لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"سامح" أول شهيد على رمال المنيا.. حاول حماية الأتوبيس فباغتوه بـ 8 طلقات

04:42 م الإثنين 29 مايو 2017

حادث المنيا

كتبت- علياء رفعت ونانيس البيلي:

قُبيل التاسعة انطلقت الحافلة التى يقودها "عم بشرى" من المنيا إلى دير الأنبا صموئيل. رحلةٌ معتادة لدى أهالي المنيا لأقرب الأديرة التي يرتادونها باستمرار للتبرك والصلاة، ولكنها هذة المرة لم تمر بالسلام الذي تمنونه ولا بالمحبة التي يحملونها في نفوسهم للسيد المسيح ولأعدائهم.

في مُنتصف الطريق دوت طلقات النيران التي أوقفت الحافلة بعد أن أطلقها الملثمون. علت صرخات النساء والأطفال على حد السواء، ودب رُعبًا تخالطه الاستفهامات في النفوس. تلك التي قرر "سامح" أن يحصل لها على أجوبة بعدما ترجل من الأتوبيس ليحميه ويتساءل عن سبب الاعتداء عليه، لكن مصيره كان كمصير كل الرجال الذين غطت دمائهم أرض صحراء المنيا بعد أن أطلقت النيران على رؤوسهم. "مصراوي" التقى أسرة "سامح"، أول من سالت دمائه على رمال صحراء المنيا بعد أن باغته المعتدون بـ8 طلقات أودت بحياته على الفور.

 

داخل إحدى الغرف بمستشفى معهد ناصر، رقدت "سهام" الشابة الثلاثينية بعد أن فقدت زوجها "سامح" ووالده وشقيقيها. فوق سريرها ثُبتت أيقونة السيدة العذراء وعلى صدرها يتدلى "صليب" ألبسها إياه أحد الأباء الكهنة ليعزيها به عقب خروجها من غرفة العمليات.

تروي "سهام" لمصراوي تفاصيل الحادث الإرهابي وتقول إنه على بعد أمتار من وصولهم دير الأنبا صموئيل، توقف الأتوبيس فجأة وسمعوا أصواتًا مدوية، لم يمكنهم لون الزجاج الغامق من الرؤية فاعتقدوا في البداية أن الأتوبيس يحترق "فكرنا صوت الرصاص إنه ماس كهرباء والأتوبيس بيولع".

بدأ زجاج الأتوبيس ينكسر ويتطاير عليهم، ليشاهدوا 6 ملثمين يطلقون الرصاص، بحسب "سهام"، وتضيف أنه بمجرد أن رآهم زوجها "سامح" قرر النزول إليهم ومعرفة سبب إطلاقهم النار لخوفه على أسرته وأطفاله المتواجدين معه رغم تحذيرات شقيقها "هاني" "قاله لأ متنزلهمش يا سامح بس هو كان مصمم".

ترجل "سامح" من الأتوبيس موصداً الباب خلفه جيداً، وما إن اقترب من الإرهابيين حتى باغتوه برصاصة اخترقت رأسه وقسمته إلى نصفين قبل أن يمطروه برصاصات آخرى، بحسب "سهام" التي كانت تتابعه من بين الزجاج المكسور، وتضيف أنها لم تسمع ما قالوه له بسبب طلقات النيران "صوت الرصاص كان مغطي على كل حاجة".

 

 

 

 

"انزلوا تحت الكراسي عشان محدش يتعور" هكذا طالب "هاني" و"بيشوي" النساء والأطفال ورفضوا فتح باب الأوتوبيس بعدما أمرهم الإرهابيون، ليقرروا الدخول من باب السائق "بشرى"، وتقول "سهام" إنهم كانوا 6 ملثمين، سقطت الغمامة من على أحدهم فتكشف وجهه "كان قصير وأبيض وعنيه خضراء ومكنش له دقن".

 

أخذت "سهام" تتحسس يدها اليسرى، تقول وهي تنظر إلي خطين متقاطعين تجليا بوضوح "أنا اتعملي صليب من الشظية" وتشير إلى خدش بيضاوي يجاوره بأنها ترى المسيح داخله "شايفة المسيح في التعويرة بتاعتي وحاسة إنه واقف فيها وفاتح إيديه"، وتضيف أنهما كانتا تعزية كبيرة لها بعد الحادث.

 

قرابة 15 دقيقة استغرقها الإرهابيون قبل أن يفروا هاربين، بحسب "سهام" التي اعتقدت استشهاد طفلها "فام" بعد رؤيتها الدماء تسيل من ظهره، لتقرر الشابة الثلاثينية تركه وأخيه "مينا" الذي اطمأنت لسلامته والنزول من الأتوبيس لطلب الاستغاثة "كنت مركزة إني أنده حد يلحقنا وأنقذ الناس اللي معايا".

جيئة وذهابًا، هكذا هرولت "سهام" بين الأتوبيس والدير المنشود لمحاولة التقاط شبكة لهاتفها المحمول لطلب النجدة حيث ضعف التغطية بتلك المنطقة، ليلحق بها طفلها مينا مُهللًا لنجاتها "لما شافني نازلة من الأتوبيس جرى ورايا".

بعد قرابة الساعة وصلت أول عربة إسعاف إليهم، وأخذت تحمل المصابين أولاً، بحسب "سهام"، وتشير إلى أن الملثمين كان تركيزهم قتل الرجال والشباب من خلال قنصهم في الرأس مباشرة، بينما كانت إصابات السيدات والأطفال نتيجة القصف العشوائي على الأتوبيس من الخارج، لتنال نصيبها بشظايا في الظهر ورصاصة استقرت في كتفها.

"الشهداء خدوا إكليل كبير في السماء وإحنا هنحصلهم، طولت أو قصرت الرحلة" بابتسامة رضا تقول "سهام"، وتضيف أن نجاة طفليها هو عزاء لها "لو كانوا ماتوا مش كتير على ربنا، بس هو سابهوملي عشان يقولي أنا مختش منك كل حاجة".

 

في الغرفة المجاورة لـ"سهام"، كانت "سامية" ترقد على سريرها في حالة انهيار تام. فالسيدة الخمسينية لم يثبت حالها على وتيرة واحدة منذ إنقاذها عقب الحادث. فهى تارة تهدأ وتضم الصليب وأيقونة العذراء إلى جوار قلبها، وتارة أخرى تدخل في نوبة بكاء حادة، تصرخ وتستغيث وهى تردد "ولادي الاتنين وجوزي يا رب". آلامها الجسدية بطلقتين تلقتهم في فخذها الأيمن وشظايا بظهرها تهون أمام النيران التي تأكل قلبها في كُل ثانية لفراق عائلتها بأكلمها والتي كان "سامح"-قبل سبعة وثلاثين عامًا- أول فرحة تدق بابها حين استقبلوه وليدًا صغيرًا.

على السرير المجاور لسرير سهام؛ جلس ولدها الأكبر "مينا" يلهو بإحدى ألعابه، بينما تمدد الأصغر "فام" جواره ويده مُثبت بها محلول وريدي. نظرات الصغير زائغة، وعلى جانب عينيه يرسم الملح آثار دموع يذرفها منذ الحادث باستمرار. فيما يُبقى فمه مُطبق لا ينطق إلا فيما ندر، ولا يستجيب لمحاولات أخيه الأكبر في إلهائه أو اللعب معه. فقط يحتضن صورة للسيدة العذراء ويُقبلها بين الحين والآخر.

تلك الرحلة التي خاضها الصغيران كانت الأولى لهم، بعد أن وعدتهم الأم باصطحابهم من الجيزة لدير الأنبا صموئيل بالمنيا كمكافأة على تفوقهم في أداء امتحانات نصف العام ولكي يعتادوا زيارته. ولكنها لم تكن تعلم أنها لن تكون كما خططت لها "رحلة للعبادة"، بل كانت رحلة ساقت زوجها، أخيها، ووالدها للموت، وانطبعت تفاصيلها في ذاكرة ووجدان طفليها.

"كنا رايحين نصلي عند ماما العَدرا" قالها الصغير مينا ذو الثمان سنوات وهو يصف الرحلة التي انتظرها مع أخيه طويلًا. فمنذ الصباح الباكر استعد الصبيان بعد أن ارتدى كلاهما أجمل ثيابه ليلحقها بأمهما إلى داخل الأتوبيس. جلسا سويًا إلى جوار بعضهم البعض، وخلفهم جلست ابنة عمهم "مارفي" صاحبة السنوات الخمس. ومع انطلاق الأتوبيس المتوجه للدير كان الصِغار يتلون الترانيم التي تعلموها في الكنيسة ببهجة اسعدادًا للوصول.

"موصلناش" تلك هى الكلمة الوحيدة التي نطق بها الصغير "فام" مُقاطعًا ما يحكيه أخيه عن الرحلة. ليستطرد مينا راويًا تفاصيل أحلك الأوقات التي مرت عليهم بعد أن توقف الأتوبيس في وسط الصحراء، وعلت أصوات لم يسمع الصبيان دوييها من قبل. "كان صوت مرعب وبعدها كل الناس فضلت تصرخ وماما قالتلي أنا وفام غمضوا عينيكوا وانزلوا تحت الكرسي" وبرغم ما أوصت به الأم ولديها إلا أن فضول فام دفعه للنظر واستكشاف الوضع، بينما تداركته الرحمة فكانت إصاباته طفيفة على عكس أخيه الأكبر مينا. "مارفي مكنتش بترد وحواليها دم كتير" انطلقت من فَمِ فام فجأة دون أن يشيح بنظره عن أيقونة السيدة العذراء التي يضمها بين يديه -وهو على وشك البكاء- قائلًا "ماما قالتلي مارفي في السما مع بابا وماما العدرا".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان