محمد زارع: قانون الجمعيات يُغلق الباب في وجه العمل الأهلي وحديث اللائحة التنفيذية "فض مجالس"
حوار ـ هاجر حسني:
تصوير- محمود أبو ديبة:
بموافقة مجلس النواب على قانون الجمعيات الأهلية أُثيرت مخاوف لدى العاملين بالعمل الأهلي من تأثير القانون على نشاطهم، وصف البعض القانون بأنه نهاية المجتمع المدني، وهو ما اتفق معه محمد زارع، مدير برنامج مصر بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، في حواره لمصراوي، حيث أكد أن القانون به مطاعن دستورية واضحة ويؤثر على عمل الجمعيات الصغيرة التي تتحمل أعباء بدلاً من الدولة.
وإلى نص الحوار:
كيف ترى الأجواء التي خرج فيها القانون؟
القانون تم تقديمه إلى رئيس مجلس النواب بتاريخ 9 سبتمبر من العام الحالي وتم التعامل معه بسرية تامة وأصبح القانون متاح يوم الأحد 11 نوفمبر، ويوم الثلاثاء الذي تلاه البرلمان وافق عليه من حيث المبدأ وناقش 40 مادة منه وخلال اليوم الثاني ناقش بقية المواد ووافق عليها ثم إحاله إلى مجلس الدولة، كما أن الحكومة لم يكن لديها علم بالقانون، وبعد أن ظل أسبوع في مجلس الدولة الذي لم يُجري على القانون أية تعديلات سوى ضبط لغوي وإملائي وتجاهل دوره الأساسي في مطابقة القانون للدستور للتأكد من دستورية مواده، ما يؤكد ذلك هو أن القانون الذي خرج من البرلمان في النهاية لم يختلف عن المسودة التي تم إرسالها لمجلس الدولة.
وما تفسيرك للطريقة التي خرج بها القانون؟
لا أعلم، هذه المرة الأولى التي أرى فيها مشروع قانون يخرج بهذه الطريقة، حتى في عهد الرئيس الأسبق مبارك عندما خرج قانون 153 لعام 1999 تم عرضه لنقاش مجتمعي، وكذلك قانون 84 لعام 2002.
ولكن لجنة تضامن البرلمان تستشهد بمرور القانون على مجلس الدولة لتؤكد دستوريته، ما رأيك؟
ختم مجلس الدولة على القانون لا يعني أنه مُحصن دستورياً وخير مثال على ذلك المادة 10 من قانون التظاهر والذي أُصدر بواسطة رئيس المحكمة الدستورية عدلي منصور عندما كان رئيس جمهورية، وأثبتت المحكمة الدستورية خلال الأيام الماضية أن هذه المادة تخالف الدستور.
ما المواد التي يخالف فيها القانون الدستور؟
القانون به مطاعن دستورية واضحة وضوح الشمس والمادة 75 من الدستور واضحة وتنص على أن التأسيس بالإخطار حل الجمعيات عن طريق القضاء، وأن تعمل الجمعيات بحرية وعدم التدخل في نشاطها إلا بإذن قضائي، وما يحدث بناءً على القانون هو أن الجهة الإدارية تتدخل في عمل الجمعيات دون إذن قضائي مثل رفض شخص مرشح لانتخابات مجلس إدارة الجمعية، كما أن التأسيس ليس بالإخطار لأن وجود كلمة الإخطار في القانون لا تعني بالضرورة تنفيذها لأننا لو نظرنا إلى إجراءات الإخطار سنجد أن الجمعية إذا لم تحصل على الموافقة باستمرار العمل خلال أول 60 يوما لن تستطيع فتح حساب بنكي وبالتالي لن تستمر في عملها.
وما المخالفات الدستورية فيما يخص بنود عمل الجمعيات؟
المادة الدستورية الخاصة بتكوين الجمعيات تحدثت عن الأنشطة المحظورة ومنها الميليشيات العسكرية والأنشطة السرية، ومشروع القانون وضع محظورات غير موجودة في الدستور وهي أن يكون نشاط الجمعية متوافق مع احتياجات المجتمع وملائم لخطة التنمية ولا يضر بالأمن القومي، وجميعها مصطلحات واسعة وغير محددة، كما أن المادة حظرت القيام بأنشطة أحزاب أو نقابات والدستور لم ينص على كل ذلك.
ولكن البعض يُرجع تفسير المواد إلى وجود لائحة تنفيذية ستعمل على ضبط النصوص الفضفاضة، تتفق أم تختلف؟
اللائحة التنفيذية لا تُضيف أحكام ولكنها تُفسر أحكام موجودة، وهذا يحدث عندما يكون هناك نص مبهم فيتم تفسيره في اللائحة، كما أن اللائحة التنفيذية ستضعها الحكومة وليس البرلمان ولذلك فالحديث عن اللائحة "فض مجالس" وإذا كان هناك مشكلات فكان لابد من البداية النص عليها بوضوح في القانون ووضع قيود على اللائحة التنفيذية حتى لا تتعارض مع نصوص القانون وتفرغها من مضمونها، ولكن ما حدث هو أن القانون هو الذي يفرغ المادة الدستورية من مضمونها.
إلى أي مدى يختلف القانون مع المواثيق الدولية؟
"القانون ماشي في سكة والمعايير الدولية في سكة تانية" والمادة 22 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي تتحدث عن تكوين الجمعيات تم التعامل معها بأداء "ولا تقربوا الصلاة"، لأن المادة أكدت أن حرية تكوين الجمعيات مكفولة، ويجوز فرض قيود عليها عندما يكون هناك دلائل جادة على أن هذه الجمعية تسبب خطراً على الأمن القومي، ولكن المفوض الأممي المعني بحرية تكوين الجمعيات والتجمع السلمي وضع للمادة تفسيرات، والمشرع المصري لم يلتفت للتفسيرات ووضع مصطلح الخطر على الأمن القومي دون تفسير.
بعض الآراء تذهب إلى أن مسودة قانون الحكومة كانت أفضل من قانون مجلس النواب، تتفق أم تختلف؟
الفروق بين مشروع قانون الحكومة وقانون البرلمان وقانون 84 ليست بعيدة، فالثلاثة قوانين سيئة ولكن هناك تدرج في السوء أسوءهم قانون البرلمان ثم قانون الحكومة الكارثي وقانون 84، فهو أسوأهم ولكن هذا لا يعني أن القوانين الأخرى جيدة.
ماذا عن مسودة 2014؟
كنت عضو في اللجنة التي وضعت هذه المسودة ولكني أيضاً كان لدى تحفظات على المسودة الأخيرة التي خرجت ولكن بالرغم من كل التحفظات إلا أنني أستطيع القول بأنها أفضل مسودة لقانون الجمعيات خرجت من الحكومة خلال 60 عاما مضي، كان يوجد بها غرامات ولكن كان بها أيضاً حقوق وحريات، نعم كان بها بعض المشكلات ولكن كان من الممكن تلافيها بعد النقاش.
ولماذا لم يتم إقرار هذه المسودة؟
لأنه لا يوجد إرادة سياسية لحرية تكوين الجمعيات الأهلية ولذلك لم يخرج القانون، وبوجود أفضل نص لن يتم تطبيقه إذا كانت الإرادة السياسية غائبة.
وهل هناك قوانين في بلاد أخرى كان يمكن أن تكون مرجعاً في وضع القانون؟
القوانين مجرد إعلان نوايا بمعنى أنها حبر على ورق الدستور نفسه ليس له قيمة إذا لم يطبق وحتى إذا تم الإستعانة بقوانين من بلاد أخرى لن تكون مجدية، والمواد الخاصة بتنظيم الجمعيات في القانون المدني المصري منذ عام 1945 وحتى 1952 كانت 30 مادة تم إلغائهم في عام 1956 وكانت تتحدث عن الفكرة الطبيعية للجمعيات الأهلية بأنها تقدم خدمات وعليها التزامات ولها حقوق دون طلب تصريح عند تكوينها، وأي التزامات تكون تعاقدية وهذه المواد تتفق مع المعايير الدولية قبل أ يكون هناك معايير دولية وتعد أفضل مواد لعمل المنظمات.
ولكن مبرر وجود هذه الإجراءات المتشددة في قانون البرلمان هو أن البلاد تمر بمرحلة صعبة، ما ردك؟
الفترة التي أتحدث عنها في عام 1945 كانت فترة كوارث حقيقية وهي نهاية الحرب العالمية الثانية وحرب فلسطين وحريق القاهرة وثورة 52 بالطبع ولن نستطيع مقارنتها إطلاقاً مع الظروف الحالبة.
ولكن ألا تمثل الحالات التي ذكرها القانون خطورة على الأمن القومي مثل نقل المقر أو تغيير نشاط الجمعية؟
ما الضرر على الأمن القومي عندما تُغير الجمعية مقرها دون إخطار، أو عند انتخاب رئيس مجلس إدارة جديد أو العمل في نشاط آخر مشروع ولكنه لا يتوافق مع خطط تنمية الدولة، ما الضرر إذا كانت الجمعية تعمل على ما يخص الأمومة والطفولة ثم غيرت نشاطها للعمل على البنية التحتية.
فيما يخص إثارة الفتن، كيف رأيت هذه المادة؟
السؤال هنا هو هل إذا عملت جمعية على نماذج اضطهاد أقلية ما وحصلت على شهادات من أشخاص يعتبر ذلك إثارة فتنة أم حق في المعرفة، أو مناقشة قضية عامة، حتى إذا تم اعتباره تحريض فهناك نص في قانون العقوبات يعاقب على هذا الأمر، فهل الحديث حول الفتنة الطائفية يهدد الأمن العام أم الفتنة نفسها؟.
المادة الخاصة بالعقوبات سالبة الحرية واجهت انتقادات، كيف رأيتها؟
هذا القانون ينظم حق دستوري وكان من الممكن أن يصدر دون عقوبات، بل على العكس كان من المفترض أن تكون العقوبات الموجودة به مفروضة على الحكومة إذا تأخرت مثلا في إجراءاتها مع الجمعية.
ولكن مبرر وجود العقوبة هو أن بعض الجمعيات تمارس نشاط مشبوه والعقوبات الإدارية لا تكفي في هذه الحالة؟
هناك قانون عقوبات يُحاسب مرتكب مثل هذه الجريمة، كما أن البعض قد يشرع في تأسيس شركة للاستيراد والتصدير على سبيل المثال ثم يمارس في الخفاء نشاط مشبوه كتجارة السلاح التي تهدد الأمن الوطني، في هذه الحالة سيُعاقب بناءً على قانون العقوبات والجمعيات الأهلية كانت لابد أن تكون كذلك، فلماذا إذن المادة.
كيف ترى استحداث جهاز للإشراف على عمل الجمعيات الأجنبية غير الحكومية؟
هذا الجهاز مكون من حوالي 11 جهة، فلنا أن نتخيل أن جهاز بهذا الحجم يضم ممثلين لوزارة الدفاع والمخابرات والعدل يشرف كمثال على جمعية لدفن الموتى، لا يوجد منطق في هذا الحديث، ولذلك في وجهة نظري أن هذا القانون لم يأتِ من البرلمان ولم يضعه نواب، ولا أعرف مصدره ولكن البرلمان تبناه وناقشه.
ما تأثير هذا القانون على عمل المنظمات الحقوقية؟
القانون لم يذكر نشاط حقوق الإنسان أو حقوق المرأة ولكن تحدث عن الخيري والتنموي فقط، ولذلك فالقانون لا يخاطب المنظمات الحقوقية الحالية ولكنه يضمن عدم إشهار منظمات أخرى مستقبلاً، ولذلك فالمنظمات الحقوقية لن تتأثر بشكل كبير من القانون لأن هناك مسائل أخرى حولها مثل قضية التمويل الأجني التي أدانت عدد من المنظمات.
وهل يمثل القانون نهاية العمل الأهلي في مصر كما وصفه البعض؟
نعم، القانون أغلق الباب في وجه المنظمات التي تنوي العمل في المجال التنموي في القرى الصغيرة، فهو خرج ليخاطب فئة معينة وهي الجمعيات الكبيرة مثل مصر الخير ورسالة ولكن بالنسبة للجمعيات الصغيرة ليست في حسبانهم فهذا القانون يقتل الجمعيات الصغيرة.
وما السبب؟
لأن الجمعيات الموجودة حاليا لكي توفق أوضاعها لابد من دفعها رسم لا يزيد عن 10 آلاف جنيه وأن يكون النشاط الذي تقوم به منصوص عليه في أنشطة القانون إلى جانب وجود جهة أو شخص لا نعلم صفته من شأنه تقييم هل عمل الجمعية يتوافق مع احتياجات المجتمع وخطط التنمية أم لا، ولذلك فالقانون جعل الدولة هي من تنشأ الجمعيات الأهلية وبذلك تفقد استقلاليتها.
في رأيك.. ما الذي يترتب على وقف أنشطة هذه الجمعيات؟
هذه الجمعيات تحمل عبئاً كبيراً عن الدولة مثل المستوصفات الطبية والجمعيات التي توفر وحدات الغسيل الكلوي على سبيل المثال، وهذه الجمعيات أصبحت مُهددة بوقف عملها وهو ما سيجعل هذه الأعباء تظهر بشكل كبير ولذلك من يتحدث عن أن القانون خرج للحفاظ على الأمن القومي أقول له إن هذا القانون هو حرفياً خطر على الأمن القومي، ولذلك لا أفهم المنطق الذي خرج به القانون.
بفرض أن الرئيس لم يُصدق على القانون وأعاده مرة أخرى إلى البرلمان، هل من الممكن إجراء تعديلات عليه؟
لابد أن يُغير البرلمان فلسفته العدائية تجاه الجمعيات الأهلية وليس تعديل مادة أو اثنين فقط، كما أن الدولة تحتاج لإعطاء فرصة إلى المبادرات الفردية التي ربما تُحدث تغييراً، كما أن الدولة ليست على قدر كبير من الخبرة فيما يخص التنمية وعليها ألا تنقل هذا الفشل إلى المجتمع الأهلي.
فيديو قد يعجبك: