رنا وإسراء.. بين "مرمطة" دار المغتربات و"نار" السكن المستقل
كتبت - دعاء الفولي:
منذ ستة أعوام ونصف جاءت رنا الشناوي إلى القاهرة كي تدرس بكلية الإعلام جامعة القاهرة، ومنذ حوالي 3 سنوات قدمت إسراء عبد الحميد من أسوان للسبب نفسه، بين اختلافات العاصمة عن البيت، تعايشت الفتاتان، حاولت كل منهما السكن في مكان يوفر لهما راحة شخصية وأمان، غير أن ذلك لم يكن متوفرا طوال الوقت في القاهرة.
التأقلم لم يكن يسيرا على رنا "أول يوم جيت فيه عيطتsh وأخدت وقت عشان اتعود"، من بني مزار بالمنيا حضرت، وصلت أخبار المدينة الجامعية لها مُبكرا "كان بيتقال إنها سيئة جدا لدرجة إني لما روحت لقيتها أفضل من اللي كان في خيالي"، قضت سنوات الجامعة داخل المدينة، التي رغم كل شيء "ربطت ما بينا كبنات مغتربات".
المسئولية التي عرفتها رنا مُبكرا تعيشها إسراء منذ عامين، يُزعجها مواعيد المدينة التي تُغلق في التاسعة مساء، وكذلك مواعيد الطعام "الغداء بيبقى من 12 لسبعة بليل والعشاء من سبعة لتسعة"، تمر عليها بعض الأيام داخل الكلية دون استطاعة العودة إلى المدينة للحصول على الوجبة بسبب المحاضرات، غير أن الطعام أيضا ليس الأفضل، فهناك جدول ثابت من الأرز والمكرونة والخضروات واللحوم "بس احنا عادة بنشتري أكل من برة" تقول إسراء موضحة أن المشرفين لا يمانعون في ذلك.
عندما أصبحت رنا في السنة الثالثة من الكلية بدأت التدريب الصحفي، كان لزاما عليها أن تبقى في القاهرة خلال الإجازات، ولم تكن المدينة خيارا مطروحا لأنها لا تفتح أبوابها إلا في الدراسة "في الأول كانوا في البيت رافضين أقعد في سكن"، لكن عندما وجدت دار مغتربات تتبع وزارة التضامن الاجتماعي اطمأن الأهل لذلك.
السكن الجديد حمل لرنا المشاكل، بداية من مواعيد فتحه في التاسعة صباحا، إذ تعين عليها الانتظار في محطة القطار عدة مرات "لأنه لما كنت بروح بدري مبيبقاش فيه حد يفتح". 3 أشهر عاشتها داخل الدار –كانت الأجرة 200 جنيها في الشهر- مع صديقاتها، كان إعداد الطعام هناك مُتاحا أكثر من المدينة "كان فيه بوتاجاز وتلاجة"، غير أن الخصوصية غابت عن المكان "كنا نبقى نايمين ونلاقي الدادة دخلت الأوضة من غير ما تخبط".
استيقظت رنا يوما لتجد أحد العاملات في الدار تستخدم الملاعق الخاصة بها، انزعجت الفتاة من الموقف، وقدمت شكوى للإدارة "والمشكلة إن الست مكنتش شايفة إنها بتعمل حاجة غلط"، مع تراكم الخبرات السيئة في المكان قررت وزميلاتها الرحيل ومحاولة إيجاد شقة خاصة بهن.
منذ أقل من شهر تقطن إسراء في أحد دور المغتربات بشارع مراد بالجيزة، ذلك العام هو الأول لها في القاهرة خلال فترة الإجازة، اضطرت للمكوث كي تتدرب في الصحف المختلفة، في العادة لم تكن طالبة الإعلام تسافر إلى بلدها إلا في الأعياد والإجازات الرسمية، فالرحلة تستغرق 14 ساعة حتى المنزل.
من خلال خدمة الدليل استطاعت والدة إسراء الحصول على عنوان الدار الحالية "كانت شروطي إنه يبقى قريب من الجامعة"، ورغم أنها وجدت ضالتها، إلا أن مواعيد فتح السكن وغلقه تُمثل أزمة، فمن الساعة الثانية ظهرا وحتى السابعة مساء لا يوجد مشرفة ولذلك فالباب مُغلق "يعني لو حد تعب مش هيقدر يروح" على حد تعبيرها.
خيار الرحيل إلى شقة ليس مطروحا أمام إسراء، ليس بسبب رفض العائلة فقط "انا كمان مش حابة أسكن في شقة"، هي حبيسة تلك الدار حتى تأتي الدراسة وتعود للمدينة، كما أنها ليست واثقة بعد من إمكانية البقاء في القاهرة خلال الإجازة، فالتدريب لا يسير على ما يرام "لو كدة بقى يبقى بلدنا أولى بينا"، رغم السخط الذي تشعر به ابنة أسوان، لكنها تعرف أن مستقبلها كصحفية في القاهرة "لو بدأت مراسلة محافظات هفضل مراسلة طول عمري".
لم يمانع أهل رنا من بقاءها في شقة برفقة صديقات لها "تفهموا إن السكن مش مناسب ليا"، فبدأت رحلة البحث عن شقة في عقار مناسب؛ فوجدن شقة في الهرم، إيجارها 1600 جنيها في الشهر، تم توزيعها على البنات الخمس، لكنهن سرعان ما تركنها بسبب قدم الأجهزة والأثاث الموجود في الشقة "كانت الحاجات بتبوظ واحنا بنصلحها على حسابنا"، ليبحثن عن مكان آخر "ولقينا شقة تانية في الهرم بـ1400 جنيه في الشهر وأخت صاحبتنا ساكنة فوقينا".
الحياة في مكان مستقل تختلف تماما عن أي سكن تحكمه قوانين بعينها "لازم يبقى الواحد مسئول وبيقدر الناس اللي معاه"، كما أن اختيار الصُحبة المرافقة أمر ضروري "انا وصحابي اللي في الشقة متفاهمين كويس" لذا لا تجد رنا حاليا مشاكل متعلقة بالمكان، أما عن الأمان "الصدمة بتحصل لما الواحد يخرج من بيته في الأول بعد كدة خلاص".
دور واحد يوجد به شقتان، بكل منها ثلاث غرف؛ هكذا هو الحال بسكن إسراء الكائن بالجيزة، والذي لا يختلف حاله عن المدينة "فيه حشرات والدواليب مكسرة"، أما الطعام فلا زالت الفتاة تأكله من الخارج، وقليلا ما تلجأ للطبخ.
في شقة رنا، يتم توزيع المهام بشكل عادل "اللي بيطبخ مبيغلس مواعين واللي بيشتري الحاجات مش يطبخ وهكذا"، بعد ان استقرت الفتيات بالشقة علمن أنهن ملكات المكان، فحتى التنظيف يتم توزيعه عليهن، مواقف قليلة مرت بها المغتربات أبرزت التخوف لدى البعض من سكن البنات المستقلات "اللي خفف النظرة دي هي أخت صاحبتي اللي ساكنة فوقينا"، تذكر رنا عندما اتصل بها حارس العقار يسألها عن اسم رئيس اتحاد الملاك، فأخبرته أنها لا تعرف "فقاللي فيه واحد تحت بيسأل على شقتكوا فقولتله أه احنا طالبين أكل"، وعندما صعد عامل التوصيل ومعه البواب، كرر عليها السؤال مرة أخرى بشكل متشكك، لكنها لم تملك إجابة.
ابنة البواب أيضا التي لا يجاوز عمرها السبع سنوات، سألتها متشككة عن شخص كان واقفا على باب العقار يسأل عن رقمه فأخبرته رنا بينما تصعد إلى الشقة "فلقيتها بتقولي إنتي تعرفي الراجل دة منين؟"، وتحكي أيضا عن بواب العقار عندما صعد لهم منذ أيام ليخبرهم أن الرجل الذي يسكن أسفلهم يشتكي من الضجيج ولا يستطيع النوم بسببهن، مع الوقت فطنت الفتيات أن عدم الاختلاط بالآخرين قدر المستطاع هو المخرج الآمن لتلك الفترة.
العودة ليست أمرا مطروحا لرنا، أسرتها الصغيرة تتفهم مدى أهمية تواجدها في القاهرة، إلا أن بعض أفراد العائلة لا يفعلون "لما أرجع المنيا بقعد في بيت أهلي مبنزلش"، حين قررت المكوث في شقة واجهت اعتراضات بعضهم، لكنها لن تتنازل عن العمل، حتى أنها تبحث حاليا عن شقة بمكان أقرب لوسط البلد كي يلائم أماكن عملهن، بغض النظر عن وجود أحد الأقارب أم لا.
"التجربة كلها خلتني أعتمد على نفسي.. حاسة إني كبرت فوق سني بس بقيت أعرف أتصرف"، قالت رنا، فيما وافقت إسراء على ذلك، فالتنقل من مكان للثاني، والبُعد عن الأهل وحتى مجابهة المرض في "الغربة"، جعلت الفتاتان أكثر وعيا وخبرة بمشاكل الحياة في العاصمة وغيرها.
تابع باقي موضوعات الملف:
في دنيا المغتربات.. ''المعافرة صنعة'' (ملف خاص)
رحلة 3 بنات من الساحل إلى مدينة ''الزومبي''
حكاية ''منة'' بنت مطروح.. ''كواليس المدينة وسنينها''
يارا.. بنت صعيدية مش طالعة من التليفزيون
من الزقازيق للقاهرة.. اغتراب ''ندى'' وأهلها بلا عودة
''سارة''.. من دمنهور للقاهرة ''كعب داير'' يوميا
بنات بحري في المنيا.. ايه اللي رماك على المُرّ؟
القاهرة التي تسكنها ''سارة''.. ''مكنتش على البال''
الروح تدب مطرح ما تحب.. حكاية ''مغتربة'' اسمها ''ندى''
فيديو قد يعجبك: