لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"مصراوي" يحاور "المبتكر الصغير" الذي كرمته وزارة التضامن وتبنته "ميكروسوفت"

12:12 م الإثنين 01 يونيو 2015

كتب- دعاء الفولي وإشراق أحمد:

قبل 16 عاما رُزق "محمد عمران" بابنه البكري، فرحة عارمة بقدوم الوافد الجديد للعائلة، لا يليق بها إلا أحب الأسماء فكان الصغير "عبد الرحمن"، غير أن سرعان ما انطفأ بريق الفرحة، بعد معرفة الأب بإصابة وليده باختناق أثناء الولادة سيؤثر على حركته طيلة حياته، استودع ابن قرية السيل بأسوان ابنه عند مَن لا تضيع عنده الودائع، ونذره للعلم، رغم أنه بعيدا عن ذلك المجال، أراد له مستقبل أفضل، فكان؛ بعد سنوات قليلة يستقبل محافظ أسوان "عبد الرحمن" لتكريمه، ووزيرة التضامن تقدم بترحاب شهادات قدير، وشركة ميكروسوفت تقرر دعمه لتطوير ابتكاره لبرنامج يُمَّكِن أصحاب مرض الشلل الرباعي والمكفوفين من استخدام الكمبيوتر ببصمة العين والصوت.

بكلمات بسيطة وسمت هادئ، لا يخلو من البسمة أخذ "عبد الرحمن محمد عمران" يتحدث للحاضرين تكريم وزارة التضامن له عن ابتكاره، الذي وضع بذرته انطلاقا من مشكلته الشخصية، الحضور في ذهول وفخر مما يقوله ابن المرحلة الثانوية، فيما يشرح هو في ثبات كيف يمكن لمن لا يمكنه تحريك أي من أعضاء جسده سوى العين ألا يشعر أن الحياة انتهت، أو أنه كالميت، بل يمكنه أن يعيش، بل وهناك مَن يفكر فيه.

بحركة العين ودون كلمات، يتحرك مؤشر الكمبيوتر، وبثبيتها على ما يُراد من الملفات والأيقونات، تُفتح دون استخدام لأزرار أو "فأرة الكمبيوتر" –ماوس-، أما إن كان المستخدم لا يُبصر، فقط بالحديث إلى الجهاز وإعطائه الأوامر يحدث الأمر ذاته.

عبد الرحمن المخترع
فتى أسمر، طويل القامة، نحيف البنية، غير أن عقله ينطوي على الكثير من أفكار وأحلام تفوق عمره وهيئته، يولع "عبد الرحمن" بالعلوم منذ صغره، ليس كغيره يمل من الدراسة، يشكو ويتملل من عدم جودتها، بل شغوف خاصة بالعلوم "أي تجربة في كتاب العلوم أروح اعملها في البيت" مبتسما قال ابن الصف الثالث الثانوي، متذكرا أول تجربة قام بها "المغناطيس والعربية والمطبات"، تلك التجربة التي تأتي بخاطر أي شخص يستهل دراسته وبحثه للعلوم حسب قوله.

عام تلو الآخر يزيد الصبي حبا وتعلقا بالعلم، دعم والده يجعله أكثر تمسكا بالطريق، لا يخش شيئا حتى ولو وقع ضرر "في 3 إعدادي أخذت في المنهج تجربة الأوكسجين مع النار حبيت أشوفها فالنار ولعت بس قدر ولطف" بضحكة قال "المبتكر الصغير"، الذي ما أن آمن به أبيه حتى سخر كل طاقته لتشجيعه، أراد له أن يكون متفوقا في كافة مناحي الحياة "ففي الإعدادية دخلته مدرسة أزهرية وختم حفظ القرآن"، ليعود بالمرحلة الثانوية إلى مدرسة عامة "وابتدى ينفذ الابتكار عملي من أولى ثانوي".

يحاول طالب الثانوية العامة أن يكون قائمًا بذاته، يقرأ بنهم، يتابع الأبحاث المنشورة على الإنترنت، لكنه لا يعرض تجاربه على أحد "بخاف إنه يحبطني أو يقولي إني هفشل"، يعتمد السرية التامة، حتى آل بيته لا يعلمون شيئا عما يفعل، إلا حين الانتهاء منه، ومع ذلك لم يخلُ الأمر من إحباط يصيبه بين وقت وأخر؛ يذكر حين حضر مسابقة "أيسيف" للعلوم والهندسة، التي اُقيمت على مستوى محافظة أسوان، مقدما فيها فكرته عن ويندوز المكفوفين، إذ قال له أحد المحكمين إن الفكرة ليست ملكه "وطلب مني أقوله كود البرنامج وتفاصيل أكتر عشان يصدق أنها فكرتي"، فما كان رد الفتى سوى الرفض "لأني مكنتش سجلتها كملكية فكرية".

وزيرة التضامن تكرم المبتكر الصغير
كلمات قالها الفتى وهو صغير، ابتسم لها الثغور "أنا هعمل حاجة"، جذبته أفلام الخيال العلمي، حركت عقله، أكدت له أن الدول لا تقاس إلا بتقدمها التكنولوجي "فبدأت اشتغل الكترونيا عشان ارفع بلدي"، وذلك بعد تعرفه على البرمجة في منهج المرحلة الإعدادية، أخذ يتساءل "أحنا أكيد نقدر نعمل حاجات أكتر من بس الكتابة"، لذا التحق بعدد من الدورات التدريبية في مجال البرمجة، وواصل الاطلاع والدراسة حتى أصبح جاهزا لابتكار مشروعه الخاص.

قبل أكثر من نحو 7 أشهر بات صعبا على "عبد الرحمن" بحكم مرضه أن يحرك فأرة الكمبيوتر، فصمم نظام يمكن مِن استخدامه عبر نظرة العين، لكنه لم يتوقف عند ذلك، الأسئلة دائما ما تلاحق الفتى، وهي ما تدفعه لخوض المزيد من التجارب حتى ينجح، "ليه مرضى الشلل الرباعي ميستخدومش النظام ده" تساءل الفتى، تحمل صعوبات فنية واجهها " "بيبقى قدامي الخطأ ومش عارف أوصل له.. كنت بفقد الأمل أحيانا لكن أرجع تاني وأجرب مرة واتنين واربعين مرة".

مع الوقت تطور أداء "عمران" فيما يتعلق بتجاربه "قبل المرحلة الإعدادية كنت بشتغل على تجارب معمولة قبل كدة"، ومع المرحلة الثانوية قرر أن يكون له طريقه الخاص، يهوى البرمجة وصمم ابتكاره هذا إلى جانب كرسي متحرك يعمل بإشارات العقل، ورغم ذلك فهي ليست عشقه "كنت في الأول عايز ادخل علوم كمبيوتر.. لكن لما اطلعت على المناهج لقيت إنها مش هتضيفلي جديد".

مناهج أقسام علوم الكمبيوتر التي تُدرس بمصر أنهاها عبد الرحمن تقريبا بقراءته الحرة، بل يساعد الآن طلاب الفرقة الرابعة بـ"مودرن اكاديمي" مشروع تخرجهم، لكن ذلك لا يمنع شغف الطالب بمجال الهندسة الوراثية والكيمياء، فهو يعمل على دواء –على حد قوله- يعالج ضغط الدم العالي، وبدأ الاهتمام بكتب الهندسة الوراثية وبمساعدة قريب له بكلية الزراعة، هكذا يسعى حثيثا نحو كلية "العلوم" التي يتمنى الالتحاق بها.

الكرسي المتحرك الذي ابتكره عبد الرحمن يسير بإشارات العقل لمساعدة مرضى الشلل الرباعي
تجارب، فشل، تكتم، إحباط.. لحظات مر بها ابن السادسة عشر عاما، لكنها ما حجبته عن مراده، شعر كأن الفشل لم يكن، حينما خط بقدمه شركة مايكروسوفت للمرة الأولى، لعرض تجربة "ويندوز المكفوفين"، ارتباك يحاوطه ورعب ألا يلاقي إعجاب اللجنة "بس بمجرد ما خلصت اللي بتقيم سألتني انت في كلية إيه.. قولتلها أنا طالب في 3 ثانوي"، كان الانبهار مخيما على الجالسين، علم الشاب أنه نجح فيما جاء من أجله، وحصل على وعد بتطوير برنامجه.

يستطيع برنامج "عمران" أن يتعرف على أكثر من صوت، وليس مَن يلقنه الأوامر فقط "كنت عارف إن في نظام موجود في الأي فون مشابه لفكرة الويندوز لكني طورته، وطورت البرنامج بتاعي عشان يبقى عنده ذكاء اصطناعي فيجاوب على أي سؤال يتوجه له"، يعتمد اختراع طالب الصعيد على اللغة الإنجليزية لمن يصدر الأمر للجهاز، غير أن شركة مايكروسوفت ستطوره لتكون الأوامر باللغة العربية كذلك.

بين القاهرة وأسوان يقضي عبد الرحمن أيامه احيانا، لا ينزل إلى العاصمة كثيرا، لكنه يستغل هذه الفرصة كي يحضر الأدوات التي يحتاجها لتجاربه والتي لا تتوفر في أسوان، خاصة انه قد يعمل في أربع مشروعات بالتوازي، وفيما عدا ذلك يستعين بآخرين كي يحضروا له مطالبه.

أيام قليلة ويصبح "بيل جيتس" الصعيد –كما يطلق عليه- منكفئا على دروسه مع بداية العام الثالث من الثانوية العامة، شهور طويلة سيمتنع فيها عن تجاربه بسبب ضغوط المذاكرة "احنا بنتجبر إننا نسيب البحث العلمي"، أراد لو أن هناك درجات إضافية لدعم العاملين على اختراعات او أبحاث علمية، شيء يحفزهم لاستكمال المسيرة دون المساس بالتعليم أو البحث العلمي، لا يحمل الشاب الصغير هما لاستذكار مناهج الثانوية العامة، ورغم محتواها العلمي الجيد "لكن طريقة تدريس المناهج مش صح.. مفروض بدل ما ناخد نبذة عن كل حاجة، يبقى فيه تخصص نركز فيه في كل مرحلة علمية بحيث إننا يبقى عندنا خلفية كويسة مش مجرد عشان نمتحن وخلاص".

ينتظر "المبتكر الصغير" انهاء الامتحانات ليعود مرة أخرى لأبحاثه وابتكاراته، وكذلك مشروعه الذي يقوم عليه في محافظته أسوان، وهو جمعية للمبتكرين، المنضم لها نحو 300 طالب تبدأ أعمارهم من المرحلة الابتدائية كما قال "عبد الرحمن"، يعلمهم أساس البحث العلمي، ينقل لهم خبرته، ويتبادل معهم العلم كأنما ملتقى الباحثين الصغار، حتى يصبح لكل منهم مشروعه الخاص المفيد للوطن.

IMG_0131

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان