إعلان

"شرف".. حين يُحول السجن الإنسان إلى "مسخ"

05:10 م الخميس 11 فبراير 2016

شرف

كتبت-نسمة فرج:

"الحرية" أغلى ما يمكن أن يملكه الإنسان، فمن سُلبت حريته يكاد عقله يطير، وهناك الكثير من القصص والمآسي التي حدثت بين جدران السجون بغض النظر عن القضايا والدوافع التي ألقت بهم في "الزنازين".

"السجن " كلمة تبعث في النفس شيء من الضيق، فما ظنك بمن تضطرهم الظروف للعيش بين أربعة جدران لا يعرفون شيء عن الحياة ومتاعها، ببراعة وصف الروائي صنع الله إبراهيم في روايته "شرف" الحياة داخل السجن وكيف يتعامل السجناء مع بعضهم البعض، وكيف هي التأثيرات السياسية المختلفة من عبد الناصر للسادات على المصريين.

يتحدث الكاتب عن اشرف عبد العزيز سليمان أو "شرف" كما ألفت الأم أن تناديه. شخص يعيش في حي فقير بالقاهرة برفقة أسرة كبيرة، يحلم بأن تصير له غرفته الخاصة ولا يتشارك غرفة النوم نفسها مع كل أفراد العائلة، يقضي أغلب وقته خارج المنزل مع أصحابه، له معرفة جيدة باللغة الإنجليزية الخاصة بالشارع والاغاني كأغلب فتيان جيله، غير أن ذلك كله تغير بين يوم وليلة.

قتل خاطئ

بمفرده كان "شرف" بإحدى الشوارع حين وجد رجل أجنبي معه بطاقتي سينما دعاه للحضور، ثم دعاه الى بيته وبعد ذلك حاول الخواجة لأن يمد يده الى ساقه ويتحسس فخذه، لكن الشاب لم يسمح له، ونشب شجار عنيف انتهي بان قتل "شرف" الرجل .

صار السجن مآل "شرف"، بسبب جريمة قتل استرالي اسمه "جون"، خاصة وأنه ضُبط مرتديًا سلسلة ذهب تعود ملكيتها الى القتيل، وفي الحقيقة فالمجنى عليه هو الذي خلعها وألبسه إياها، وبالتالي تحولت لدليل إدانة.

"إذا كان شرف موجودًا بجسده بين الجدران الاربعة، فإن روحه كانت ترفرف في الخارج ليلًا ونهارًا، فهو من سلالة شعب عظيم فضل دائما ان يكون مستعبداً كي لا يحرم من الحرية، والتطلع اليها". اعترف "شرف" بجريمة لم يرتكبها إلا دفاعا عن نفسه، لم يتحمل التعذيب، ضعف جسده أمام التهديد بتعذيب أخته أيضا.

داخل أروقة السجن يتعرف "شرف" على حياة أخرى غير التي تعود عليها وكان يتأفف منها، لكنه حين واجه الوضع الجديد شعر بأنه اعتاد على الرفاهية، إذ كان ينام بجانب دلو مخصص للتبول، من بقية الخبز الناشف يأكل، ومن جرادل المياه الموجود بجانب دلو التبول يشرب، متناسيا هذه القذارة، تعرف بطل الرواية هناك على بعض الأشخاص "كعب داير" داخل السجون بسبب الأوراق والبيروقراطية.

خلف قضبان السجن يستكشف "شرف" عوالم سرية مليئة بالفساد والانحلال، عالم حالك هالك لا يتصوره كثيرون، فيه ظلم وانتهاكات واستغلال بشع للمساجين لمصلحة السجان.

وبنظرة محايدة دون محسنات بديعية يصور صنع الله إبراهيم الفساد الإدراي المتراكم في كل مرفق من مرافق الحياة وذلك من خلال الرشوة التي تصل الى القضاء بواسطة محامين متمرسين، فالفساد سيسكن في أرفع مراكز الدولة لتمرير الأدوية والأغذية الفاسدة التابعة لشركة سويسرية ترسل أطعمة فاسدة لدول العالم الثالث.

وفي النهاية شرف الطالب المراهق الذي جاء السجن مدافعا عن "شرفه" انتهى أمره في السجن ضائعا ما بين الحصول على عملة السجن "السجائر" ومشاركة الآخرين وجباتهم في الطبخ والغسيل وتنظيف أرضيات السجن، تحول لشخص يمكن أن يفعل أي شيء كي يستطيع العيش.

الدكتور رمزي

في القسم الثاني من الرواية، بمعاونة ضابط الشرطة يحاول "شرف" إخفاء أوراق وقصاصات من الجرائد، لأن محتواها أشبه بالمذكرات وثق فيها الطبيب رمزي بطرس ألاعيب شركة كوش العملاقة السويسرية للأدوية، وكيف أدخلت إلى البلد صفقة أدوية فاسدة، وأصبح نفوذها أقوى من الحكومات.

يتعرف شرف ونحن خلال صفحات الملف على الدكتور رمزي، الصيدلي الذي انخرط في حلم الاشتراكية ليستيقظ على كابوس الرأسمالية، فمن خلال عملة في شركة "كوش" السويسرية التي تسيطر على أغلب سوق الأدوية في العالم بأسره، وعندما يكتشف الفساد يتهم هو بالتزوير و الرشوة و الإساءة لسمعة الشركة العالمية.

فساد الشركة السويسرية يكمن في الأدوية المصنعة للدول النامية لتتركك تلك الحقائق فزع من كل ما تأكله أو تشربه وحتى مما تتنفسه فالأدوية التي تصدر لنا من هذه الشركة تسبب السرطانات من خلال الأطعمة ومياه الشرب.

هذه الشركات لا تختلف كثيراً عن التتار فهم يقتلون الملايين ليربحوا المليارات هم حكام هذا العالم ومن يضع سياسات الدول العظمى ويجبرون الصغرى منها على الانصياع لتلك السياسات، كما يحكي بطل الرواية.

العرائس تحرج الحكومات العربية

في ذكري حرب أكتوبر طلب الطبيب "رمزي" من القائمين على السجن عمل عرض عرائس في السجن، وبالفعل تمت الاستعدادات للمسرحية في فناء الملكية، والمسجونون يفترشون الأرض فوق بطاطيهنم في ضجة وانفعال ليس من بينهم واحد من أصحاب اللحي الذين تابع بعضهم العرض من فتحات زنازينهم المغلقة في الطابق الثاني.

انتصبت مائدة غطت البطاطين سطحها وقوائمها لتخفي المساجين الذين سيتولون أمر العرائس، كشافان كهربائيان معلقان في السقف وستارة من البطاطين تمتد بين الجدارين بعرض الفناء فوق المائدة بحيث تخفى مدخلي الزنزانتين الأخيرتين المتقابلتين اللتين تكونان مع خلفية المائدة كواليس المسرح ميكرفون خلف المائدة.

الصف الأول من المتفرجين يتكون من مقاعد يشغلها المأمور في الوسط يحيط به ضباط السجن وأثار ذلك نقاش حادا بين رمزي والمأمور لأن المسجونين لم يتمكنوا من مشاهدة المسرح وبالفعل تم تعلية المسرح بصناديق خشبية وشمل الصف الأول كبار السجن من المأمور والسجناء.

وببراعة ورشاقة أدبية استطاع صنع الله إبراهيم من خلال العرائس أن يحدثنا عن قضايا مصر والعرب ورصد تاريخ الوضع العربي من قبل الحرب العالمية الأولى، حتى غزو العراق.

"شرف" يتغير

كما أنه سجل حوارا بين العرائس والمتفرجين، عن السلام والحرب، جاء منه: "المتفرج 2 : أي سلام هذا الذي يتحدثون عنه؟ وهم يحتفظون بمئتي رأس نووي، موجهة إلى العواصم العربية، تحت سمع المجتمع الدولي وبصره، ويطورون الصواريخ، ويعقدون الاتفاقيات العسكرية والأحلاف مع عتاولة الغرب والشرق"، فيما تقول إحدى العرائس "الأعمى هو الذي يعجز عن الرؤية؛ فالعالم الآن أصبح سوقاً تصديرية كبيرة، وستؤدي عملية السلام إلى ازدياد الاستثمار في المنطقة، وتوسيع الشرق أوسطية، وزيادة الاندماج بين دولها".

بعد سنوات السجن صار شرف شخصا مختلفا؛ أكثر وحشية، وأكثر انصياعًا لأخلاقيات السجن السيئة، ومع انتقال "شرف" إلى قسم النفوس في السجن، و هو القسم المخصص للقتلة و تعرفه بسالم و بحالات أخرى مثل الرجل الذي يدعو لنفسه بكونه المهدي أو بعد تعرفه بجواسيس اسرائيل الذي يحصلون على امتيازات خاصة يلتفت النظر إلى "ليفي" الإسرائيلي والذي يتمتع بزيارات من السفارة الإسرائيلية وكذلك بالجرائد، حيث يتابع قضايا الدعارة ليعرف مكان المسجونات و أسمائهن ليراسلهن وفي هذا القسم يستسلم شرف للانحطاط ويفقد "شرفه"، حين يطلب منه السجين أن ينصاع لرغباته الشاذة، ومن هنا تتحول مصلحة الإصلاح والتهذيب الى مصلحة إفساد وضياع.


تابع باقي موضوعات الملف: 

هل أتاك حديث السجون؟ (ملف خاص)

 

الطريق إلى ''زمش''.. ''لما الشيوعية ماتت م الضحك''

 

'سجينة طهران''.. فصل من حياة فتاة إيرانية داخل سجن ''إيفين''

 

يا صاحبي السجن''.. حكاية ''المعتوم'' بعد 100 يوم سجن

 

''تلك العتمة الباهرة''.. قصاصات عن الموتى الأحياء

 

في ''شرق المتوسط''.. كلنا سجناء


''حيونة الإنسان''.. طوبى لمن غنّى خلف الجدران

 

فيديو قد يعجبك: