية سبب لتوتر العلاقات بين القاهرة والرياض، أوضح الوزير المصري أن "مصر لها منهج ثابت في سورية لم يتغير ، وهناك تفهم وتنسيق وتشاور بين مصر والسعودية حول هذا الموضوع" ، مضيفا أن البلدين شريكان أيضا في تحالف دعم الشرعية في اليمن ويسعيان لتعزيز الحل السياسي هناك.
وأضاف أن "هذه مواقف معلنة ومصر مقتنعة بأن هذه المواقف تصب في صالح حماية الأمن القومي العربي وتعزيز الاستقرار بالمنطقة" ، منوها إلى أن العلاقات مع الرياض "وثيقة وتتسم بالإيجابية في مناح كثيرة"، وأنها "كما هي العلاقة بين أي دولتين تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح والتوافق في الرؤى قدر الإمكان في إطار من التعاون والتشاور والتنسيق".
وفيما له صلة أيضا بالأزمة السورية ورؤيته لوضع المعارضة بعد خسارة معركة حلب، ومدى استعداد مصر لاستقبال مزيد من اللاجئين مقابل الحصول على مساعدات كما حدث مع تركيا، ذكر شكري أن مصر حاليا بها نصف مليون لاجئ سوري، وأنه يتم دمجهم في المجتمع المصري، "فمصر لا تقيم لهم معسكرات للإقامة فيها بل يسمح لهم بالاندماج والتعامل في كثير من مناحي الحياة" ، وذلك "من منطق المسؤولية الإنسانية التي تقع علينا". وأشار إلى أن مصر تحتضن ما بين 4 - 5 ملايين لاجئ من الشرق الأوسط أو من الدول الأفريقية "الشقيقة"، باعتبارها أحيانا دولة مقصد وأحيانا أخرى دولة معبر ،"ونتحمل هذا العبء رغم ظروفنا الاقتصادية الصعبة تقديرا للالتزام الإنساني في هذا الشأن".
وتابع شكري :"المعارضة السورية الوطنية ما زالت تمثل قطاعات عريضة من المجتمع السوري، ونحن نعمل على تعزيز مكانتها"، كاشفا عن أنها تحضر لعقد اجتماع ثالث في القاهرة بين العناصر المختلفة للمعارضة الوطنية حتي تستطيع أن توحد صفوفها استعدادا لاستئناف المفاوضات السياسية التي يقودها المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا.
أما عن العلاقات المصرية الألمانية، وأهمية الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين خلال الفترة الأخيرة، قال شكري إنه من شأنها تدعيم العلاقات الثنائية على صعيد العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بما يعود بالنفع على شعبي البلدين، موضحا أن هناك "فهما مشتركا" للقضايا والتحديات التي تواجه الشرق الأوسط وتقديرا للجهود المبذولة لكيفية مواجهة تلك التحديات واستعادة المنطقة لاستقرارها ، مما عزز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، "وأسهمت ألمانيا والشركات الألمانية في العديد من المشروعات القومية في مصر، وهو ما يعود بالنفع على الشركات الألمانية وعلى مصر لمساعدتها في تدعيم بنيتها الأساسية وحتى تستطيع أن تنطلق نحو التنمية الاقتصادية وتوفير مستوى حياة أفضل للمصريين، كما أنها تعزز قدرة البلدين على مواصلة جهودهما المشتركة في صياغة مواقف متطابقة إزاء القضايا الدولية والإقليمية".
وعن رؤيته لحادث الدهس الذي وقع في برلين الشهر الماضي وربط البعض بين مثل هذه الحوادث وبين قبول ألمانيا عددا كبيرا من اللاجئين دون قيود، قال الوزير المصري إن بلاده أدانت هذا العمل مثلما تدين جميع الأعمال الإرهابية واستهداف المدنيين وترويعهم والتأثير على مناخ الأمن والاستقرار سواء في أوروبا أو الشرق الأوسط.
ورأى أن هناك "أيديولوجية متطرفة" تستغل الدين وتحرفه لاستقطاب التأييد لتحقيق غاية سياسية في "الهيمنة أو إقصاء الآخرين والانقضاض على مقدرات الشعوب"، وأنه يجب مواجهة هذا الفكر أينما وجد، وأن يكون هناك تعاون لدحره وتوضيح المفاهيم الحقيقية للإسلام ولتقييد التمويل والدعم الذي تتلقاه المنظمات التي تقف وراء تلك الأعمال، مشددا على ضرورة تضافر الجهود الدولية للقضاء على هذه الظاهرة.
وقال إنه "يجب أن يكون هناك منظور شامل في التعامل مع الفكر المتطرف يتضمن جميع المنظمات الإرهابية والظروف السياسية والصراعات القائمة التي وفرت ساحة لها للانتشار في الشرق الأوسط"، واتهم دولا ،لم يسمها، بتوفير الدعم للمنظمات الإرهابية بغية تحقيق مكاسب سياسية.
ورفض وزير الخارجية المصري الربط بين وقوع هجمات إرهابية في بعض الدول وبين وجود لاجئين فيها، مشيرا إلى أن هناك هجمات تقع أيضا في دول عربية وإسلامية وأفريقية، "فهذه الظاهرة وانتشارها واستهدافها لمناطق عديدة من العالم هدفها نشر هذا الفكر المتطرف وترويع المجتمعات وفتح حيز لهذا النشاط بغية تحقيق أهداف سياسية ودفع الدول للتراجع عن المقاومة لهذه الظاهرة... الفكر والمنهج المتطرف الذي تنتهجه هذه المنظمات وارد أن يستهدف أي مجتمع في أي وقت بدون تمييز أو تفرقة".
وفي إجابته عن تساؤل حول الهجمات الإرهابية الأخيرة في مصر ومدى نجاح الحكومة في مكافحة الإرهاب، قال شكري إن مصر دائما ما تعد "الجائزة الكبرى" بالنسبة للتنظيمات المتطرفة والإرهابية، "بعدما لفظ المجتمع المصري التوجه الخاص بالتنظيمات الإرهابية مثل الإخوان المسلمين ورفض التعاطف مع هذا الفكر المتطرف". وأضاف أن "مصر والشعب المصري دائما مستهدف من قبل التنظيمات الإرهابية لمحاولة تغيير مساره، وهذا لن يحدث... مصر دائما ما كانت منارة للفكر والحضارة في الشرق الأوسط، وهو ما يسعى الإرهابيون للقضاء عليه، وهو هدف غير وارد أن يتحقق، لأن مثل هذه التنظيمات لا يمكنها تطويع شعب بإمكانيات وقدرات مصر".
وقال شكري :"مصر تحارب الإرهاب دفاعا عن العالم وعن الأمن والاستقرار في محيطنا المتوسطي وعلى الساحة الدولية. نتعاون مع شركائنا على المستوى الدولي مع ألمانيا وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي للقضاء على هذه الظاهرة".
وفي رده على تساؤل حول ما إذا كانت هناك علاقة بين العمليات الإرهابية التي وقعت في مصر مؤخرا والوضع الاقتصادي، لاسيما بعد موجة ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، اعتبر شكري أنه لا علاقة بين الأمرين ، موضحا أن "الإرهاب فكر مغلوط ، وأكبر دليل على ذلك أن كثيرا من الإرهابيين أثرياء مثل (أسامة) بن لادن".
وأشار إلى أن الإرهابيين يستقطبون عناصرهم من خلال القدرة على اجتذابهم بشكل مرتبط بالدين وليس لتعويض نقص المال. وقال إن الغرب يخطئ عندما يروج لأن الأوضاع الاقتصادية الصعبة جاذبة أو مسببة لانتشار الإرهاب. وأثنى الوزير المصري على "نضج" الشعب المصري وقدرته على تفهم أن "الكثير من الإجراءات الاقتصادية التي اتخذت مؤخرا وأدت إلى ضغوط على المواطنين هي إجراءات تصحح من أخطاء متراكمة وهي إجراءات صعبة يتحمل عبئها المواطنون الآن لإدراكهم أنها هي المفتاح لمستقبل أفضل لهم ولأبنائهم وأحفادهم".
وردا على ما انتقاد البعض لموافقة البرلمان المصري أواخر العام الماضي على مشروع قانون الجمعيات الأهلية، ووصفه بأنه أداة لتكميمها، قال وزير الخارجية المصري، إن هذا المشروع صاغه مجلس النواب الممثل للشعب، معتبرا أنه يجب أن يكون هناك احترام للمؤسسات التي تعبر عن الإرادة الشعبية مثل مجلس النواب. وأضاف أن ما يصوغه المجلس من تشريعات تعبر عن رؤيته لما فيه الصالح العام للمجتمع المصري، "ونحن كسلطة تنفيذية في الوقت نفسه نثمن الدور الإيجابي الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني في تنمية ودعم المجتمع في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية".
وقال شكري إن هناك 48 ألف منظمة محلية تعمل في مصر "غالبيتها العظمى منظمات تعمل في إطار القانون ووفقا للضوابط كما هو الحال في أي دولة، فهناك قوانين تسن بغرض المصلحة العامة وعلى الجميع الامتثال لما يصدر من قوانين ليست مقيدة وإنما منظمة للعمل بحيث يضمن أن يتواكب العمل مع أولويات المجتمع بعيدا عن التجاوزات سواء كانت فردية أو مؤسسية".
وعن توقعاته لسياسة الرئيس الأمريكي المنتخب حيال الشرق الأوسط ومستقبل العلاقات المصرية الأمريكية في عهده، قال شكري إن مصر تسعى دائما إلى تعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، "ولنا تاريخ طويل حوالي أربعة عقود تعاملت فيها مصر مع إدارات جمهورية وأخرى ديمقراطية وظلت العلاقات وثيقة بين البلدين، وهناك تقدير متبادل لما يمكن أن نستطيع أن نوفره من مكاسب مشتركة". وأعرب عن تطلع القاهرة لأن يكون للإدارة الجديدة إسهامها الإيجابي في إنهاء الصراعات بالمنطقة وفي تعزيز العلاقات المصرية الأمريكية من منطلق التقدير لدور مصر ومكانتها الإقليمية وقدرتها على التأثير الإيجابي في محيطها الإقليمي.
وفيما يتعلق بظاهرة الإتجار في البشر، أوضح وزير الخارجية المصري أن بلاده عززت تشريعاتها التي تعاقب وتلاحق المتاجرين في البشر، مضيفا أن المنظمات العاملة في هذا المجال تستغل هذا النشاط أحيانا في تمويل المنظمات الإرهابية.
فيديو قد يعجبك: