بنات بحري في المنيا.. ايه اللي رماك على المُرّ؟
كتبت- يسرا سلامة ودعاء الفولي:
مع بداية العام الدراسي من كل عام، تفتح المحافظات أبوابها لاستقبال الطلاب والطالبات المغتربات، وتُفتح معها عدد من بيوت هؤلاء لتوديعهم حين يرحلون لعالم الجامعة؛ حضن من الأهل ونصيحة تشتد على الفتيات؛ أشياء تترك في أذهان أمل حنفي ومها محمد وإيناس حمدي، ذكريات عام في محافظة المنيا، بعد أن قدمن من الإسكندرية للدراسة بكلية العلوم، تحمّلن التجربة بكل ما فيها ابتغاء الحصول على تقدير يؤهلهن إلى التحويل لكلية العلوم جامعة الإسكندرية مرة أخرى في ذلك العام الذي على وشك البدء.
"ملكوش مدينة" كانت الكلمة التي اصطدمت بها البنات حين وصلن للمحافظة الجديدة "كأنه مكنش كفاية البهدلة والطريق والتعب"، مع الساعات الأولى من دخول المنيا، رفض الأمن المسئول عن المدينة الجامعية دخولهن "كنا لسة الفجر وتعبانين من الطريق بس كان ميعاد فتح المدينة مجاش"، كان ذلك الموقف هو الأول لهن في "الغُربة"، ورغم أنهن استطعن السكن بالمدينة عقب الدراسة بأسبوع غير أنها لم تكن أحسن حالا.
بمجموع 85% وتذكرة قطار وحقيبة سفر، ذهبت مها إلى كلية العلوم بالمنيا، 7 ساعات قضتها في القطار، أصبحت تقضيها كل شهر في إجازة إلى الأهل، كانت ترغب في الدخول إلى قسم علوم الحاسب الآلي، لتجد أن ذلك القسم أيضا يحتاج إلى مجموع أكبر في الثانوية العامة، بعكس كلية علوم الإسكندرية. تلك السنة هي الأطول في عمر مها، هونتها الصُحبة؛ كانت ضمن أربع فتيات من نفس المحافظة يعشن بغرفة واحدة في المدينة الجامعية، التي كان القبول فيها يسيرا، لأن درجاتهن تجاوزت مجموع ال80%.
"من السابعة صباحا وحتى السابعة مساءً كان ميعاد المدينة، لم تكن القوانين تسمح باستثناءات، لذا تعين على الفتيات أن ينتظرن مرارا قبل السابعة صباحا "فيه قطرين بيروحوا من إسكندرية للمنيا الأول بيتحرك بليل ويوصل خمسة الصبح والتاني بيتحرك المغرب وبيوصل 12 بليل" قالت أمل. مع تكرار الانتظار أردن تقديم شكوى، لكنهن قررن السكوت كي لا يؤثر ذلك على تحويلهن إلى علوم الإسكندرية "وبقينا نستنى في كافتريا المحطة الساعتين دول".
التحرك سويا، الاتفاق على أوقات المذاكرة؛ خطوات عدة اتخذنها للاعتياد على الوضع الجديد "كان في
البداية صعب إني مش معايا أهلي، اغسل واطبخ واكوي وجنب ده أذاكر.." على حد قول مها.
لم يكن طعام المدينة جيدا "استحملناه أسبوع بالعافية" توضح أمل، أزمة الطعام جعلتهن يفكرن في حلول بديلة "اتفقنا إن اللي هينزل إسكندرية هيجيب حاجات للباقي"، وأحيانا كان والد أمل يلجأ لطريقة أخرى لتوصيل الطعام لهن "كان بيبعته مع سواق السوبر جيت" تقول ضاحكة، بينما تضيف "بابا كان بيقوله بنتي طالبة في المنيا ويديله رقمي عشان يرن عليا أما يوصل".
الاعتماد على الذات كان أيسر من صورة سيئة ارتسمت لدى زملاء الفتيات الثلاث عن بنات الإسكندرية "دول بنات بحري، منفتحين، بيلبسوا بناطيل جينز، زي بنات أوروبا، بيتعاملوا مع الشباب عادي".. تقول مها وتؤكدها زميلتها إيناس وكذلك أمل، عرفت الطالبات تلك النظرة من كلام متناقل بين الألسنة أو في مواقف حدثت لهن.
كانت مها عضوة بإحدى الأسر في الكلية، تحتل فيها منصب مسئول بالعلاقات العامة، وتوزع مهام طلبات اعتماد أوراق للأسرة من طالبة أخرى من المنيا، وتطلب منها الذهاب لأحد الجهات المسئولة، لترفض الفتاة قائلة "مش هينفع أروح لوحدي، أهلي بيخافوا عليا مش زيكوا مش بيسألوا فيهم"، التصنيف كان التجربة الأسوأ التي مرت بها طالبات الإسكندرية، علمن أن تصرفاتهن مهما كانت محافظة فلن تغير الصورة النمطية "المغترب مبيخدش قيمته في محافظة تانية" تقول إيناس، التي عايشت كذلك تعامل بعض الأساتذة بحدة مع المغتربات "فيه من الدكاترة بيبصولنا على إننا درجة تانية".
تلك العادات أعاقت الفتيات في التأقلم اجتماعيا، لكن إيناس كانت صاحبة قرار من البداية "أنا ورا كلية العلوم ولو في المنيا"، حبها للكلية جعلها تصر على إقناع والدها ووالدتها بالذهاب، ظنا منها أن باب "تقليل الاغتراب" الذي تفتحه الجامعة في وسط كل عام ربما يعيدها مرة أخرى للإسكندرية، لكن الباب لم يُفتح – لأول مرة في العام السابق- وقضت الفتاة 365 يوما إلا قليل في المنيا.
تنتظر إيناس -كما تفعل زميلاتها- أن ينجح التحويل هذا العام، الأزمة أن يتأخر بعد العام الدراسي بشهرين أو أكثر، مما يجعلها في السنة الثانية أيضا بالمنيا، غير أن الدراسة قد تكون أيسر في جامعات الصعيد بمصر، لكن ذلك يضر بالطالب المغترب "أختي بكلية علوم جامعة الإسكندرية، الدراسة في الإسكندرية في نفس العام الدراسي تختلف بين المحافظتين، ومعناه إني هقضي بعد التحويل وقت أراجع على ما أخذه طلاب سنة أولى هناك".
بعد عام من الحياة بعيدا عن المنزل، تلمس إيناس صعوبة في تعاملها مع أسرتها بعد العودة من الجامعة "حسيت أني غريبة وسط أهلي"، بينما تقول مها إن العام المنصرم، طويل ومرهق لكنه زادها خبرة التعامل مع الناس، وتعلمت كيف تتصرف في مجتمع منغلق دون أن تصطنع، فقط كانت تحتاط في تعاملاتها.
الدائرة التي حوصر فيها الفتيات الثلاث، لم تمعنهن من محاولات كسر الرتابة، فقد اعتادت أمل أن تركض صباح كل جمعة على كورنيش الإسكندرية بصحبة آخرين، دون أن تحدث مشاكل، لكنها عندما نفذت ذلك في المنيا بصحبة مها لم تكن التجربة موفقة "الكلام اللي سمعناه كان سخيف جدًا كأننا بنعمل حاجة غلط غير نظرات الناس لينا مع إن في إسكندرية دة طبيعي جدًا".
رغم الاختلاف الضخم بين المحافظتين إلا أن الطالبات استطعن إيجاد بعض الميزات "المنيا مثلا مش زحمة خالص وأسعار المواصلات ثابتة"، لكن التنزه هناك مُحدد في "الكافيهات"، أما السينما فليست لها جمهور عريض، على حد تعبير أمل.
تابع باقي موضوعات الملف:
في دنيا المغتربات.. ''المعافرة صنعة'' (ملف خاص)
رحلة 3 بنات من الساحل إلى مدينة ''الزومبي''
حكاية ''منة'' بنت مطروح.. ''كواليس المدينة وسنينها''
يارا.. بنت صعيدية مش طالعة من التليفزيون
من الزقازيق للقاهرة.. اغتراب ''ندى'' وأهلها بلا عودة
رنا وإسراء.. بين ''مرمطة'' دار المغتربات و''نار'' السكن المستقل
''سارة''.. من دمنهور للقاهرة ''كعب داير'' يوميا
القاهرة التي تسكنها ''سارة''.. ''مكنتش على البال''
الروح تدب مطرح ما تحب.. حكاية ''مغتربة'' اسمها ''ندى''
فيديو قد يعجبك: