بنوك العيون في مصر خارج الخدمة.. (تحقيق)
تحقيق- علياء أبوشهبة:
احمرار مفاجئ ظهر في عين الفتاة هنا طارق ظنت والدتها في البداية أنه مجرد "دمل" سرعان ما يختفي، لكنه كان في حقيقة الأمر تجمع صديدي أدى فقدان هنا التي لم تتجاوز عامها ال14 للبصر في عينها اليسرى.
على الفور توجهت والدة هنا إلى مستشفى مشهور لعلاج العيون في المهندسين لتعرف الحقيقة الصادمة وهي أن ابنتها تحتاج إلى جراحة زرع قرنية لكي تتمكن من الرؤية بعيناها مرة أخرى، وذلك مقابل 30 ألف جنيها شاملة ثمن القرنية التي يتم شرائها من الخارج، وهو المبلغ الذي لم تتمكن أسرة هنا من تدبيره ومازالت الفتاة الجميلة المتفوقة دراسيا تنتظر الأمل عبر قائمة الانتظار التي انضمت إليها في جمعية رسالة، وهي الجهة الوحيدة التي لجأت إليها الأسرة للحصول على المساعدة.
الفتاة الجميلة هنا واحدة من مليون مصري مهددين بالعمى وفقا للإحصائيات التي أعلنتها منظمة الصحة العالمية، والذين ينتظرون زرع القرنية من أجل إنقاذهم من العمى، وكان بنك العيون في القصر العيني أول بنك تم تأسيسه تلاه بنك عين شمس ثم روض الفرج، ثم توقفوا وأصبح القصر العيني البنك الوحيد.
رغم عدم إجازة قانون نقل الأعضاء المثير للجدال دائما لما يشمله من جوانب تشريعية وقانونية لم يتم حسمها، لكن أجاز المشرع المصري منذ عام 1962 أجاز التبرع بالقرنية من الشخص المتوفى.
حدد القانون القانون رقم 103 وتم تعديله فى عام 2003، الأشخاص الذين تستأصل قرنيتهم وهم المتبرعون بالقرنية بناء على وصية مكتوبة وقتلى الحوادث الذين تأمر النيابة بتشريح جثثهم والموتى فى المستشفيات، وفى الحالة الأخيرة لا يشترط موافقة أحد.
القصر العيني ملاذ الباحثين عن أمل
9 ألاف عملية زرع قرنية هي إجمالي عدد العمليات التي أجريت في بنك العيون في مستشفى القصر العيني منذ افتتاحه عام 1989، ويوجد 4500 شخص على قوائم انتظار البنك في انتظار متبرعين، مقابل حوالي ألف شخص على قائمة المتبرعين.
مصراوي إلتقى دكتور عصام عبدالغفار، مدير بنك العيون في مستشفى القصر العيني، والذي بدأ حديثه مؤكدا على ضرورة انتشار ثقافة التبرع بالقرنية لأن مقابلها منح النور لعيون إعتادت الظلام، وهو أمر يستحق التبرع ويعتبر صدقة جارية، لافتا إلى أن التبرع عبر البنك يقي المريض خطر الإصابة بالأمراض الفيروسية التي تنقل عبر الأنسجة والدم منها الفيروسات الكبدية والإيدز والزهري، إذا لم تجر الاختبارات على المتبرع قبل العملية يصبح المريض معرضا للإصابة في حالة شراء القرنية من الخارج نتيجة عدم معرفة التاريخ المرضي للمتبرع ولا يمكن معرفته من القرنية ولا تلتزم بعض البنوك الأمانة.
وعرف دكتور عصام عبدالغفار القرنية بأنها الجزء الشفاف أو الجدار الخارجي الذي ينفذ الضوء من خلاله، وهي قوة عدسية لكي يحدث انكسار الضوء بالشكل المطلوب، ينبغي أن تكون شفافة لأن فقدانها لشفافيتها يؤدي إلى ضعف الإبصار وبالتالي العتامة.
أسباب فقد القرنية
عن الحالات المرضية التي تحتاج إلى إجراء ترقيع للقرنية أشار مدير بنك العيون إلى وجود ما يسمى "القرنية المخروطية"، وهناك استعداد جسماني لدى أشخاص معينين للإصابة به، و يزداد في سن المراهقة من 15 سنة ويزداد حتى سن الثلاثين ويحدث انكسار الضوء بشكل عشوائي تحدث شخبطة وتصبح الرؤية مشوشة.
كما أن الإصابة ب"قرح القرنية" و"الإلتهابات الميكروبية" وغيرها من الأمراض التي تصيب القرنية وتتمثل في تأكل جزء من نسيج القرنية وقد يستمر تأكله حتى يحدث ثقب، هذا بخلاف الالتهابات الميكروبية مثل الخراج أو الصديد، أو انتشار الميكروب في باقي أنسجة العين والإلتهاب الصديدي، وهي حالة إذا لم تجر عملية ترقيع القرنية بشكل فوري يصبح المريض مهددا بفقد العين، أي أنها حالة اضطرارية، يتم نقلها من شخص متوفى حديثا سواء في الطوارئ أو لأسباب أخرى،أما الحالات الأخرى يعتبر ترقيع القرنية غير اضطراري.
"لا يوجد ما يعرف بالقرنية الصناعية" هذا هو ما أكد دكتور عصام عبدالغفار، مضيفا أن العملية يتبعها وضع قرنية صناعية للشخص المتوفى حفاظا على جثمانه.
قوائم الانتظار في بنك العيون بها مرضى منذ عام 2007 لذلك أوضح مدير بنك العيون أن هناك ألية للقوائم تحكمها معايير منها أولوية الشخص الكفيف الذي لا يرى بكلا عينيه، وأيضا الأولوية للأصغر سنا حتى يتمكن من التعلم وبدء حياته، هذا بالإضافة إلى الأسبقية في قائمة الانتظار.
عملية التبرع
"أي مستشفى في مصر يمكن أن تجرى بها عملية ترقيع القرنية لكن عملية التبرع لا تتم حاليا إلا في مستشفى القصر العيني" هذا هو ما أكده مدير بنك العيون.
وأوضح دكتور عصام عبدالغفار أن اختيار القرنية أن إجراء الجراحة يتطلب التقارب في العمر بين المتبرع والمريض، ويفضل أن يكون المتبرع متوفى حديثا، وأن تتم العملية في المسشتفيات التي تضم بنوك للعيون، ويتم حفظها في محلول لمدة لا تتجاوز 15 يوم، ونظرا إلى طول قائمة الانتظار يتم إجراء الجراحة بشكل فوري بمجرد توفر القرنية، وذكر حالة مريض مقيم في حلايب تم استدعاءه على الفور عند توفر القرنية لإجراء الجراحة.
كانت بداية تأسيس بنكي العيون في القصر العيني وعين شمس خاضعا لإشراف إتحاد بنوك العيون العالمي، وبمساعدة خبراء من إتحاد بنوك العيون العالمية TBI ، ثم حدث توقف في بنك عيون عين شمس، وأصبح القصر العيني هو البنك الوحيد العامل في مصر، رغم تأسيس بنك للعيون عام 2010 في المركز القومي للعيون في روض الفرج إلا أنه لا يعمل وفقا لنفس النظام، ويقتصر دوره على استقبال القرنيات المستوردة مثل أي مستشفى خاص.
أوضح مدير بنك العيون أن المتبرع يسجل بيانته في كارت التبرع يعقبها إجراءات فحوصات شاملة للتأكد من عدم إصابته بأي مرض فيروسي فضلا عن فحص جودة القرنية، إلا أن ذلك لا يلزم أسرة المتبرع إبلاغ البنك عند وفاته، وذلك نظرا لعدم وجود ثقافة التبرع وروى قصة شاب طلب التبرع في حياته مبررا ذلك بأن أسرته لن توافق على تنفيذ وصيته بالتبرع بعد وفاته.
وذكر دكتور عصام عبدالغفار أن موقف الأديان واضح ومحدد بشأن التبرع، والمفتي وصفه بأنه "صدقة جارية"، كما أن الكنيسة لها نفس الموقف، لأن الأديان كلها ترعى الإنسان، وما يترتب على التبرع أن شخصا أخر سوف يتمكن من الإبصار والاستمتاع بحياته.
من أجل توسيع دائر الاستفادة بالقرنيات في حالة توفرها أوضح دكتور عصام عبدالغفار أن بنك العيون نجح مؤخرا في توفير جهاز يعمل بأشعة الليزر يمكن من خلاله تقسيم القرنية المتبرع بها إلى جزئين واستخدامها مع حالتين لترقيع الأجزاء الداخلية والخارجية من القرنية، ما يقلل بدوره قائمة الانتظار.
في بعض الأحيان لا عملية زراعة القرنية لأن العين ت تلفظ العضو الجديد لكن بنسبة أقل من أي عضو في الجسم لأنها عضو غير دموي وهي نسبة قليلة جدا.
بدأ الطفل عبدالرحمن سمان، قبل ثلاث سنوات في تعلم لغة "برايل" لكي يتمكن من القراءة، حتى لا يرهق عينه المبصرة بدرجة بسيطة فاقدا الأمل في الإبصار بعينيه، عبدالرحمن ولد مصابا بالمياه البيضاء وأجريت له ثلاث جراحات لإزالة المياه البيضا وفي سن 6 سنواتحاولت أسرته إجراء جراحة زرع عدسة لكن العملية لم تتم لأنه يحتاج إلى زرع قاع العين.
مرت سبع سنوات لم تتمكن أسرة عبدالرحمن خلالها من توفير المبلغ اللازم لإجراء العملية الجراحية، ولم يجدوا سوى أبواب جمعية رسالة لطرقها بحثا عن متبرع يساعد الفتى المهتم بالفك والتركيب والحالم أن يكون مخترعا ليحقق حلمه ويعيش مثل أخوته، "لا نملك ثمن العملية والده سائق بسيط، لكن لدينا أمل مع قرب شهر رمضان بتوافد المتبرعين، فهذا هو الأمل الذي نعيش من أجله".
روض الفرج بنك خارج الخدمة
المحطة التالية كانت بنك العيون في المركز القومي للعيون في روض الفرج، وكان يطلق عليه مستشفى رمد روض الفرج، تأسس البنك عام 2010 بناء على قرار وزاري من الدكتور حاتم الجبلي، وزير الصحة السابق، بهدف اخذ القرنيات من المتبرعين المتوفين، وزرعها للمريض، وهي العملية التي حدثت 9 مرات فقط قبل التوقف المفاجئ للبنك بعد قيام ثورة يناير.
في الدور الثالث يقع بنك العيون، وهو مكان جيد التأهيل يكاد يكون جديد تماما، ليس من الناحية الإنشائية فقط ولكن أيضا من حيث الأجهزة الفنية والثلاجة المعدة لاستقبال قرنيات المتبرعين، والتي أصبحت الآن مقتصرة على استقبال القرنيات المستوردة من الخارج.
مصراوي إلتقى دكتورة نيرة أحمد، مدير بنك العيون ونائب مدير المركز القومي للعيون، والتي قالت إن البنك مؤهلا فنيا للعمل، وكان بدأ في استقبال متبرعين الفعل، لكن بعد الثورة لم نجر أي جراحات وتم تحويل قوائم انتظار المرضى إلى مستشفى القصر العيني لأنهم لديهم تدفق عددي كبير ومستمر.
ما تأسف عليه دكتورة نيرة أحمد هو التغيير الثقافي المتعلق بالتبرع الذي كان البنك بدأ فيه، لأن من يمنح قرنيته بعد وفاته يعطيها لشخص أخر تتغير حياته.
أوضحت أيضا الدور الحالي للبنك والذي يعتبر وسيط لإجراء عملية زرع القرنية المستوردة من الخارج عبر الشركات الخاصة، لافتة إلى أن القرنية تأتي من البنوك الأمريكية المعتمدة من وزارة الصحة، وهي ضمان لخلوها من الفيروسات، لكن ذلك لا يعني إجراء الاختبارات على القرنية للتأكد من شفافيتها وملائمتها لحالة المريض المراد إجراء الجراحة له، لافتة إلى رفض قرنيات غير شفافة وطلب استبدالها من الشركة المستوردة لتجنب تكلف المريض مصروفات العملية بدون فائدة.
أشارت دكتورة نيرة إلى أن بعض المتبرعين يقصدون البنك بشكل مباشر لطلب التبرع وبعضهم يختار مواصفات معينة للمتبرع له أن يكون طفلا على سبيل المثال، أو فاقدا للرؤيا في كلتا عينناه، كما أن بعض الجمعيات تتبرع بإجراء العملية وشراء القرنية ومنها جمعيتي رسالة والأورمان.
ولفتت إلى أن أسعار القرنيات المستوردة من الخارج مرتبطة بسعر الدولار وكان سعرها قبل الثورة لا يزيد عن 4 آلاف جنيها وأصبحت الآن تبدأ من 8 ألاف جنيها، وتصل إلى 10 ألاف، وطالبت بدخول وزارة الصحة مجال استيراد القرنيات في مواجهة الشركات الخاصة ما ينعكس بدوره على تقليل أسعار القرنيات، ما ينعكس بدوره على المرضى.
يجري البنك عمليتان في الشهر في المتوسط وهو ما يعتمد على أعداد المتبرعين، وتذكر حالة طفل كان يعيش مع جدته بعد انفصال والديه ونجح في الحصول على متبرع ونجحت الجراحة لكنه لم يلتزم بالتعليمات بعد الجراحة وخرج في بيئة ملوثة لتفشل العملية رغم نجاحها الأول، وذلك بسبب الجهل.
تتراوح نسب نجاح عملية زراعة القرنية بين 60 إلى 70% حسب الحالة والسن، وكلما كان السن صغيرا وفيه إلتزام بالتعليمات كلما زادت نسبة نجاح العملية.
بورصة القرنيات
شركات البصريات هي الوسيط الذي يتم من خلاله شراء، مصراوي تواصل مع بعض الشركات تبدأ أسعار القرنيات من 7 ألاف جنيها وتتدرج لتصل إلى 12 ألف جنيها، وهو المبلغ الذي أفاد به مسؤول في إحدى المستشفيات الخاصة المشهورة في المعادي، مضيفا أن إجمالي تكلفة العملية 30 ألف جنيها.
مندوب إحدى الشركات أكد على إن إجراءات الاستيراد لا تأخذ وقتها طويلا مشيرا إلى أن القرنية يتم الإفراج عنها فور وصولها إلى المطار، وذلك خوفا من إنتهاء صلاحيتها والتي لا تزيد عن 15 يوم.
مندوب أخر تحدث بثقة عن كفاءة القرنيات التي يتم استيرادها مؤكدا على أنها غير معتمة إلا أنه أوضح أن مسألة الإصابة بالفيروسات لاسيما الكبدية أمر وارد لكن مقابل عودة القدرة على الإبصار تعتبر ضريبة بسيطة.
وأفاد مندوب شركة أخرى أن القرنيات المستوردة من أمريكا أكثر أمان من مثيلتها المستوردة من الدول الأسيوية وذلك فيما يتعلق بنقل الفيروسات لذلك فهي الأعلى سعرا.
فيديو قد يعجبك: