بالفيديو والصور: الزاوية الصديقية.. من هُنا نبتت فرقة "ابن عربي"
كتب-أحمد الليثي ورنا الجميعي ودعاء الفولي:
قبل أكثر من مائة عام، وبينما يعيث الاحتلال الإسباني فسادًا في المغرب، كان ثمة مدينة تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، تُسمى "طنجة"، تفصلها مسافات عن أصول الصوفية بمدينة "فاس"، وكان الاحتلال قد فعل بها ما فعل، حين استقر فيها الشيخ محمد بن الصديق، لا لشيء إلا لبناء زاوية، تنشر علما، تبدل وحشة الدين بالمدينة إلى أنس، يخرج منها شيوخ وعلماء، تتوارد عليها أجيال، تتسع الحلقات ويظل السماع الصوفي موصولا، حتى انضم لها شيخ أنجب ثلاثة أبناء، أنشأ كبيرهم فيما بعد فرقة ابن عربي، بمباركة شيوخه بالزاوية الصديقية الدرقاوية.
عبد الله المنصور مع شيخه داخل الزاوية الصديقية
حينما دخل أحمد الخليع –مؤسس فرقة ابن عربي- مسجد السيدة زينب منذ عشر سنوات، لم يصدق حالة الاحتفاء به لكونه قادما من الزاوية "لها صدى كبير في الأوساط العلمية.. كثير من شيوخ مصر مروا بها"، كان جزء من حياة الأشقاء بداخلها بين دروس العلم والسماع، سُمي أحمد تيمنا بأحد شيوخها "هو سيدي أحمد بن صديق الحسني مدفون في القاهرة، وأول من عمل مجالس إملاء الحديث في مسجد الحسين بعد 600 سنة من مجالس الإمام السيوطي".. الأمر لم يتوقف بطبيعة الحال عند قدامى العلماء "الشيخ علي جمعة لا يأتي المغرب دون زيارة الزاوية فبها شيوخه ويعتز جدا بها".
تاريخيا كان أئمة الصوفية يتخذون من الأماكن التي لم يصل إليها علومهم مركزا جديدا للدعوة، فكانت فكرة الزوايا، ومنها "الصديقية الدرقاوية" بطنجة.. حلقات علم تُدرس بداخلها ولها أيام معروفة، فالخميس لشرح كتاب "دلائل الخيرات" للإمام الجزولي، وهو كتاب أوراد للصلاة على النبي، والسبت مجلس لتفسير قصيدة البردة للإمام البوصيري، وقبل صلاة المغرب بذلك اليوم لتفصيل قصيدة الهمزية للإمام ذاته، أما الخميس فالسماع الصوفي هو مجلسه، وقصائد ابن الفارض والششتري عمودًا له.
500 متر هي مساحة الزاوية؛ رغم أنها حديثة التأسيس لحد ما، لكن طريقتها في تدريس التصوف قديمة، لم يكن دارسوها من صغار التلامذة، بل المؤهلين، حلقاتها لم تنقطع يوما، فما إن يدخل أحد الشيوخ حتى يبدأ في إعطاء الدرس؛ بالفقه، الشريعة، العقيدة، النحو والإملاء وغيرها "كان علماؤها معظمهم من الصوفية والمحدثين في ذات الوقت" قال أحمد الذي يرى أن هذا أمرا غريبا، فعلم الحديث وما به من جرح وتعديل يحتاج الحزم والشدة والصرامة في التعامل مع الأحكام، عكس التصوف؛ فضفاض يعتمد على اللين.
الجمعة من كل أسبوع كان ميعاد اجتماع الناس لسماع درس التصوف داخل الزاوية التي يتبع شيوخها مذهب الأشاعرة، على الطريقة المالكية، التي نُقلت إليهم بواسطة الإمام أبو القاسم الجنيد البغدادي. السماع في الزاوية أمرا طبيعيا "بالآلات ودونها"، على حد تعبير أحمد، لذا حين عزم أمر تكوين الفرقة أواخر الثمانينات آخذا رأي معلميه فيها "قالوا لي توكل على الله.. اعملها وارفع اسم ابن عربي عاليا في الآفاق يرفع الله اسمك".
شيوخ الزاوية الصديقية
تُوفي معظم أكابر الزاوية الصديقية، والأبناء ليسوا كآبائهم بطبيعة الحال، لكن أبوابها لا تُغلق في وجوه القادمين، يستقبلهم بابها المزركش بلون أصفر، يسر الناظرين، ترحب بهم عواميدها الكثيرة المقسوم لونها بين الأبيض والأخضر، أرفف الكتب الموجودة قبل عدة درجات من السلالم هبوطا لقاعة أخرى، حيث يستقر مقام مؤسسها، وسقف عالي، به أكثر من كوة مغطاه بالزجاج، إذا ما لمسها ضوء الشمس، انعكست ألوانها البراقة داخل المكان، وجدول معلق بمواعيد الصلوات، وكلمات "الله الله" لا يتوقف هديرها، التسبيح والذكر أمر يحترفه قاطنيها جمعا كانوا أو فرادى، بينما لا يزال يتردد ذكر الزاوية وشيوخها في أركان المعمورة بفضل ابن عربي وفرقته التي لا تخلو كلماتهم من عرفان منبته ذلك المكان.
تابع باقي موضوعات الملف:
فرقة "ابن عربي".. قلوب في طور التجلي (ملف خاص)
مؤسس فرقة "ابن عربي": قدمنا حفلا بباريس اليوم التالي لحادث "شارلي إبدو".. والتصوف ليس خرافة (حوار)
بالفيديو والصور.. من الإسكندرية لـ"سيدنا الحسين" مصراوي يعايش أيام "ابن عربي" بمصر
بالفيديو والصور: آلات "ابن عربي" ألوان.. "ورا كل لون معنى ومغنى"
بالفيديو والصور.. منشد ابن عربي: "الدف حتة من قلبي وبعشق برشلونة" (حوار)
فيديو قد يعجبك: