لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

سماسرة الشر.. الانكشارية الجدد!

09:13 م الخميس 03 ديسمبر 2015

بقلم - محمد أحمد فؤاد:

لا بأس من الاعتماد أحياناً على الروايات التاريخية لتفسير بعض الظواهر، حتى لو كانت محدودة المصداقية كتلك التي أتى بها المستشرقون من ذوي النزعات العنصرية عبر العصور.. اليوم يتوقف العالم أجمع مرتعباً أمام ظواهر انتشار العنف والقتل الوحشي، وتفشي الضغينة بين أصحاب المعتقدات المختلفة على خلفية شديدة التطرف، تعكس حالة من العدائية اللاإرادية لدى مجتمعات برُمتها، ولا أدري لماذا لم ينطلق حتى الأن أي صوت محايد ليجبر التاريخ على البوح بما قد يفسر تلك الظواهر البغيضة التي صبغت حياتنا جميعاً بكآبة المنظر وسوء المنقلب..؟

أُحاول ايجاد تحليل لشخصية هؤلاء الهمج أصحاب الرايات السوداء الذين يجوبون أرض سوريا والعراق وغيرها في حرية شبه تامة، ينهبون الأرض والثروات ويقتلون وينشرون ثقافتهم العفنة من خلف ستار ديني زائف، وتحت مظلة من سذاجة دولية تبدو لوهلة وكأنها تواطؤ متعمد ضد الإنسانية والحياة.. ما مصدر سطوة هؤلاء التي يمارسوها على البسطاء ومصالحهم فقط؟ ولصالح من يتجرعون بالدماء، ويبثون سموم عقيدة مغلوطة من شأنها هدم حضارة كانت يوماً حجر الأساس لهداية البشر؟

ربما وجدت ضالتي في نمط من الجند تصادف ظهوره مع ارتفاع نجم دولة الخلافة العثمانية 1299 : 1923 يسمى الجند الانكشارية.. تشابه أحسبه مدهش بين هذه الطائفة العسكرية من المشاة الذين شكلوا تنظيماً خاصاً لهم داخل الجيش العثماني، وكانت لهم ثكناتهم العسكرية الخاصة وكذا شاراتهم ورتبهم وامتيازاتهم، وكانوا بالفعل أقوى فرق الجيش العثماني وأكثرها نفوذاً، وبين هؤلاء الهمج الذين تبوح الشواهد بأن لهم بصورة أو بأخرى منعة تركية، أو على أقل تقدير تفاهمات ومصالح هناك مع السلطة الحالمة بعودة دولة الخلافة.!

تركيا أردوغان ساندت وأيدت ومولت بعض الحركات التي تخدم توجهاتها ولا تتعارض مع سياستها.. على سبيل المثال لا الحصر الشيشان والإخوان المسلمين، واليوم المرتزقة الجدد داعش في أراضي العرب..! ولنعود لوجه التشابه الذي هو صلب الموضوع.. لا يُعرف على وجه الدقة وقت ظهور الانكشارية، لكن يرجعها المؤرخون إلى عهد أورخان الأول 1324، حين عُرضت عليه فكرة لمستشاره قرة خليل لتأهيل أسرى الحروب من الغلمان والشباب ببرمجة عقولهم واحداث قطيعة بينهم وبين أصولهم، وتربيتهم تربية دينية، ويكون السلطان راعياً وأباً روحياً لهم، فيصبح ولائهم المباشر له، وتكون الحرب باسمه هي حرفتهم الوحيدة..

تنوعت أساليب جمع الجند الانكشارية وتطورت لدى سلاطين الدولة العثمانية، إذ باتوا يأخذون من أبناء الأسر المسيحية وفق مبدأ التجنيد ما يسمى "الدوشرمة" في عمليات جمع دورية تجلب عناصر جديدة تتم كل ثلاث إلى خمس سنوات، حتى قارب عددهم 12000 مجند.. ربما لا تتمتع تلك الرواية بمصداقية كافية، لكن الثابت أن الدولة العثمانية كغيرها من الامبراطوريات الاستعمارية لم تعرف تسامحاً خالصاً مع رعاياها على الرغم مما حاولوا زعمه، وربما كان نظام السخرة في مصر إبان حكمهم خير دليل على هذا.. وكذلك هناك العديد من الشواهد تدلل على أن هناك من أُجبروا على تغيير دياناتهم، وحرمانهم من ممارسة طقوسهم حتى مع التزامهم بدفع الجزية، وقد ترك هذا جرحاً غائراً في المجتمع المسيحي تحت مظلة السلطنة العثمانية، خاصة أن هناك روايات مازالت متداولة أوروبياً عما يسمى ضريبة الغلمان التي تبيح للعثمانيين انتزاع خُمس عدد أطفال كل مدينة أو قرية نصرانية احتلوها باعتبارهم خُمس الغنائم، وقد ذكر كل من كارل بروكلمان وهاملتون جب وهما من المستشرقين العنصريين في كتاباتهما تفاصيل كثيرة عن هذه الضريبة مما أكسبها شيئا من المصداقية، على الرغم من عدم وجود أدلة قاطعة على وجودها.

اختير هؤلاء الانكشارية في سن صغيرة، وتمت تربيتهم تربية عسكرية في معسكرات خاصة، بالإضافة لتلقيهم علوم انسانية ودينية ودروس في اللغة، وكانوا أثناء فترة التعليم يُقسّمون لثلاث مجموعات، الأولى يتم اعدادها للعمل في القصور السلطانية، والثانية تُعد لشغل الوظائف المدنية الكبرى، والثالثة تُعد لتشكيل فرق المشاة في الجيش العثماني..

وقد حرصت الدولة على عدم اتصال هؤلاء بذويهم، وفرضت عليهم التزام الثكنات في وقت السلم، وتم تنشئتهم على عقيدة الجهادية وحب الشهادة واسترخاص الحياة والاستماتة في النزال.. وجرت العادة أن ينقش هؤلاء الجنود شاراتهم المميزة على أذرعهم وسيقانهم بالوشم، وقد عرف عنهم كفايتهم القتالية وضراوتهم التي تصل لحد الوحشية، وكانوا أداة رهيبة في يد الدولة العثمانية خلال حروبها..

لكن سرعان ما تحول الانكشارية لمراكز قوى، وكانوا سبباً في انتشار القلاقل والفتن، وتدخلوا في شئون الدولة وزجوا بأنفسهم في الأمور السياسية العليا.. وكان منهم أن عزلوا السلطان عثمان الثاني ثم قتلوه عام 1622، وفعلوا نفس الشيء مع السلطان إبراهيم وقاموا بخنقه 1648، وقتلوا حسن باشا الصدر الأعظم في عهد السلطان مراد الرابع 1632..!

ومع بدايات القرن 19 حاول السلطان محمود الثاني اقناع الانكشارية بالانخراط في عملية تحديث الجيش، فرفضوا وقادوا حركة تمرد واسعة انتهت باغتيالهم مصطفى باشا البيرقدار الصدر الأعظم في ولاية السلطان محمود الثاني.. وكان صباح 15 يونيو 1826، حين خرجت قوات السلطان إلى ميدان الخيل بإسطنبول حيث كانت ثكناتهم واماكن احتشاد فيالقهم المتمردة، وبعد قليل أحاط رجال المدفعية الميدان وصوبوا مدافعهم تجاه الانكشارية من كل اتجاه، فحصدوهم بعد أن عجزوا عن المقاومة وسقط منهم قرابة ستة ألاف قتيل.. وبهذا اليوم الذي عرف تاريخياً بالواقعة الخيرية انتهى رسمياً أي تواجد رسمي لتلك التنظيمات بعد أن كانوا في بادئ الأمر شوكة في حلق أعداء الدولة العثمانية..

إذاً.. هل أعاد التاريخ نفسه مع هؤلاء المرتزقة الملثمون مجهولي الهوية..؟ وما سر هذا التشابه المذهل في السلوك الهمجي ذو الخلفية المتشددة..؟ ظني أن هناك ثمة علاقة تاريخية هنا.. أو ربما محاولة لاستعادة ملامح الماضي عن طريق توظيفهم في الأعمال القذرة كالتهريب، والإرهاب والنهب والترويع، وبالطبع لفرض واقع معين.. وقد باتت الأمور أكثر وضوحاً بعد الرفض الخائب لأردوغان الاعتذار لروسيا عن استهداف طائرتها واسقاطها بلا داعي، وفتح روسيا لملفات ربما تبوح بوجود ملامح رعاية تركية رسمية لهؤلاء الهمج..!

أياً كان عنوان الحقيقة، فلا شك أن الورطة الفعلية هي عقدة تداخل المصالح بين الأطراف الفاعلة على أرض العرب من غير العرب وما أكثرهم.. وأجزم أن الغرب ليس بغافل عن هذا بما له من تورط مباشر، وبما يملكه من أسرار ستظل حبيسة الأدراج حتى إشعار أخر..!

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان