تقرير- هل ينتهي "شهر العسل" الأمريكي التركي بسبب غولن؟
كتب- محمد سعيد:
تصعيدُ في الأحداث منذ ليلة السبت 16 يوليو، وإعلان الجيش التركي سيطرته على البلاد، قبل أن يُعلن الرئيس رجب طيب أردوغان بعد ساعات، فشل محاولة الانقلاب، معتبرًا هذه التحركات بأنها "إهانة للديمقراطية واستهانة بالشعب"، محملًا أنصار فتح الله غولن المسؤولية.
ورغم توجيه أصابع الاتهام له، أدان الداعية الإسلامي غولن، محاولة الانقلاب، قائلًا: "من المسيء كثيرًا بالنسبة لي كشخص عانى من انقلابات عسكرية عديدة في العقود الـ 5 الماضية، أن أُتهم بأنني على ارتباط بمثل هذه المحاولة."
قال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرنست، 19 يوليو، في الموجز الصحفي اليومي، من واشنطن إن "الإدارة الأمريكية تلقت طلبًا تركيًا رسميًا لتسليم فتح الله غولن"، مشيرًا إلى أن الطلب جاء بحسب اتفاقية تبادل المطلوبين بين البلدين الموقعة قبل 30 سنة من قبل الحكومتين.
"حكومة أردوغان دائمًا ما تروي الخيال على أنه حقيقة"، يقولها محمد علي أصلان نائب حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، تعليقًا على تأكيدات أردوغان بضلوع غولن في الترتيب لمحاولة الانقلاب العسكري. مضيفًا أن "سياسات أردوغان وحزبه قمعية، بعيدة عن الديمقراطية التي لطالما يتفاخر بها".
ولكن أصلان لم يستبعد أن يكون ما وصفهم بـ"مُحبي" غولن وجماعته رتبوا بالتنسيق مع قيادات الجيش لمحاولة الانقلاب، قائلًا: "أردوغان يجني ما فعله حينما زاد من صلاحيات الجيش في العام الأخير، فهم انقلبوا عليه". مضيفًا في تصريحات هاتفية من مدينة بطمان التركية، التي تقع جنوب شرقي البلاد، "نحن الأكراد معارضين لأردوغان وسياسته وحزبه، لكننا رافضين لمحاولة الانقلاب العسكري".
وفي نفس السياق، وردًا على اتهامات بضلوع غولن في محاولة الانقلاب العسكري التركي، يقول المحلل السياسي، تيسير النجار، "منذ أن تم نفيه ولم يعد له أظافر، ولكن أردوغان أراد أن يتخلص من معارضيه مستغلًا ما حدث، لاسيما وأن البعض في تركيا يعتبر غولن امتداد للعلمانية التي أسس لها مصطفى كمال أتاتورك".
"تصعيد"
"غولن يعيش مسالمًا وبالتوافق مع القوانين الأمريكية، ولو كان الأمر على غير ذلك، لأعلنّا شيئا بهذا الصدد"، قالها المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، مارك تونر، في مؤتمر صحفي، 18 يوليو. فيما شدد مسؤول أمريكي، وفقًا لقناة روسيا اليوم، أن الولايات المتحدة لا تتوفر لديها معلومات تشير إلى ضلوع غولن في التطورات الأخيرة التي تمر بها تركيا خلال الأيام الماضية.
وردًا على واشنطن، صعّد رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، 18 يوليو، الضغط لتسليم كولن، وقال "سنُصاب بخيبة الأمل إذا طلب منا أصدقاؤنا (الأمريكيون) تقديم الدليل على الرغم من أن أفرادًا من منظمة القتل يحاولون تدمير حكومة منتخبة بموجب توجيهات من ذلك الشخص" في إشارة إلى غولن ومؤيديه داخل وخارج تركيا. وأضاف يلدريم "في هذه المرحلة قد يكون هناك تشكك في صداقتنا."
رجل الدين غولن انتقل عام 1999 للعيش في منفاه الاختياري بالولايات المتحدة، حيث يقيم في منطقة جبال بوكونو في ولاية بنسلفانيا الأمريكية. بعدها بفترة استشعر أردوغان الذي وصل للسلطة في بفوز حزبه –العدالة والتنمية – في الانتخابات، بالخطر من حركة خدمة، التي اتهمها بأنها تسعى لتأسيس كيان موازٍ للدولة، والتغلغل في أجهزة الدولة، لاسيما في الشرطة والقضاء والجيش، ولكن سرعان ما صنفتها الحكومة بـ"الإرهابية" على غرار حزب العمال الكردستاني.
سبق هذه الفترة، ما وُصف بـ"شهر عسل" بين الرجلين، حيث دعم غولن أردوغان في سنوات حكمه الأولى منذ 2003 قبل أن يختلف معه فيما بعد، حيث ظهرت الخلافات علنًا منذ أواخر 2013، بعد أن كشف قضاة قيل إنهم من أنصار غولن فضيحة فساد داخل أجهزة الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان.
غولن الذي يُوصف الآن بأنه "العدو اللدود" لأردوغان، دعا الولايات المتحدة لعدم تسليمه إلى تركيا، ووصف في بيان، الاتهامات بتدبير محاولة الانقلاب العسكري بأنها "سخيفة". متهمًا في 20 يوليو، أردوغان بأنه "مستعد لفعل أي شيء لتقوية سلطاته والتنكيل بمعارضيه".
وتُواصل الحكومة التركية حملتها لما وصفته بـ"تطهير" مؤسسات الدولة، إذ بلغ عدد من اعتقلتهم السلطات أو أوقفتهم عن العمل أو طردوا من المؤسسات الحكومية أكثر من 60 ألف شخص.
"لا مبالاة"
يتوقع عدد من الخبراء أن أزمة جديدة يمكن أن تتولد في العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية في ظل تصاعد الغضب التركي بعدما اعتبرت عدد من دوائر صنع القرار التركي أن التعامل الأمريكي مع تسليم غولن يتسم بـ"اللا مبالاة".
يقول إدموند غريب، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة واشنطن، إن العلاقات الأمريكية التركية ستتشهد توترًا خلال الفترة المقبلة، لاسيما على صعيد المواقف الدولية إزاء عدد من القضايا الإقليمية.
ويُضيف غريب، في تصريحات هاتفية لمصراوي، من واشنطن، "إذا لم تتقدم أنقرة بأدلة تقطع بتورط غولن في محاولة الانقلاب العسكري، سيقود ذلك لتوتر العلاقات بين البلدين"، مؤكدًا أن المصالح المشتركة تتمثل في أن تركيا تعد الحليف الإقليمي لواشنطن بتواجدها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، والتعاون فيما يتعلق بالحرب على داعش التي تمثل تهديدًا كبيرًا على المنطقة وأمنها، قائلًا: "هذه الأمور ستقرب وجهات النظر بين البلدين، ما سيقود إلى تخطي أزمة تسليم غولن".
"تركيا تمر بمرحلة ضعف خاصة على صعيد علاقاتها الخارجية، لذا حاولت أن تغير في سياستها فوجدناها تعلن التطبيع مع إسرائيل، وتعتذر علنًا لروسيا، ما يُعني أنها تحاول تعديل علاقاتها مع دول الجوار لخدمة مصالحها"- يقولها غريب.
من جانبه، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، إن في وسع الولايات المتحدة لو أرادت أن تسلم بسرعة غولن، مضيفًا في مقابلة مع تلفزيون "تي.آر.تي" الرسمي، أمس الجمعة 22 يوليو، مخاطبا السلطات الأميركية "إذا أردتم التسويف في تسليم غولن فقد يستغرق الأمر سنوات، لكن إذا حسمتم أمركم فمن الممكن إتمام المسألة في فترة قصيرة".
"مصالح على المحك"
يتوقع، الدكتور عاطف عبد الجواد أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن الأمريكية، أن تتأثر العلاقات الثنائية جراء أزمة تسليم غولن، مضيفًا في تصريحات هاتفية لمصراوي، "العلاقات متوترة حيث دائمًا ما ينتقد البيت الأبيض أوضاع الحقوق والحريات بأنقرة، فضلًا عن الاتجاه حاليًا بعودة العمل بعقوبة الإعدام عقب محاولة الانقلاب العسكري ما سيدفع لمزيد من الانتقادات التي سيعقبها توترًا في العلاقات".
يتفق حسن سفيري، الكاتب الصحفي التركي المُعارض، مع عبدالجواد، قائلًا: "التوتر التركي الأمريكي ليس وليد أزمة غولن، ولكن بعض المسؤولين من حزب العدالة والتنمية اتهموا الولايات المتحدة في أعقاب محاولة الانقلاب بدعم العسكريين من خلال طائرتين أمريكيتين استطاعوا أن يقدموا مساعدات للانقلابين، ما نتج عنه غلق قاعدة إنجرليك الأمريكية لأول مرة منذ إنشائها.
ويُضيف سفيري، في تصريحات هاتفية لمصراوي، أزمة تسليم غولن والاتهامات التي توجه لواشنطن بمساعداتها للانقلابين سيُحوّل التوتر القائم إلى "صراع" مستقبلي وهو ما لا تريده تركيا، لاسيما بعد تراجع علاقاتها على الصعيد الدولي وابتعاد حلفاء عنها ما يؤثر على مصالحها دوليًا وإقليميًا.
ولفت سفيري، إلى أن الأمور لازالت غير واضحة، ولكن الولايات المتحدة ترى أن تسليم غولن قرار حقوقي ما يعطي رسائل إلى أن المدة يمكن أن تطول لحين تسليمه، متوقعًا أن تسلم واشنطن غولن لأنقرة في نهاية المطاف.
انضمت تركيا إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) في عام 1952 لترسخ رسميًا التحالف بين الدولتين. وفي عام 1964، في الوقت الذي كانت فيه العلاقات "التركية ـ اليونانية" تتداعى بسبب مزاعم متضاربة بشأن قبرص، بعث الرئيس ليندون جونسون رسالة شديدة اللهجة إلى رئيس الوزراء التركي عصمت إينونو يهدد فيها بالتخلي عن تركيا إذا ما أقدمت على استخدام القوة في الجزيرة القبرصية.
وحين دخلت القوات العسكرية التركية إلى قبرص عام 1974 لحماية القبارصة الأتراك، فرضت واشنطن حظرًا على توريد الأسلحة إلى أنقرة. فاستتبع ذلك جمودًا عميقًا في العلاقات بين الدولتين حتى عام 1981، إلا أن العلاقة بينهما استعادت عافيتها في نهاية المطاف. وقد ساهم في ذلك، الانقلاب العسكري الذي حدث في تركيا عام 1980، حيث عمد الجنرالات في أعقابه إلى اعتماد سياسة وفاق مع الولايات المتحدة. وما كان من واشنطن إلا أن استجابت لهذه السياسة بإيجابية.
"قاعدة إنجرليك"
هي إحدى القواعد العسكرية الجوية التركية وتقع جنوب شرقي البلاد، تضم حوالي سبعة آلاف عسكري إلى جانب الموظفين المدنيين. سمحت أنقرة في يوليو 2015 لقوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، باستخدام هذه القاعدة لضرب تنظيم داعش في سوريا، حيث تقع بالقرب من مدينة أضنة جنوب شرقي تركيا بمسافة 160 كيلومترًا عن الحدود السورية و200 كيلومتر عن مدينة اللاذقية السورية.
ترابط في القاعدة قوات تركية قوامها سبعة آلاف عسكري إضافة للموظفين المدنيين والمتعاقدين. وهي أيضًا مقر للوحدة 39 للطائرات المقاتلة التابعة للقوات التركية والأمريكية، والتي تنفذ عمليات القتال والمساندة الجوية والبرامج التدريبية على الخطوط الأمامية للناتو.
يتيح استخدام القاعدة للولايات المتحدة مجالًا للتحرك بشكل أسرع لضرب التنظيم، وقد يتيح للتحالف الدولي بقيادة واشنطن التصرف في المعلومات الاستخبارية أسرع من ذي قبل عندما كان الأمر يقتصر على شن غارات من قواعد في العراق والأردن ودول الخليج العربي.
"الأزمة السورية"
وضعت الأزمة السورية العلاقات الأمريكية ـ التركية تحت ضغط هائل، وهو توتر ناتج عن الأولويات المختلفة لدى الدولتين. ففي حين تريد أنقرة إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد باعتباره خطرًا محدقًا عند حدودها، حدّت واشنطن أهدافها بمحاربة تنظيم داعش، وفي المقابل، تخشى كل دولة أن تتبنى أهداف الدولة الأخرى فتهمّش بذلك أهدافها الرئيسية الخاصة.. ما يطرح تساؤلًا هل توتر العلاقات بين البلدين سيدفع إلى مزيد من التعقيد في الأزمة السورية؟
يقول تيسير النجار، المحلل السياسي السوري، إن توتر العلاقات بين البلدين يمكن أن يدفع الأزمة السورية إلى الأمام، شارحًا وجهة نظره قائلًا: "إذا شعرت تركيا أن الغرب يريدون أن يسقطونها ستساعد دول الجوار لاسيما سوريا في التوصل لحل سياسي".
وأضاف النجار، لمصراوي، أن أمريكا تحاول تنفيذ مخطط ما يُسمى بـ"الشرق الأوسط الكبير"، حيث استخدموا الربيع العربي لتنفيذ مخطتهم من خلال استثمار الأزمات لاسيما في سوريا؛ مستغلين الأقليات والمتطرفين دينيًا وفكريًا لبدء عملية تقسيم تقود للسيطرة على الشرق الأوسط.
وعن الدور الأمريكي التركي في الأزمة السورية، يقول النجار، "الدولتان لهما دور فاعل سلبي، ولكن تركيا لها دور جيد في ملف اللاجئين السورين". متوقعًا ألا يستمر توتر العلاقات بين أنقرة وواشنطن، معللًا ذلك بأن أوباما قد أقترب من انتهاء مدته الرئاسية فلن يترك حليف قوي له كتركيا، حيث أن "أمريكا تتعامل وفق سياسات ثابتة".
فيديو قد يعجبك: