عامل النظافة منتصرًا - (بروفايل)
كتبت - إشراق أحمد ودعاء الفولي:
بدلة برتقالية، أيادٍ متشققة تجمع القمامة، تحنو على القطط الضالة، يبتسم صاحبها للمارة، يحمل عبء مناوبته التي ستبدأ قريبا، يجر قدميه من الفراش، متحاملا على الإرهاق، ومرتبه الضئيل الذي لا يكفيه قوت يومه، ينظر للابن القابع على الكتاب، يدرسه حتى يذوب في معالمه، لا لشيء إلا لـيرفع رأس الوالد "الشقيان"، يلتحف عامل النظافة بنفسه الذكية وصبره الجميل، يهدهد وجع روحه ومتاعب المهنة، منتظرا نجاح الابن، يراه في ثوب "القاضي"، يتخيله كما قمر في ليلة التمام، حتى يتسرب إلى أذنه تصريحا أعوجا، يحيل لون الدنيا التي احتملها بالكاد، إلى أسود.
"لازم القاضي يكون طالع من وسط محترم ماديا ومعنويا"، قال وزير العدل "محفوظ صابر"، أمس بأحد البرامج التلفزيونية، تنهال دموع الرجل "الغلبان" من حيث لا يحتسب، يسأل ليعلم من المتكلم، فيجده وزير العدل؛ من نصّبته الدولة للدفاع عن حقوق "الغلابة" ضد الوحوش، يبدأ عامل النظافة مناوبته مكسور الخاطر، ينحني ليلتقط ورقة، فيشعر بالجبال فوق ظهره، يعمل ويعمل، تبدو الساعات دهرا، والبدلة البرتقالية كزيّ الإعدام، إلى أن يأتي المدد من السماء؛ معلنا نهاية فترة الوزير ذو التصريحات "العنصرية"، يلملم العامل شتات قوته اليومي، ويعود لبيته قرير العين، منتصرا دون تدخل منه.
"وسط بيئي مناسب" هو ما لفظوه منه بقول صريح، دون إخباره ماهية ذلك "الوسط المناسب"، أخرجوه من جنتهم وهو الآتي بهم وبغيرهم بمناصبهم، لا يتأفف من حمل مخلفاتهم فيما يتأففوا هم منه، لم يطالبهم يوما أن يتساوى بنظيره في الجانب الآخر من العالم فيستكرون مناداته إلا بـ"مهندس النظافة"، ورفضه العمل إلا بتوفير منزل يمتلكه وسيارة وتأمين صحي، فقط اكتفي بجمع الوريقات والقاذورات، وتلقي الاتهامات بأنه بعمله هذا "مليونير"، وبعض رفاقه كذلك، لكنهم رقم لا يتعدى أصابع اليد الواحدة الكثير مثله لا ينتمون إليهم.
يطالبونه ألا ينظر لأعلي "ومش معقول ابن عامل قمامة يبقى قاضي"، فيما لم يرحموا ابن عامل مصنع الطوب المتفوق دراسيا، حامل ماجستير الاقتصاد والعلوم السياسية "عبد الحميد شتا" حين تقدم ليكون ملحق تجاري بهيئة التمثيل التجاري، فاستكثروا عليه أن يقبلوه، وأبدوا حزنهم عليه بعد انتحاره، لم يعلموا أن كلماتهم "غير لائق اجتماعيا" كانت على نفسه كسكين بارد.
لا يغرك ضعف طنين النحل، فلا يعني ذلك موته أو مهادنته، فلم تفلح يوما "خليهم يتسلوا" في وأد ثورة أو تأخير ميعادها إن بلغت القلوب الحناجر، ولم يُستسلم لوعود "محدود الدخل" بأنه في القلب والعين، في حين كل هُمزة ولمُزة تؤكد أنه أخر هم يحمل له صاحب الكرسي بال، فيما كان لسان حال ذلك الذي يظنونه مغلوب على أمره "اتقي شر الحليم إذا غضب.. وشر الغفلة في الكلمة".
اقرأ أيضا..
بالفيديو- وزير العدل: "ابن عامل النظافة لن يصبح قاضيا..وهيجيله اكتئاب"
لماذا يعجز ابن عامل النظافة أن يكون قاضيًا؟
أزمة "ابن عامل النظافة" تثير غضب سياسيين: وزير العدل وجبت اقالته
بالفيديو..نقيب الزبالين لوزير العدل: "ابني ممكن يكون اذكي من ابن أى وزير"
فيديو قد يعجبك: