لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

مذكرات شاب من الرقة.. كيف يحكم إرهابيو داعش

12:58 م الأربعاء 01 مارس 2017

مسيرة سيارات داعش في شوارع الرقة السورية

كتب – محمد الصباغ:
طالما اعتبرت مدينة الرقة السورية، معقل تنظيم داعش الإرهابي، منطقة محرمة والأكثر عزلة على وجه الأرض. لم يستطع أحد بداخلها الحديث مع وسائل إعلامية غربية أو مغادرة المدينة دون تصريح من التنظيم الإرهابي. لكن مراسل هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" استطاع العثور على شاب قرر المخاطرة بحياته ليخبر العالم بما يدور في المدينة.

نشرت صحيفة الجارديان البريطانية، تقريرًا مطولًا عن يوميات هذا الشاب واختاروا له اسما مستعارًا "سامر"، يرصد معاناته على مدار السنوات الماضية وخصوصا منذ عام 2013 حينما بدأ التنظيم في فرض سيطرته على المدينة. والذي قال إنه بدأ كتابتها مع انطلاق مظاهرات الربيع العربي عام 2011، حيث اعتقد الشباب السوري أن رياح التغيير قادمة ليجدوا واقعًا مختلفًا بعد سيطرة تنظيم داعش على مدينة الرقة.

وننشر مقتطفات مما جاء في هذه اليوميات حسبما نشرتها الجارديان.

مارس 2013

لن أنسى الوقت الذي ظهر فيه تنظيم داعش بشوارع مدينتنا. في البداية، حاصرت قوات معارضة المقاتلين الذيت احتلوا المباني الحكومية. كنا متفائلين. ثم تغير كل شئ. بدأت قوة الجيش السوري الحر في التراجع. كان منشغلًا بقتال قوات النظام في أماكن أخرى وأصبحت قواته المحاصرة لمدينة الرقة أقل وأقل. كانوا يتلقون ضربات جوية متكررة من النظام. قاتلت قوات داعش وكسروا حصار الجيش السوري الحر واستولوا سريعًا على مدينتنا البائسة.

استفادوا من ميزة الارتباك والجهل وبدأوا في إقناع الناس بالانضمام إلى صفوفهم. في البداية كانوا لطفاء يتحدثون بأسلوب ناعم. لكنني لم أشترِ هذا الحديث. سنقسم أعضاء داعش إلى نوعين. الأول هم من يؤمنون بالفعل بأنهم جاؤوا لإنقاذنا وكانوا من أوائل من دخلوا إلى المدينة، والنوع الثاني أكثر عنفًا.

في المرة الأولى التي رأيت فيها "الحِسبة" –شرطة داعش الدينية- يتحركون في الشوارع، كانوا يصيحون نحو امرأة كانت تسحب ابنتها إلى الرصيف بعدما اتجهت نحو الشارع. كانت ترتدي جلبابًا وحجابًا، لكنهم كانوا ينادونها بألفاظ غاية في السوء ويشككون في شرفها لأنها لا ترتدي النقاب. استخدموا كلمات يخجل الكثيرون من التلفظ بها.

كانت المرأة في غاية الخوف وحاولت الابتعاد عنهم. قالت إنها فقط تريد الذهاب بطفلتها إلى المنزل، لكنهم لم يتركوها وشأنها. بمرور الوقت تجمع بعض الأشخاص في المكان، كنا مصدومين لكننا لم نخاطر بقول أي شئ. حتى قرر شخص يدعى أبو سعيد التدخل. منذ خروجه على المعاش، صار مؤذن المسجد القريب من مكان الواقعة. اعتاد أشخاص كُثُر سماع صوته عبر مكبرات الصوت. لو لم نستمع إليه ينادي للصلاة في الليل، كنا نتسائل عن السبب.

بدا يصيح هو الآخر، وطلب معرفة ما هي الرسالة التي يريدون نشرها. قال "أقسم بالله لا علاقة لكم بالإسلام". كان معروفًا وبدأ الناس في الالتفاف من حوله. جعلنا ذلك نشعر بالشجاعة بدرجة أكبر ونقف بجوار مؤذننا وصوته يرتفع أمام هؤلاء الغرباء الذين ظهروا بمدينتنا دون مقدمات. في النهاية، عانى أبو سعيد من ازمة قلبية ونُقل إلى مستشفى قريبة. بعد وقت قليل كان هناك حشد من لغاضبين يحيط بدورية داعش. وخشية مما قد يحدث بعد ذلك، هربوا بعيدًا.

سمعت أحد الأشخاص يقول "ما الذي جاء بهم إلى هنا؟" اتفقنا جميعا على أننا لا نريدهم هنا. وطلب رجل من الحضور عدم التفوه بمثل هذا الحديث. حذر من أن تنظيم داعش لديه جواسيس في كل مكان الآن. وقال "ألم تعرفوا بما حدث الليلة الماضية؟ قطعوا رأس رجل في ميدان نعيم لأنه قال أشياء سيئة عنهم." وخرج صوت منفرد من الخلف يقول "هؤلاء الأشخاص سيعودون بنا إلى عصور الظلام".

قطع الرؤوس

سمعت عبر مكبرات الصوت أن هناك عمليات إعدام ستتم بحق بعض الأشخاص. وقفت مجموعة من الرجال مقيدين ومعصوبي العينين. بدأ رجل ملثم بقراءة بعض العبارات. حسن قاتل مع قوات النظام. عقوبته هي قطع رأسه. عيسى، ناشط إعلامي، متهم بالحديث إلى جماعات أجنبية. عقابه قطع رأسه.

نفذ رجل بسيفه الإعدامات. لم نكن قادرين على فعل أي شئ حيال ما نراه أمام أعيننا. من الخطورة أن تظهر مشاعرك الحقيقية لأن تنظيم داعش يراقب الحشد. نحن بالكامل في قبضتهم. حدقت في الوجوه المحيطة، محاولًا قراءة الأفكار خلف العيون الكثيرة الهادئة والحزينة. رأيت في بعضها الغضب. هذه الوجوه الغاضبة تحدق نحو منفذ الإعدام، بلا شك تفكر في طريقة الانتقام عندما تحين الفرصة. كثيرون في انتظار شرارة الانتفاضة ضد هذا الرجل وضد كل القتلة في داعش. لا يتقدم أحد حاليًا بسبب الخوف، لكن بالتأكيد لن يستمر ذلك طويلًا.

قصف في عيد الأم

خططت لحفل صغير مع أشقائي وشقيقاتي في يوم عيد الأم. كان الطقس باردًا في أحد صباحات شهر مارس، وسمعت صوت المروحيات. قصفت طائرات النظام شارعنا. انهار سقف جيراننا علينا. انتشرت سيارات الإسعاف في كل مكان، وهرول الناس حاملين الجثث والمصابين.

قال أحد الجيران إن والداي أصيبا وتم نقلهم إلى مستشفى عام. ومع تذكر شكل الانهيار، توقعت الأسوأ. عندما وصلت مع إخوتي إلى المستشفى، رائحة الدماء كانت تغطي المكان. طلبوا منا تفحص الجثث أمامنا لتحديد ما إذا كانا والدينا بينهم.

واجهت موقفًا لم أر مثله في حياتي.

تعرفت على جثة والدي. كانت مليئة بالإصابات. غطوا معظم جسده بغطاء أبيض لكن وجهه كان واضحًا. فقدت مثلي الأعلى، ومرشدي في الحياة، الرجل الذي دائمًا ما كان لديه إجابة لكل شئ. كانت من أسوأ اللحظات في حياتي.

"والدتك تتلقى العلاج هنا،" صوت هادئ جاء من الخلف. مرت ساعتان حتى جاء الطبيب، وأخبرته أنني ابنها. قال "أحاول إنقاذ حياتها، لكنها مريضة جدًا".

أواخر مايو 2016

بقيت في مدينتي قدر ما استطعت. صنعت ذكرياتي هنا وأردت البقاء في الوقت الذي تحتاجني فيه. استعددت للموت هنا.

لو لم يكن من أجل والدتي لما غادرت أبدًا. لكنها كانت خائفة جدًا. عرفت أنهم يترصدونني وأنها مسألة وقت حتى يضغطوا على الزناد. فبدأت حياتي بالخارج.

مرحلة أحاط بي فيها كثير من أمثالي. آلاف ممن غادروا منازلهم، هربًا سواء من داعش أو من نظام الأسد. معاناتهم ومعاناتي لم تنته بعد.

حملت كثير من ذكرياتي في حقيبة صغيرة. صور للأشخاص والأماكن. بعض اللقطات من الماضي والتي ربما لا توجد حاليًا. بينهما صورة لصديق مدرسة قديم. لا أعرف لقي مصرعه. كما حملت صورة لأحد جيراني، الذي قتل إثر ضربة جوية بجوار أطفاله. وصورة لصديق آخر ذبحه تنظيم داعش. وصورة أخرى لمنزل قديم، وللشوارع، التي أصبحت الآن أنقاضًا.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان