"راكتا".. قصة مدرسة أغلقت أبوابها بعد "الدفعة الأولى"
كتبت – يسرا سلامة وياسمين محمد:
في أبريل 2014، وقعت وزارة التربية والتعليم بروتوكول تعاون مع الشركة العامة لصناعة الورق "راكتا"، من أجل إنشاء أول مدرسة لتعليم الطلاب مهنة صناعة الورق في مصر، ومن أجل إنقاذ مصنع "راكتا" من الانهيار، إلا أن المدرسة استقبلت دفعة واحدة من الطلاب، مكونة من 22 طالبًا ستتخرج هذا العام، لتصبح مدرسة "راكتا" ظلًا لتجربة التعاون بين المصنع والتعليم في مصر.
عنتر: المدرسة كانت منقذ للمصنع من الانهيار بعد خروج العمال على المعاش
بدأت "مدرسة راكتا الثانوية الفنية للتعليم والتدريب المزدوج" كفكرة في رأس أصحاب المصنع الحكومي، والذي يعد متفردًا في صناعة الورق، وذلك بعد خروج عدد من العمال على درجة المعاش، وعدم وجود جيل جديد يتسلم المصنع، كما يذكر محمد عنتر، أحد المسؤولين بمدرسة راكتا، وواضع عدد من المناهج بها، مضيفا "المصنع كان هيقفل لو مفيش طلبة اتقدموا للمدرسة".
أنشئت المدرسة بداخل مصنع "راكتا" وفقا للخطة التي وضعتها وزارة التربية والتعليم 2030، من أجل التوسع في أعداد مدارس التعليم الفني، بإنشاء "مدرسة داخل مصنع"، وإشراك الصناعة في عملية التعليم والتدريب المهني. يروي عنتر أنه كان لا بد من التفكير في بديل لتعويض العمالة، ولم تكن فكرة تعيين فنيين جدد مطروحة لأن صناعة الورق صعبة وتحتاج إلى تدريب طويل، لذا جاءت فكرة الاستعانة بطلبة المرحلة الإعدادية، وإنشاء مدرسة ثانوية متخصصة في صناعة الورق.
التجربة بدأت باستقبال 25 طالبًا، كما تذكر "صفاء حداد" إحدى المشرفات على المدرسة منذ البداية، موضحة أن مجموع قبول الطلاب تجاوز 210 درجة، في الوقت الذي كانت تقبل فيه الثانوية العامة الطلاب بمجموع 197 درجة، لكن عدد الطلاب انخفض إلى 22 طالبًا بعد استنفاذ 3 طلاب لنسبة الغياب، ورفض أحد الأباء أن يصبح ابنه "بتاع ورق"، ليظل الـ22 طالبًا كفاءة لن تتكرر إذا ما توقفت المدرسة للأبد، بحسب صفاء، وتذكر "كلهم كفاءات ممتازة.. والسوق منتظرهم".
لم تكن بداية المدرسة بجدران داخل المصنع ومعدات فحسب، وإنما عكف المدرسون وعدد من الإداريين على خروج مناهج خاصة بالطلاب، وكذلك إنتاج ماكينة الكارتون المناسبة، من واقع خبرتهم في صناعة الورق التي تصل إلى 30 عام، ويشير عنتر إلى أن تلك المناهج هي: "تكنولوجيا صناعة الورق، الصيانة، الجودة، مراحل الانتاج، وصيانة المعدات وماكينات الورق".
وأصدر محمود أبو النصر وزير التربية والتعليم الأسبق قرارًا وزاريًا بإنشاء المدرسة، ليلتحق بها الطلاب الحاصلين الشهادة الإعدادية، وبموجب بروتوكول التعاون، تتحمل الشركة كافة تكاليف إنشاء المدرسة، وتعليم الطلاب، وإنتاج المناهج التخصصية، فيما تمد الوزارة المدرسة بمعلمي المواد الثقافية "اللغة العربية، اللغة الانجليزية، والتربية الدينية" والموجهين.
حداد: التعليم رفعت إيديها عن المدرسة ومدير مديرية الإسكندرية لم يزرها ولو لمرة
"للأسف قيادات التعليم رفعت إيديها عن المدرسة".. تعقب صفاء حداد موضحة أن وزارة التربية والتعليم لم تعط المدرسة أي اهتمام، على الرغم من أن "الوزارة لم تتكلف مليما واحدًا" في إنشاء المدرسة منذ البداية، ضاربة المثل بأنه حتى لا يوجد أي مسؤول من مديرية الإسكندرية بزيارة المدرسة ولو لمرة واحدة منذ نشأتها.
تذكر صفاء أن المدرسة كانت كفكرة مستقبلة بحماس شديد من الوزارة ومن قبل المصنع كصاحب مبادرة، لكنها واجهت نزاعًا على الإدارة، فأصبح لدى المدرسة مديرين واحد من جانب التعليم "محمد الكناني"، وآخر من جانب المصنع "المهندس محمد سمير"، بالإضافة إلى تبعية المدرسة إدارية لإدارة لإداة المنتزه التعليمية، وفنيًا تتبع الإدارة العامة للتدريب والتعليم المزدوج بوزارة التربية والتعليم، وهو ما جعل المدرسة مقسمة بين 3 جهات.
ورغم التشتت الإداري، إلا أن القائمين على المدرسة يصرون على نجاح التجربة، فيدرس الطلاب بالمدرسة لمدة يومين المناهج الثقافية والتخصصية، فيما يتدربون 4 أيام أخرى داخل المصنع، وذلك مقابل 120 جنيهًا مكافأة شهرية يتقاضاها الطلاب، يوضح عنتر، لافتًا إلى أن الطالب في المدرسة لا يعمل ولكنه يتدرب قائلًا: "المكن ليه أمن صناعي ولازم الطالب يكون متدرب عليه كويس وده بيحصل بعد التخرج لمدة 6 أشهر أو سنة".
ورغم التدريب، لم يٌلزم بروتوكول التعاون أي من الطالب أو الشركة بالتعيين داخل المصنع، فقد تعين الشركة عدد محدود من الطلاب، وقد يختار الطالب طريق التعليم الجامعي سواء بالالتحاق بكلية الهندسة بعد عمل المعادلة أو كليات التعليم الصناعي، أو يختار طريق القطاع الخاص الذي يستطيع دخول خط إنتاجه منذ اليوم الأول.
يستطرد عنتر أن الدفعة الوحيدة التي استقبلتها، ستتخرج العام الدراسي الحالي 2016/2017، مشيرًا إلى أن الشركة لم تستقبل دفعات إضافية لعدة أسباب أولهم: هل تستطيع الشركة تعيين الخريجين؟، وهل يوجد شركات بالقطاع الخاص تقبلهم؟ وذلك حتى لا يخرج طلبة لا مكان لهم بسوق العمل، هذا بالإضافة إلى أسباب اقتصادية تعرضت لها الشركة حيث تحقق خسائر منذ سنوات، لذا شحذت كل طاقتها المادية لإحلال وتجديد وحدة العجائن لإنتاج 200 طن يوميًا من عجينة الورق بتكلفة 80 مليون جنيه، ومنذ 6 أشهر وحتى الآن لم تحقق الربح الذي يعوض الخسائر التي تعرضت لها الشركة.
وتضيف "صفاء حداد" أنه بعد قرابة العام من بداية المدرسة، تقدم جابر الميهي، رئيس مجلس إدارة المصنع، بمخاطبات لوزارة التربية والتعليم، لمعرفة جديتها في الاستثمار من أجل رعاية المدرسة، وإن كانت مدرسة "راكتا" على المدارس المفتوحة لاستقبال الطلاب الجدد في العام الجديد أم لا، لتظهر له ورقة كشوفات المدارس الفنية بالإسكندرية دون اسم مدرسة "راكتا"، ويردف لـ"صفاء" في أسى عن حلم المدرسة "كدة الرد وصلني.. مفيش مدرسة راكتا تاني".
حداد: التعليم تتجاهل الرد على طلب مدير المدرسة لمعرفة موقفها من استمرار المدرسة
يتمنى عنتر أن تقوم التجربة مرة أخرى، وأن يستمر العمل في المصنع لسد عجز البلاد للورق، مشيرًا إلى أنها مرهونة بقرار من رئيس مجلس إدارة الشركة، ومساندة من وزارة التربية والتعليم، فيما ترى صفاء أن المسؤولية تقع على وزارة التربية والتعليم في المقام الأول، ولا تزال أيدي الطلاب تعمل بين ماكينات المصنع للتدريب قبل التخرج الأول والأخير.
إقرأ باقي موضوعات الملف:
"في مدرسة زين العابدين.. الأجهزة ''مُكهنة'' والطلاب ''عمالة رخيصة
(مسؤول بالتعليم: المدارس الفنية ''شهادة على الحيطة''.. والمصانع تفتقر لمعايير السلامة -(حوار
(الجيوشي: "التعليم في مصر ليس سيئًا ومش هنوقف الدنيا عشان نطوره'' -(حوار
(بالأرقام.. الإقبال على التعليم الفني يتفوق على العام - (إنفوجراف
فيديو قد يعجبك: