إعلان

قطط مدرسة ''السعيدية''.. يتيمة من بعدك يا ''أبلة سعاد''

04:52 م الأربعاء 04 مارس 2015

أبلة سعاد بصحبة بعض المدرسين القدامى

كتب-دعاء الفولي وإشراق أحمد:
في الثامنة صباحا تفتح مدرسة السعيدية الثانوية أبوابها، يدلف الطلاب، المدرسون يتممون على الفصول، يكتمل وجه اليوم الدراسي، بمنتصفه يخرج آخرون، يصطفون في جانب من الحديقة، ينتظرون قدوم ''ماما سعاد''، في ميعادها اليومي، يموؤون في حزن لأنها لم تأتِ وهي التي عودتهم على تناول الطعام في ذلك الوقت، يستمرون على هذا الحال كل يوم، لا يعلمون أنها رحلت عن العالم، وأصبحوا أيتام من بعدها، لا يلتفت إليهم أحد.

معطف أبيض ارتدته لأكثر من 30 عاما داخل عيادة ''السعيدية''، تستقبل الطلاب، تستخرج لهم البطاقة الصحية، ومن تصيبه وعكة صحية مفاجئة وقت اليوم الدراسي تسرع له بالإسعافات، حملت لقب ''حكيمة'' التأمين الصحي، كانت خير تأكيد لوصف ''ملاك الرحمة'' المطلق على الممرضات، حتى بعد أن خلعت عنها المعطف بخروجها على المعاش، أبى اللون الأبيض أن يفارق فعل قلبها، وتبتعد عن المكان الذي أفنت به شبابها، آثرت منحه مزيد من الوفاء والرحمة، لم تكن كمن سبقها أو لحقها من المشتغلات بعيادة المدرسة، ''أبلة سعاد'' الوحيدة التي حفظت ألسنة المدرسين اسمها عن ظهر قلب، وسجلت العيون حضورها اليومي من أجل كائناتها الصغيرة المحببة.

عقب الخروج على سن المعاش، وفي العاشرة صباحا من كل يوم اعتادت ''سعاد'' الذهاب إلى ملاعب مدرسة السعدية، سيارة أجرة تستقلها من منزلها بمنطقة السيدة زينب، إلى جامعة القاهرة، حقيبتان مملوءتان بطعام القطط المعتاد؛ جبن ''نستو''، خبز ''فينو''، لبن و''رجول'' الدجاج، كانت السيدة السبعينية تبدأ جلستها حيث تتحلق حولها القطط، وتنتهي قُرب الثانية، تودع آل الملاعب بابتسامتها المعهودة، تسير إلى المدرسة، تلقي السلام على الحراس، وبعض المدرسين المتواجدين عقب انتهاء اليوم الدراسي، ترتكز بجانب المشتل حيث تجمع أبناءها من القطط، وتبدأ حفلة الطعام اليومية لمدة ساعة، قبل أن تعود إلى بيتها.

بخطوات تقل سرعتها سنة تلو الأخرى بحكم السن، تهل ''أبلة سعاد''، بزيها المتوحد الطراز، من تنورة تعلو عن كاحل القدم وقميص يخف بالصيف ويثقل بالشتاء، ويغطي رأسها طاقية من الصوف، على أبواب المدرسة العسكرية، ومع ظهور القطط يتأكد حضورها، الذي بات مع مرور الوقت معروف ميعاده، لا ينحيها عنه شيئا.
على كرسي خلفيته مشتل المدرسة تجلس السيدة السمراء، بجواره تركن الحقيبة ذات اليدين الخشبية، فيما تعلق حقيبتها الشخصية على الكرسي، مع تلك الحركات القليلة تحيط بها القطط، لا يقل عددهم عن خمسة بل يزيد في كثير من الأوقات، تجلس كأنما أبناء في حضرة والدتهم القادمة لتوها إلى المنزل، ينتظرون ما جلبته لهم، يتابعونها في يقين بمعرفة ما تقدم عليه مع دس يدها في الحقيبة، تخرج في جدية أم مع صغارها، رغيف خبز، تفرد به قطعة من الجبن، تقطعه للقيمات صغيرة توزعها عليهم بالتساوي متحدثة بحنو ''خدي يلا كلي''، لا تستجري أيا من القطط الخروج عن القاعدة التي وضعتها لها ''ماما سعاد''، فأي محاولة تلصص للاستطلاع ما بالحقيبة، أو الاستقواء على الأخوة وقت الطعام، مصيرها معروف من وصلة نهر عنيف، مصاحبا لضربة خفيفة على اليد بكلمات ''عيب كده''.

للقطط أسماء تعرفها ''أبلة سعاد''، تناديها بها وقت تناول الطعام، الذي ما أن ينتهي بفراغ ما لديها بمائدة حقيبتها، تحظى بكوب الشاي الذي أعده لها ''عم عادل'' عامل المشتى، وتبدأ وصلة الترحيب برفاق المدرسة المستجدين عنها، فالجميع يعلم أن ''الأكل عليه أدب'' فلا سلام ولا كلام وقت إطعام الصغار.
كنسيم الريح يعتاد المارة عليه، تغمض جفونهم برهة لعبوره، ويستكملون مسيرتهم بعده، كانت ''أبلة سعاد''، يتناقل سيرتها كل من أقبل على المدرسة، يتعجب البعض حال ''سيد حسن'' أحد مدراء ''السعيدية''، يمر عليها فتنتابه الحيرة ''لماذا تفعل هذا؟'' يتساءل. غير أن الرحمة المصاحبة كذلك للتعامل مع الزملاء يطغى علي كل شعور آخر، البعض الأخر لا يجد غضاضة من فعل السيدة المسن، إذ سبق أن رأت ''سهير سامي'' سيدة مثلها بمستشفى الحميات حيث كانت تعمل قبل التحاقها بالمدرسة، لم تعهد الممرضة بعيادة السعيدية صاحبة مائدة القطط وقت عملها، غير أن دوام مجيئها المدرسة كانت كافية لتشهد لها بطيب القلب والرحمة التي شملت الجميع.

سمعت ''سهير'' عن مداومة السيدة الراحلة لفعل الخير من الآخرين ''اتعودت تعمل جمعيات عشان تشتري حاجات للأطفال وتوديها وبتساعد ناس هنا في المدرسة''، 15 عاما هي المدة التي اهتمت فيها السيدة بالقطط بشكل يومي ''وبيقولوا كان فيه حمار في الشارع عندها بتأكله''، على حد تعبير ''سهير''، غير أنها أحيانا ما كانت تلاقي تأففا من البعض ولو بشكل غير مباشر ''كانوا بيتضايقوا عشان ريحة رجول الفراخ اللي معاها''، قال ''سيد''.

قط لفظ أنفاسه حينما تغيبت ''أبلة سعاد'' فترة طويلة لظروف مرضية، قصة يعرفها آل ''السعيدية''، لم تظن السيدة المسن يوما أن علاقتها بالقطط أمرا غريبا، كانت تدور على أصدقائها من المدرسة، تأخذ ممن يستطيع منهم الدفع أموالا كي تحضر طعام لأحبائها الصغار ''كانت جريئة وبتطلب من زمايلنا فلوس عشان الحيوانات''، على حد قول سهير زميلة العيادة، بينما في نفس الوقت لا يسقط من اهتمامها البشر ''كانت ب4 تجبلنا حاجات حلوة ساعات وتوزع علينا''، قال ''سيد'' ضاحكا.
تبدو المدرسة على حالها، كأن السيدة لم ترحل، ما إن يُذكر اسمها، حتى ينفرط عقد الحكايات عنها ''كل قطط المنطقة تعرفها''، يتبعه التبرير أنها لم تتزوج، لذا اتخذت من القطط ''ونس''، الحنو على الحيوانات غطى على التفكير في معرفة اسمها بالكامل، أو مسكنها، فقط ''أبلة سعاد''، اسم يعرفه كل صغير وكبير بالمدرسة التي نعتها بعد رحيلها في فبراير 2015.

تابع باقي موضوعات الملف:

رحماء في "مملكة الحيوان".. "الإنسانية مبتلمش"

2015_3_4_20_11_44_645

حكاية آخر ربع ساعة في حياة ''قطة''

2015_3_4_17_10_59_348

حدث في مصر.. المطافئ أنقذت "قطة" بعد اتصال "روزان"

2015_3_4_19_13_14_657

منى خليل.. رئيس جمعية لرعاية الحيوانات الضالة تواجه القانون بالرحمة

asfd

''ألف رحمة ونور''.. حكاية ''عبده'' مع ''كلب حدائق الأهرام'' (صور)

2015_3_1_0_28_47_486

"هاجريد".. العملاق الطيب رفيق الحيوانات

2015_3_4_19_21_34_423

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان