لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الكابلات المضروبة قنبلة موقوتة في بيتك تشعل "حرائق الماس" (تحقيق)

12:40 م الإثنين 22 مايو 2017

الكابلات المضروبة قنبلة موقوتة

تحقيق - مصطفى فرحات:

كعادته، أنهى "خالد حسين" عمله في فندق ماريوت في الخامسة صباحًا، إلا أنه فوجئ باتصال هاتفي من صاحب مقهى مجاور لمحل السوبر ماركت يمتلكه في قريته "نوى" بمحافظة القليوبية، أخبره فيه باشتعال النيران في محله. هرع الرجل إلى هناك، ليجد المحل وقد تحول إلى كتلة من الفحم بعد أن التهمت النيران بضائع بـ150 ألف جنيه، فيما أخبره الجيران أنهم سمعوا انفجارًا كبيرًا يشبه دوي القنبلة، قبل أن تشتعل النيران نتيجة انصهار أحد الكابلات وتنتشر بسرعة بسبب وجود علب البيرسول.

يتذكر "خالد" جيدا قصة شراء كابلات الكهرباء التي تسببت في الحريق، قائلا: عندما جددنا المحل قبل 5 سنوات قال لي الكهربائي إن في إمكانه أن يأتي لي بكابل سويدي بمبلغ لا يتعدى الـ100جنيه، فوافقت لأنه سيوفر لي كثيرا.

1

ما اعتقد "خالد" أنه "توفير" انقلب بخسارة فادحة، فالكابلات التي اشتراها كانت رديئة وخامتها سيئة، لكنه انخدع مثل آلاف المواطنين في فارق السعر، واشترى "قنبلة موقوتة" ووضعها في بيته. ووفق تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فإن كابلات الكهرباء تسببت في اشتعال 7874 حريقا في عام 2015.

"باسوس".. قلعة تصنيع الكابلات المضروبة

تعد منطقة "باسوس" بالقليوبية أشهر المناطق في صناعة الكابلات المضروبة، ولا تحتاج جهدا كبيرا للوصول لأحد مصانع دير السلم التي تنتج هذه الكابلات، يكفيك أن تسأل الأهالي، وهم سيوصلونك إلى "منطقة المصانع".

وفي أحد هذه "المصانع"، وهو دور أرضي (بدروم) لمبنى مكون من ستة طوابق، تهبط إليه عبر سلالم خرسانية، وجدنا شابا لا يتعدى 20 عاما يعمل على "ماكينة السلك" التي تصدر صوتًا عاليًا، وإلى جواره لفات كبيرة من النحاس والخرطوم البلاستيكي الأحمر، فيما انشغل آخرون بتحميل الكابلات على سيارة نقل كبيرة.

وعلى مكتب صغير مُكدس بالأوراق والدفاتر جلس صاحب المصنع منهمكا يتابع العمل، قبل أن يتهلل وجهه بعد أن قدم محرر مصراوي نفسه على أنه صاحب محل جاء ليشتري كمية من الكابلات.

يقول الرجل: "هنا بنصنع العديد من الأنواع، ولكل حاجة سعرها، فيه هنا حاجة معتمدة وحاجة وسط وحاجة عادية"، قبل أن يبرر تفاوت التصنيف: السبب يرجع لنسبة النحاس الموجودة داخل الكابل، النحاس درجات، واحنا هنا شغالين في كل الدرجات، وكل حاجة لها سعرها، يعني أنا عندي اللفة ممكن توصل لـ90جنيها، ودي التكوين بتاعها بيكون النحاس فيها خفيف أوي".

في الجهة المقابلة من هذا المصنع، وجدنا مصنعا آخرا مساحته لا تتجاوز 50مترًا، مقسمة جزأين، الأول محل لعرض وبيع المنتجات، والثاني الخلفي وهو غرفة صغيرة يتواجد بها ماكينتان متهالكتان للتصنيع.

تجار ومصنعون: "البضاعة المضروبة بتقولك لوحدها أنها مضروبة".. والوزن والسعر يكشفان الفارق

"الأسعار عندنا بتبدأ من 110 وأنت طالع، وبنعمل كابلات سويدي برده" يقولها صاحب المصنع قبل أن يضيف: "المكن اللي إحنا شغالين بيه ماكن خرطوم وبنشغله برده مكن سلك، لأنه بيشتغل الاتنين، احنا هنا بنعمل كل حاجة".

مصراوي في مصانع باسوس .. قلعة تصنيع الكابلات المضروبة

وعلى بعض خطوات، مصنع ثالث لا يختلف حاله عنهما، ماكينات قديمة تعمل على جدل أحد الكابلات يشغلها صاحب المصنع ورجل أربعيني، فيما تتراص لفات كبيرة من النحاس الأصفر، سألنا صاحب المصنع عن مصدرها فرد: اشتريتها من أحد المصانع في باسوس.

وتابع الرجل: "أنا بعمل كابلات طبق الأصل من السويدي (الكابلات الأكثر رواجا في السوق المصري) ومش أنا لوحدي، باسوس كلها بتعمل كدا، وفيه مقاولين كتير بييجوا ياخدوا الكابلات دي مني".

مصنع "الأصيل" كان محطتنا الأخيرة في مصانع باسوس، يقول صاحبه وهو يحمل أحد لفات الكابل: "هي نفس السويدي، بس أنا بعملها باسمي، لأن كتير من الزبائن اللي أنا شغال معاهم، بيقولوا لي احنا عاوزين السويدي، فبدل ما اشتريها من برا بعملها لهم هنا، بنفس الوزن والمقاس وكل حاجة".

صاحب مصنع تحت السلم : نصنع الكابلات ونضرب الماركات على السلك 

حماية المستهلك: 70% من الكابلات "مضروبة"

وكشفت "سعاد الديب" رئيس الاتحاد النوعي لجمعية حماية المستهلك، أن 70% من الكابلات التي تباع في السوق تأتي من مصانع دير السلم، مشيرة إلى أن سبب انتشار هذه الكابلات يرجع لقلة وعي المواطنين الذين ينظرون للموضوع بنظرة مادية فقط ويتغاضون عن سلبيات المنتج المقلد والذي يمثل خطورة على حياته.

وقالت إنهم حاولوا الحد من هذه المصانع في 2005، وتشكلت لجنة تحت اسم "لجنة المستهلك المصرية الدولية" بالتعاون مع وزارة الصناعة، موضحة: "أخدنا ثلاث مناطق مختلفة من تلك المصانع، وحاولنا إننا نخلق ثقة ما بيننا وبين المصانع تحت بير السلم، نظرًا لأنها تتهرب من أي حاجة فيها ريحة الحكومة، وساعدناهم إنهم ينتقلوا من النظام العشوائي إلى نظام رسمي من حيث المعدات والخامات والمنتجات".

وترى رئيس الاتحاد النوعي أن السبب الذي حال دون استمرار الفكرة يرجع لصعوبة السيطرة على الوضع الحالي نظرًا لتضاعف عدد مصانع دير السلم، وخوف أصحابها من التعامل مع مؤسسات الحكومة، مشددة على ضرورة أن يشتري المواطن الكابلات بفواتير معتمدة حتى يتم معاقبة ومحاسبة الجاني، إذا تسببت الكابلات في حرائق.

7874 حريقا بسبب التماس الكهربائي في 2015.. وتجار: الكابلات المضروبة تستخدم في المشاريع السكنية الكبيرة

تجار جملة: "محلات تبيع المضروب على إنه أصلي"

لا يتوقف الأمر عند تقليد المنتجات بخامات أقل جودة، بل يتعداه إلى بيع الكابلات المضروبة على أنها أصلية، يقول "شنودة فاروق" مدير فرع الشركة البريطانية العالمية للكابلات: شركات التصنيع المعتمدة تصنع كابلات مطابقة للمواصفات القياسية والعالمية، إلا أن الكابلات المضروبة منتشرة في السوق بسبب سعرها المتدني، والذي يغري المواطنين بشرائها و"البضاعة المضروبة بتقولك لوحدها أنها مضروبة".

2

وأكد "ناصر أحمد" رئيس الفرع الموزع التابع لشركة الكابلات الكهربائية المصرية، أن سوقهم تأثر كثيرًا بسبب الكابلات المضروبة التي انتشرت بكثافة داخل سوق الكهرباء بالعتبة، الأمر الذي يخلق لدى المواطن حالة من التشتت، فالكابل الأصلي الذي يجده في محل بسعر أعلى يجده في آخر بسعر أقل، والبائع يبيعه على أنه الأصلي.

"للكابل مواصفات أساسية لابد من توافرها"، هذا ما أكده "حمادة الشعراوي" مهندس كهرباء، موضحا أن أي كابل كهرباء لابد وأن تتوافر فيه صفتان أساسيتان، هما درجة العزل وقطر الكابل، ولابد أن يكونا مطابقين للمواصفات القياسية حتى يتحملان الجهد والتيار، ويختلف قطر الكابل من جهاز لآخر، فالكابل الذي يشغل المكواة غير الكابل الذي يشغل تكييف.

6

وحذر من أن مصانع الكابلات المضروبة تتهاون في عملية العزل، فالكابلات الأصلية يتم عزلها بمادتين، مادة تسمى (بي في سي) وأخرى تسمى (إكس إل بي إي)، ويكون العزل على درجة واحدة على امتداد الكابل، أما الكابل المضروب يكون في بعض المناطق سميكًا وفي أماكن أخرى شبه منعدم، ولو تصادف أن تلاقت تلك المناطق غير المعزولة مع كابلات أخرى تنفجر ومن ثم ينشب حريق هائل.

يضيف "الشعراوي": "معظم مصانع باسوس شغالة على أنها تجيب كابلات مستعملة وتعيد صهرها وصنعها من جديد عن طريق مكن يستوردوه من برا، والأخطر إنهم اشتغلوا في كابلات الضغط العالي كمان".

يتفق معه "أحمد البكري" صاحب محل "حافظ البكري" للأدوات الكهربائية في منطقة "شبين القناطر"، قائلا: مصانع باسوس تعين مندوبين يجوبون المحلات، ليعرضوا علينا منتجاتهم ويحاولون إقناعنا أنها تعادل الأصلية، و"مندوب المصنع بييجي يقولك أنا بعمل سلك زي السويدي الأصلي، وعليه ختم وتيكيت السويدي ونفس المواصفات".

3

ويتابع: بعض التجار يبيعون الكابلات المضروبة على إنها درجة ثانية من السويدي، والحقيقة "ما فيش حاجة اسمها درجة تانية".

يقول "أحمد البكري": العام الماضي طلب مني مهندس مشرف على أحد المشاريع السكنية أن يشتري لي كمية من الكابل المضروب بـ100 ألف جنيه، لكني رفضت، "رغم إن المكسب من المضروب بيوصل لـ25% في لفة السلك، إنما في الأصلي لا يتعدى 2%".

4

كلام "البكري" عن استخدام الكابلات المضروبة في مشاريع سكنية، تؤكده واقعة اشتعال النيران في إحدى عمارات منطقة الياسمين بالإسكان الاجتماعي في مدينة بدر، يقول أحمد سليمان -اسم مستعار-: النار اشتعلت في الدور الثالث من العمارة حيث تقع شقتي، مخلفة وراءها سحبًا كثيفة من الدخان، طبعت جدران العمارة وحوائطها باللون الأسود، وأحدثت أضرارًا كبيرة في أبواب وواجهات الشقق، واكتشفنا أن السبب في ذلك هو ماس كهربائي نتيجة الخامات الرديئة التي اعتمد عليها الجهاز أثناء التشطيب وتهاونهم في اختيار نوعية جيدة من الكابلات الكهربائية. وتابع الرجل: "لولا ستر ربنا، وعدم وجود كثافة سكانية داخل العمارة لأصبحت كارثة".

قنبلة في حائط بيتك.. تجار: نبيع المضروب على انه أصلي لتعظيم الربح 

الكهرباء: ليست مسئوليتنا

وردا على دور وزارته في ضبط السوق، قال الدكتور "أيمن حمزة" المتحدث الإعلامي باسم الكهرباء: الوزارة غير معنية بالعملية الرقابية على الكابلات، وهناك أجهزة أخرى في الدولة هي المنوطة بعملية المراقبة سواء على التصنيع أو جودة المنتجات في الأسواق، وهي "جهاز حماية المستهلك"، و"اتحاد الصناعة".

من جهته، قال "عاطف عبد المنعم" رئيس شعبة المعدات والأدوات الكهربائية والكابلات التابعة لوزارة الصناعة، أن أزمة التلاعب بالكابلات الكهربائية موجودة من فترة طويلة، لذا فهم يعملون على حلها بالتعاون مع بعض الجهات الرقابية.

وأضاف: تزوير الكابلات يكون عبر مجموعة من الأشياء التي تتلاعب عليها تلك المصانع، إما في حجم السلك أو وزنه أو طول اللفة، بالإضافة إلي الخامات السيئة التي يعتمدون عليها، و"الكابل دا لو اتحمل عليه بيكون عرضة للحرايق".

5

وحذر المواطن من شراء الكابلات الرخيصة قائلا: أنت تدفع فيها أكثر من ثمن تكلفتها أضعافا مضاعفة، والعمر الافتراضي لها قصير جدا وينتهي في النهاية إما بالتلف والحريق والكوارث.

ويضيف "أي حاجة غير خاضعة للرقابة ممكن تعمل أي حاجة"، وعلى الدولة أن تحول هذه المصانع من مصانع تعمل في الخفاء إلى مصانع تعمل في النور، و"ساعتها هتكون خاضعة لرقابة الدولة ومنتجاتها سليمة، وإلا فلابد من غلقها على الفور حرصًا على حياة المواطنين".

وأكد المقدم "أحمد مهران"، بالإدارة العامة لمباحث التموين، أنهم يشنون حملات مداهمة لهذه المصانع بشكل مستمر، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن تحركهم يكون بناءً على شكوى من مواطنين متضررين أو من شركات كبيرة معتمدة يتم التلاعب باسمها التجاري.

وأوضح أن عدد القضايا التي تم تحريرها لتلك المصانع هذا العام وصلت لـ 117 قضية لكابلات مغشوشة ومقلدة، إضافة لـ25 قضية لاستخدام خامات مجهولة المصدر.

وفيما يتعلق بالعقوبة التي تقع على أصحاب تلك المصانع، يقول مهران: الحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرين ألف جنيهًا، مشيرًا إلى أن تلك المصانع في زيادة مستمرة ويحاولون القضاء عليها حرصًا على حياة المواطنين.

70% من الكابلات الموجودة بالسوق غير مطابقة للمواصفات.. ومصراوي يكشف طريقتان لكشفها

"اوزن لفتك".. حملة لمحاربة المضروب

ونفى المهندس "كارم محمود" رئيس قسم المتابعة والتوزيع في شركة السويدي، مزاعم بعض أصحاب مصانع باسوس بأنهم حاصلين على توكيل تصنيع من شركته، وقال إنهم أنشأوا إدارة لمكافحة الغش التجاري تستقبل الشكاوى من المواطنين الذين تتضرروا من الكابلات المضروبة، وأطلقوا حملة اسمها "اوزن لفتك"، والتي نجحت في تحجيم سوق الكابلات المضروبة ودفع بعض مصانع دير السلم إلى زيادة وزنها، وبالتالي زيادة تكلفتها.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان