لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

حكاية جمال العطار مع الثورة.. باع "البيزنس" واشترى البلد

11:15 م السبت 24 يناير 2015

حكاية جمال العطار مع الثورة

كتبت- إشراق أحمد:

شعور بافتقاد للأهل تملك من جمال العطار، شهور مرت دون رؤية، والتفكير يلح عليه للمطالبة بهذا الحق، وجد المساندة في صديق، لم يتردد بمشاركته لكتابة عريضة تحمل توقيع رفاقهم المجندين لإرسالها إلى القائد، ورغم ما لاقاه الأخلاء من تهديد بعقاب قاسي، تلمسوه في عين القائد حين جاء يستعلم عن الفاعل، فبادر "العطار" يعترف، نافيا وجود شريك، غير أن الرفيق سار على خطاه، لحظات علا بها حديث النفس عن المصير المنتظر، إلى أن تبدت كل التخيلات مع كلمة مدح للجرأة، وإيضاح أنه أمر مرفوض، ليترك الشاب الخدمة بالجيش، بصداقة وطيدة، ووعي نشره بين نظرائهم، الذين عاملوهم أنهم "كبار المكان".

عشرون عاما مرت على ثورة "العطار" الأولى، وتأكده أن التغيير له ثمن، لذا اندفع في طريق "الجبهة" مرة ثانية حين علا النداء، تاركا وراءه تجارة، حياة رغدة، معليا قيمة الثورة على "البيزنس".

عمل "العطار" بالتجارة، لم يحيده يوما عن المبادئ، يجد أنها لا تتعارض مع المصالح وإن حدث أبدى المبادئ، لذا رفض أن يبدأ مشروعه لإقامة مزرعة للعجول بإعطاء رشوة، رغم إمكانية ذلك، تحمل الرجل الأربعيني الصدمة الأولى للعودة إلى الوطن في سبتمبر 2010، بعد علاقة فترت من كثرة الغياب، وإدراك أن "مصر مش أجمل وأعظم بلد زي ما كان بيتقال لنا"، مع بداية سفره إلى السعودية في التسعينات كان لازال الحنين موجود، لكن مع الحياة بالدول الأجنبية انهار كل شيء، بات فترة الرجوع إلى مصر "ثقيلة" يحمل لها الهم.

عصامي، لبق الحديث، قارئ يبدو ذلك في تعبيراته، حماسي إن تطلب الأمر ذلك، هادئ لحظة التفكير فيما يقول، يختلف عن الصورة الذهنية المأخوذة عن رجال الأعمال، يحمل من "جدعنة" أهل شبرا، ونشأة أهل الصعيد، لم يخرج عن جلده رغم زواجه من أجنبيتين، لذلك لا غريب أن يعود لموطنه حين يتلمس الأمل في تغيير البلد، الذي ارتضى أن يكون "عظيم جوانا بس"، غير منكر حبه له لكن باغض الفساد المستشري به.

"كان في حراك سياسي.. أصوات عالية بتقول نبقى دولة محترمة" لذلك عاد الرجل الثلاثيني في 2010، محملا بالأمل والتضامن بعمل مشروعه الخاص، أول من حرص على لقاءه بعد العودة هو "أحمد حسين" –رفيق التجنيد- المخرج المستقل، الذي شاركه أصعب اللحظات وهم بالعشرينات، ليعودا معا باتفاق ضمني بلزوم المشاركة في أي شكل من أشكال التغيير، لهذا كان البحث عن صديقه يوم 25 يناير أمر طبيعي.

"لقيت اللي بيمسك إيدي افتكرت أني اتقبض عليا" يحكي "حسين" عن لحظة رؤية "العطار" له، كلاهما كان لديه اليقين أن اللقاء سيحدث في تلك الأيام التي يصفها الموزع التجاري "هي الصفحة البيضاء اللي في حياتنا.. فترة الحلم"، رغم ما لاقاه للمرة الأولى في حياته من الغاز المسيل للدموع، الخرطوش، الكر والفر، القبض العشوائي، الفرحة برؤية الميدان مفتوح دون عوائق، نسيم الحرية الذي شعر به، حتى منتصف الليل، قبل أن يبدأ إخراج من في الميدان، والإحساس الذي تملك منه، وكثير غيره، فبات لسان الحال "اطردنا من بيتنا".

18 يوم هام فيها "العطار" على وجه، بالميدان عاش، متنازلا عن توقف عمله بمكتبه التجاري بالصين، الذي كان يكفي إقبال 3 عملاء بالعام، تغطية كافة احتياجات بيتيه وتفيض، ترك زوجتيه الاجنبيتين وأبناءه، لم تكن إجابته على كلمات والدته العاتبة عليه تركهم وهو بهذا السن سوى "ربنا معاكم مش راجع".

لم يعد الرجل الأربعيني لمنزله طيلة أيام الثورة، سوى مرة واحدة، مساء 28 يناير حينما استغاثت به والدته بعد الانفلات الأمني، يسكن "العطار" في مدينة الضباط بمنطقة السادس من أكتوبر، كما لم يتوان عن قرار الخروج صباح ذلك اليوم من المسجد الخاص بالمدينة "قلت لو لوحدي هخرج"، أيضا ما صمت أمام كلمات عقيد أخذ يصرخ بالهاتف "هم السبب لو كانوا أدوني الأذن كنت ضربت أمهم بالنار"، ليصيح بوجهه "اللي في الميدان أشرف ناس في البلد"، قالها عن بصيرة، لرؤية أشخاص تسير لا تملك سوى الهتاف، المدغدغ للكيان قبل الأماكن، شباب لا يهاب الرصاص وقنابل الغاز، ونساء تشارك ولو "ببصلة" تقذفها من الشرفة.

من رجل حياته "البزنس" إلى قائد للهتاف في 25 يناير، حتى خشي عليه صديقه "حسين" من القبض عليه، فطالبه بالتوقف، أنيق دائم الظهور مهتم بهيئته الشكلية الرياضية إلى ما يصفه بعد أيام من التواجد بالميدان "كنت شبة اللي بيلموا زبالة من الشارع"، يبيت بالطرقات، ولا يملك في أيام أموال ينفق منها، ومن شخص ينظر إليه البعض بالرفاهية، لامتلاكه سيارة يتحرك بها، إلى سائر لساعات في مسيرة طويلة تبدأ من شارع الهرم، ومستقل لأتوبيس وقت أن خلا الطريق في 26 يناير من المارة، إلا 15 شخص استقلوا معه سيارة النقل العام، واحتجزوا معا بعد تعطلها على أعتاب منطقة باب اللوق "لو نزلنا كان هيتقبض علينا.. وهنبقى زي أحنا بتوع الأتوبيس" يقولها "العطار" مبتسما لتشابه الأمر بين الفيلم السينمائي الشهير.

رغم أن يوم الثامن والعشرين من يناير في نظر "حسين" صديق "العطار" هو "يوم أسود"، غير أنه بالنسبة له "يوم جميل" فتحقيق الإنجاز بدخول الميدان كفيل بإطلاق هذا الوصف في نظره، كان يرى في وجه ذلك الضابط "مبارك.. وكل من يمنع الوطن أن يتقدم" بل وكل ضابط خاصة أصحاب الزي المدني، ممن أبصر في عيونهم الغل، لا رهبة وتراجع عن الخطأ بالقتل، فقط العساكر هم من كان يرى بعيونهم الانكسار والحزن، مما جعله يتأكد أن المعركة مع الوعي والجهل أقوى.

لا يتذكر "العطار" الميدان وأيامه، إلا واغرورقت عيناه بالدموع، تأثر حينا، وحزنا تارة أخرى، فلا ينسى ذلك الرجل المسن، الذي التقاه وقت وقوفه بإحدى اللجان الأمنية، لتنهمر دموعه بعد طلبه رؤية بطاقته، فجاءت كلماته المفسرة لبكائه تهز مشاعر الرجل الأربعيني "كنت بتمنى أشوف اليوم ده قبل ما أموت"، وذلك الشاب، الذي رأى في بطاقته اسم "بطرس"، فما لبث أن رحب به "سعيد انكم معانا" حتى احتد عليه الشاب "معاك إيه هي بلدك لوحدك".

أربع أعوام مرت على "العطار" تأثرت بها تجارته، لكن لم يعبأ لذلك، فقط لخليط الأمل واليأس والرجاء الذي يجتاحه، حينما يتذكر وجه "كريم بنونة" الذي استشهد على يده، إصبعه المرفوع بالشهادة، دموع خالته، التي ذهب إليها باليوم التالي ليغتسل من الدماء، باعتبارها الأقرب إلى الميدان، ففاجأته برفضها لما يحدث، فما لبث أن طال الحديث معهم حتى طالبته باصطحاب ابنها الوحيد ذو الـ12 عاما "خده معاك.. أنا عايزة يتقال لي يا أم الشهيد"، كلمات والدته صعيدية الأصل بعد وصلة من السباب لانقطاع الاتصال بينهما "اثبت يا ولدي اللي يجرى على ولاد الناس يجرى عليك.. خليك مع أخواتك"، الوجع المصاحب لعبارة الشاعر هشام الجخ حين يقول "مالناش نصيب نفرح بخلفتنا"، ومع ذلك يواصل الرجل الإيمان أن الثورة مستمرة، إن لم تكن بذاته، فبأولاده، موقنا أن "الفتيل لسه مشتعل.. ودايما في ميدان".

 

تابع باقي موضوعات الملف:

"فلان الفلاني".. الثورة بنت المجهولين "ملف خاص"

2015_1_25_18_8_4_974

أحمد أمين.. واجه مبارك بـ''7 جنيه'' وصنع متحف الثورة بـ''مشمع''

2015_1_25_1_19_23_900

مصطفى.. ''اللي كان يومها واحد من الحراس الشعبيين للمتحف''

2015_1_25_2_26_51_805

سهام شوادة.. الثورة يعني ''عيش وملح''

2015_1_25_1_44_48_456

عم فولي.. ابن المطرية يتعلم الثورة على الطريقة الإنجليزية- فيديو

2015_1_25_2_49_47_80

''الششتاوي''.. الثورة تحت أقدام الأمهات

2015_1_25_2_8_55_528

محمد عمران.. أن تختار بين الثورة و''بنتك''

2015_1_25_1_22_19_540

نساء عائلة "سلام" بالإسكندرية.. الثورة تمد لسابع جد

2015_1_24_23_30_26_252

مها عفت.. أول من حَمل "علم الثورة" في الميدان

2015_1_25_0_44_55_519

يحكى أن ''عبدالله'' هتف.. وشبرا كلها ردت وراه

2015_1_25_16_27_39_559

''فنانة'' و''بتاعة سندويتشات'' و''مسؤول شواحن''.. أبناء ''أسماء'' في الميدان

2015_1_25_2_47_28_846

القصة وراء صورة "ماجد بولس".. ياما في موقعة الجمل حكايات

2015_1_25_1_42_41_222

في بورسعيد.. من الأم إلى ابنتها ''الثورة أبقى وأهم''

2015_1_25_2_57_24_312

''فاتن حافظ''.. الثورة ''من طأطأ لـسلامو عليكو''

2015_1_25_2_4_34_14

قاسم المزاز.. ''دليفري'' المستشفى الميداني

2015_1_25_2_34_56_662

للتحرير تفاصيل يعرفها "محمود نصر"

2015_1_24_22_45_31_693

محمود جمال يكتب.. من دفتر مذكرات فلان الفلاني "اللي كان يومها ثائر"

2015_1_25_17_43_25_958

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان